تعرفوا على (معبد جوبيتير الدمشقي) قصة طبقات حضارية متراكمة، بدأت من معبد آرامي بسيط، وتطورت إلى مجمع ديني روماني ضخم صممه مهندس دمشقي بارز

يعكس تاريخ بناء معبد جوبيتير في دمشق قصة استمرارية وتطور فريدة، حيث شُيّد على موقع مقدس استخدم للعبادة عبر آلاف السنين، وتحول من معبد آرامي إلى أحد أكبر صروح العمارة الرومانية في المنطقة.

,,,, الأصول الآرامية والهلنستية (قبل العهد الروماني)

لم ينشأ المعبد الروماني من العدم، بل كان امتدادًا لموقع ديني عريق:
… معبد حدد الآرامي : بين القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد ، أقام الآراميون في دمشق معبدًا مخصصًا لإله العواصف والمطر “حدد-رامان” في نفس الموقع الذي يشغله الجامع الأموي اليوم . لا يُعرف شكله الدقيق، لكن يُعتقد أنه اتبع النمط المعماري السامي الكنعاني التقليدي . بقي حجر واحد من هذا المعبد يعود لحكم الملك حزئيل، وهو معروض في المتحف الوطني بدمشق .
… التحول الهلنستي : بعد سيطرة الإسكندر الأكبر ثم الدولة السلوقية على المنطقة، حُوّل المعبد في عهد الملك أنطيوخوس الرابع (حوالي 175-164 ق.م) ليكون مكرسًا للإله .. زيوس .. ، الذي تمت مطابقته مع الإله حدد المحلي، مع الاحتفاظ بشكل المعبد الأساسي .

،،، البناء والتوسع في العصر الروماني

بعد سيطرة روما على دمشق عام 64 ق.م، بدأت مرحلة البناء الأكثر ضخامة والتي أعطت المعبد هيئته الشهيرة.
… البداية في عهد أغسطس : بدأت أعمال إعادة التطوير والتوسع بشكل جدي في القرن الأول الميلادي، تحديدًا في عهد الإمبراطور أغسطس . صمم المعبد الجديد المهندس المعماري الدمشقي الشهير .. أبولودوروس .. تم دمج الإله زيوس-حدد مع الإله الروماني جوبيتير، ليصبح المعبد مركزًا لعبادته .

،،،، التصميم والهيكل : تميز المعبد بتصميم .. “تيمينوس” (فناء داخلي مقدس) محاط ب “بيريبولوس” (فناء خارجي واسع) . وبلغت أبعاد هذا الفناء الخارجي حوالي 350 × 450 مترًا، مما يجعله أكبر معبد في سوريا الرومانية . احتوى الفناء الداخلي على أربعة أبراج في زواياه، استخدمت للطقوس الدينية السامية التقليدية التي كانت تقام في الأماكن المرتفعة .

،،، مراحل البناء والتجديدات :
اكتمل الفناء الداخلي (التيمينوس) حوالي عام 14 م، بعد وفاة أغسطس مباشرة .
بُني الفناء الخارجي (البيريبولوس) الذي ضم سوقًا على مراحل، واكتمل حوالي منتصف القرن الأول الميلادي.
شهد المعبد تجديدات وتوسعات كبيرة في عهد الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس (193-211 م)، بما في ذلك توسعة البوابة الرئيسية .
استمرت بعض أعمال البناء حتى عهد الإمبراطور قنسطانطيوس الثاني في القرن الرابع الميلادي.

،،،، من المعبد الوثني إلى الكنيسة ثم المسجد

شهد الموقع تحولين دينيين كبيرين يعكسان التحولات التاريخية للمنطقة:
1.التحول إلى كنيسة: في نهاية القرن الرابع الميلادي، وتحول الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية، أمر الإمبراطور ثيودوسيوس الأول بتحويل المعبد إلى كنيسة مكرسة ليوحنا المعمدان (النبي يحيى).

  1. التحول إلى الجامع الأموي: بعد الفتح الإسلامي لدمشق، تقاسم المسلمون والمسيحيون الموقع لعقود. ثم أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتحويله إلى مسجد مكان الكنيسة، ليكون .. الجامع الأموي .. الذي نعرفه اليوم، بين عامي 708 و714 ميلادية. تم دمج ضريح يوحنا المعمدان داخل هيكل المسجد الجديد .

،،،، ما تبقى من المعبد اليوم

لم يتبق من هذا الصرح الضخم سوى بقايا محدودة لكنها معبرة:
… الأعمدة والقوس : أشهر ما تبقى هو عدة أعمدة كورنثية ضخمة وقوس حجري، تقع قبالة المدخل الشمالي للجامع الأموي بجانب سوق الحميدية .
… الأسوار والبوابات : يمكن مشاهدة أجزاء من سور المعبد في المنطقة المحيطة، خاصة في حي القيمرية خلف الجامع . كما تحمل البوابات التاريخية مثل “باب البريد” (في نهاية سوق الحميدية) و”باب جيرون” الشرقي (في حي النوفرة) ذكرى أبواب المعبد الروماني العظيم .

باختصار، يمثل معبد جوبيتير الدمشقي قصة طبقات حضارية متراكمة، بدأت من معبد آرامي بسيط، وتطورت إلى مجمع ديني روماني ضخم صممه مهندس دمشقي بارز، قبل أن يتحول إلى كنيسة ثم إلى واحد من أشهر المساجد في التاريخ الإسلامي، ليظل القلب النابض لمدينة دمشق عبر العصور … R-A

أخر المقالات

منكم وإليكم