حكاية وطن يحاول أن ينهض من جديد.بمعرض: الرحيل. حكاية حنين عميقة.للمصور: أنس خلف.

معرض «الرحيل»… حكاية حنين عميقة إلى الوطن بعدسة أنس خلف

رحلة فوتوغرافية مؤثّرة تختلط فيها مشاعر الحزن والفرح

معرض «الرحيل» في «المركز الثقافي الفرنسي» حتى 15 فبراير

بيروت: فيفيان حداد

غادر أنس خلف وطنه الأم سوريا عام 2012 إثر اندلاع «الثورة»، فاختبر مشاعر الغربة والمنفى معاً. وبعد سقوط نظام بشار الأسد، اتّخذ قراره بالعودة. حمل كاميرته وجال في أحياء دمشق وشوارعها، مفعماً بمزيج من الفرح والحنين. احتفل بعودته بعد غياب دام 13 عاماً. كانت لحظات تشبه الحلم، إذ لم يتوقَّع يوماً أن يلامس تراب وطن أجبره حُكمه السابق على الرحيل عنه. وكان شوقه للقاء والدته بعد الفراق الطويل الدافع الأكبر لهذه الرحلة. لكنّ القدر شاء أن ترحل والدته قبل يومَين فقط من وصوله. فخبا وهج العودة وامتزج الفرح بالحزن العميق. أرشف خلف مشاعره وأحاسيسه بعدسة كاميرته، ليحمل صوره لاحقاً إلى «المركز الثقافي الفرنسي» في بيروت، حيث أقام معرضه بعنوان «الرحيل».

يقول أنس خلف لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض بمثابة تكريم لوالدتي الراحلة. وأعدّه رحلة حداد، وشاهداً على الذكريات، وترجمة لقوّة حبّ عميقة تجد دائماً طريقها إلى الوطن».

عبر «الرحيل» يؤرشف أنس خلف فرح العودة إلى الوطن (الشرق الأوسط)

قدَّم خلف صوره ضمن أقسام متعدّدة، استوحاها من أفكار رافقته خلال رحلته. استهلَّ المعرض بلقطات لطريق العودة من لبنان إلى سوريا، ثم خصَّص 16 صورة للفراغ الذي يغلّف أحياء العاصمة السورية، وهو الفراغ ذاته الذي شعر به إثر وفاة والدته. مشى في شوارع «أبو رمانة»، و«المالكي»، ومناطق قريبة من القصر الرئاسي، حيث عاش طفولته وشبابه. وتحت عناوين مثل «مفرق»، و«مفترق»، و«إعادة بناء»، و«إشارة حمراء»، روى حكايته مع الحنين. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن أصدّق أنني أسير في شوارع دمشق، وأمارس التصوير بحرّية. لم أتخلّص من مشاعر الغربة والمنفى الإجباريين سريعاً. كنت أمشي كأنني في حلم لا أرغب في الاستيقاظ منه».

ينسج أنس خلف في معرض «الرحيل» ذكرياته الحلوة والمرّة في بلده الأم. تستوقفه مَشاهد العمارة الحديثة المُتداخلة مع المباني القديمة، وأخرى اعتقد أنّ الفرصة لن تسنح له مرة جديدة لرؤيتها. كان يُحرّك عدسة كاميرته باتجاهات مختلفة كي يستطيع لملمة كلّ السنوات التي أضاعها. ويتابع: «تحرّكت عندي جميع أنواع المشاعر من فخر وسعادة وحزن وعزلة. وأكثر ما كان يُعزّيني هو رؤية الناس فرحة ومبتسمة. فكانت تغمرني مشاعر متناقضة في اللحظة ذاتها».

صورة بشار الأسد بملامح ممحوّة تركت أثرها عند خلف (الشرق الأوسط)

في مجموعة أخرى من الصور، يُعبّر خلف عن ردود فعل شعب بأكمله تجاه نهاية مرحلة قاتمة وبداية أخرى. فبعد مشاهد الفراغ وإعادة البناء، ينقل المتفرّج إلى لقطات تنبض بالحياة: علم سوريا الجديد، والزحمة في الشوارع، وفتاتان تحملان العلم على كتفيهما، وصورة لعلم حديث يظهر على شاشة رقمية في وسط الساحة. ثم يأخذ الزائر في جولة عبر يوميات السوريين، في الأسواق، وعلى الأرصفة، وفي الساحات والمقاهي. ويُضيف خلف لـ«الشرق الأوسط»: «التقطتُ هذه الصور قبل نحو عام. ومؤخراً عدت إلى سوريا للاحتفال بمرور سنة على تحريرها. غمرتني مشاعر الفرح، كما كثيرين غيري عادوا من منفى فُرض عليهم. كانت مرحلة قاسية لم نتوقّع أن تكون لها نهاية».

سرير والدته الراحلة وأغراضها الشخصية (الشرق الأوسط)

كما يعرض خلف مجموعة صور أخرى توثّق التبدّلات التي طرأت على ملامح الوطن. فمن خلال لوحات مثل «موتو تاكسي»، و«سينما للأبد» و«فن وموسيقى»، يقارن بين إيقاع الحياة قديماً واليوم. تبرز في إحدى الصور ألواح الطاقة الشمسية الزرقاء التي تغطّي أسطح المباني، وأطلق عليها اسم «زهرة الجنوب»، بسبب شكلها الثلاثي الشبيه بزهرة التوليب. ويتوقّف أيضاً عند مشهد باعة الفيول المهرّب، وساحات مزخرفة تُركت مهجورة.

وتترك بعض الصور أثراً خاصاً عند ناظرها، منها تلك التي يظهر فيها مدفن والدته. ويُعلّق: «هناك صورتان تعنيان لي كثيراً. الأولى لسرير أمي الذي احتضنها حتى أنفاسها الأخيرة، فعندما وقفت أمامه بين أغراضها شعرت بحزن عميق. أما الأخرى فهي نقيض ذلك تماماً، وهي صورة عملاقة للرئيس السوري المخلوع، مُعلّقة على أحد الأبنية الشاهقة، وقد مُحيت ملامح وجهه وغُطّيت بملصقٍ أسود».

وتأخذ الجولة في المعرض الزائر إلى معالم دمشق المختلفة: المسجد الأموي، وأزقّتها وأحيائها القديمة. ويُصوّر مبنى عتيقاً يحمل أحد جدرانه لوحة لامرأة أنيقة، وأطلق عليها عنوان «لوحة تشبه أمي». كما تحمل صورة أخرى مبنى تراثياً شرقياً هو مدرسة «دار السلام»، حيث تلقّت والدته تعليمها.

وفي ركن آخر، يعرض خلف مَشاهد من حياة الناس وهمومهم: إعلانات وفاة، ورجلان مسنّان يلعبان النرد على ناصية الطريق. صور تختصر حكاية وطن يحاول أن ينهض من جديد

**********
المصادر:

  • (الشرق الأوسط)

– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
****************

أخر المقالات

منكم وإليكم