تعرفوا على الموسيقار المصري: محمد القصبجي.مواليد القاهرة عام 1898م.

Fareed Zaffour
الموسيقار المصري: محمد القصبجي:

إضاءات .. ومراجعات (2115)

1- وُلدت لأبوين فقيرين بحي “عابدين” [بالقاهرة]، سنة 1898م، وكان أبي رحمه الله جاداً في تربيتي، شديدَ الحرص على تنشئتي نشأةً صالحةً، ولا يزال أثرُها باقياً في حياتي حتى الآن، ولعلي مِن القلائل الذين يَعِيشون فى دنيا الفن دون أن يُدَخنوا أو يذوقوا الخمرَ طول حياتهم.

2- وقد اجتهد أبي في تحفيظي القرآنَ منذ طفولتي، فما إنْ أدركتُ التاسعة من عمري حتى كنتُ قد حفظته عن ظهر قلب.

3- ثم التحقتُ بمدرسة ماهر باشا، وكانت جميع العلوم تُدَرَّسُ فيها عدا اللغة الأجنبية، فلما بلغتُ السادسة عشرة التحقتُ بالأزهر، وقضيتُ به سنةً، دَرَسْتُ فيها المنطقَ والتوحيدَ وعلومَ الدين، وانتقلتُ إلى مدرسة عبد العزيز الأولية للمُعَلِّمين بحى عابدين، وكنتُ متقدماً دائماً، فجاء ترتيبي الثالث فى الشهادة النهائية، وعُينتُ مُدَرساً [..].

4- تلك هي سيرتي الأولى قبل احتراف الفن، بَيْدَ أني لم أكن بعيداً عن دنيا الفن ولا غريباً عليها منذ طفولتي؛ حيث :

  • كان أبي، الشيخ/ علي القَصَبْجِى، منشداً معروفاً في عهده، وهو عَهْدُ الإنشاد، ومَن ساعده في ذلك العهد الشيخ/ يوسف المنيلاوى (وكان منشداً ومغنياً في آنٍ) والشيخ/ الشنتوري والشيخ/ خليل محرم،
  • بَيْدَ أنَّ أبي كان الوحيد بين المنشدين الذي يُتقن النوتة الإفرنجية، ويحذق العزف على العود [..]، وكان يكسب قوته من التلحين للمغنين (كالشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ سيد الصفتى وغيرهما)، ومن ألحان الإسطوانات، ومن تعليم الموسيقى،
  • وهكذا نشأتُ والموسيقى في دَمِي، والتلحينُ وراثةٌ عن أبي [..] الذي بدأ تعليمي العودَ وأنا في التاسعة، وبعدَ سنة واحدة وجدتُّ نفسي أتقن العزفَ على وجه يستحق الالتفات.

5- كما انتبهتُ إلى “الموسيقى الغربية”، وتيقظتُ لها، وجَعلتُ أُرْهِفُ لها سمعي وأستسيغها، على غير شأنِ أهلِ الفن عندنا في ذلك الوقت، فلم أدرك الثالثة عشرة من عمري حتى أحسستُ أنَّ قدراتي في التلحين تتفتح [..].

6- حتى إذا أتممتُ العشرين، ضاقَ صدرى بمهنة التدريس، بعد أن مارستُهُ ثلاثَ سنوات، وأحسستُ شعوراً قوياً يدفعني نحو الفن، والفن وحده، فاستقلت من وظيفتي ووهبت حياتي للموسيقى [..].

7- غيرَ أني، في كل الإنتاج الذي أنتجته في ذلك الحين، لم أَكُنْ كثيرَ الرضى عن نفسي؛ حيث كنتُ أحس أنني، باستمراري في تقديم “اللون السائد” في ذلك العهد، لا أَخْدِمُ الموسيقى ولا أقدم “شيئاً جديداً” يترك لي شيئاً من “الفَضْل”، بيد أني كنت أحلم بالصوت الذي يستطيع أن يعينني على أداء الرسالة الجديدة التي تَخْتَلِج في نفسي [..]، إلى أن ظهرت الفتاة السمحة الملهمة الآنسة/ أم كلثوم، وحدثَ التعارفُ الذي بدأتُ به صحيفةً جديدة من حياتي؛ إذ وجدتُّ فيها الصوتَ الذي أحلم به [..]، ومنذئذٍ ارتبطتُّ معها برِباطٍ لا تنفصم عُراه، في صداقةٍ وعملٍ وإخلاص.

[أستاذ الأساتيذ، الرائد الكبير في الاجتهادِ والتجديدِ الموسِيقِي/ محمد القصبجي – 1946م]

قلتُ (يحيى) :

1- لاحظ هنا :

أ- النشأةَ والتربيةَ المتدينةَ الصالحةَ المصلحةَ المتفحتةَ أولاً (قارن هذا ببيئاتِ “العشوائية والانحطاط والسفالة” التي أَخْرَجت وتُخرج لنا سَقْطَ المتاع الذين يُسَمَّوْن خطأً بالفنانين، والذين ينشرون على الناس “الروائحَ الكريهة” لهاتيك البيئات الساقطة عبر إنتاجاتهم المُتَسَفِّلة !)،

ب- ودَوْرَ القرآن الكريم في حياة القصبجي، ثانياً، وأنَّ هذا لا يتعارض مع الفنون (كما أوهمنا ويُوهمنا التراثُ الفقهي والمشايخ والإسلاميون. وثمة “مقارناتٌ تراثيةٌ مخبولةٌ”، مبثوثةٌ في بعضِ مطولاتِ ومتوسطاتِ الكتب، كتبها أعلامٌ تراثيون كبار، تُقِيم تعارضاً وتضاداً وتنافراً بَيِّناً بين “القرآن” من جهة و”السَّمَاع” -أي “الغناء والموسيقى”- من جهة أخرى ! وهذا -بالضبط- كمَن يريد أنْ يُقِيمَ تعارضاً وتضاداً وتنافراً بين “الصلاة” و”التمارين الرياضية” ! نسألُ اللهَ للجميع الشفاءَ العاجل ! فضلاً عن الغفلة الشنيعة عن كون القرآن المجيد كتاباً “فنياً” بامتياز، مِن أمِّ رأسه إلى أخمص قدميه)،

ج- وانفتاحَ أفاضل “المشايخ” على “البيئة الفنية”، مما ساهم في ارتقائها التدريجي، بدل تركها لـ “الوَحْل”، ثالثاً،

وهنا يمكن أن نستدعي (ضمن ما يمكن استدعاؤه) :

  • التتلمذَ المباشر -على سبيل المثال لا الحصر- لـ “محمد عبد الوهاب” على يد إمام القراء الشيخ/ محمد رفعت (قائلاً بالحرف الواحد : “أنا كنت تحت رِجْلِيه”) وصِنْوه الشيخ/ علي محمود (فضلاً عما بَسَطْناه، بهذا الخصوص، عن عبد الوهاب، في السلسلة من قبل)،
  • ونشأةَ ومسيرةَ أم كلثوم،
  • ونشأةَ ومسيرةَ زكي طليمات (وقد أفردنا بعضاً من جواهرها ونوادرها بالنشر في السلسلة من قبل)،
  • إلخ،

د- ودورَ الانفتاحِ، من موقع “الراشد المستقل”، على “النتاج الفني الغربي”، وتلقيح ما لدينا بما لديه، مما يثرينا إثراء ويُطَورنا تطويراً، مما أنتجَ لنا “القصبجي” العملاق (ثمة نماذج من روائع وبدائع الموسيقى العربية، له، تجدها في التعليقات)، وذلك بدلاً من توهم وجوبِ “القَطْعِ والقطيعة” مع العالَمِين للحفاظِ على “أصالةٍ متوهمة” هي مَحْضُ جمودٍ فتكلسٍ فمَواتٍ !

هـ- إلخ.

2- وبهذا تعلم (ضمن ما يمكن أن تعلم) :

أ- أنَّ لـ “البيئة المتدينة المتفتحة” انعكاسها الجَلِيَّ على “البيئة الفنية”،

ب- وأنَّ “انقطاعَ الاتصال/التواصل” بين “البيئتين” مِن أهم محفزاتِ انزلاقِ الأولى نحو جُبِّ “التزمت”، وانزلاقِ الثانية نحو هُوة “الانحدار والانحطاط والتحلل”،

ج- وأن هذا “الانقطاع الشنيع” من أهم عوامل “سقوط وتردي” الفنون في بيئتنا العربية الآن،

د- وأن “الانقطاعَ عن العالَم” (غربياً وغيرَ غربي) يُحَوِّلُكَ إلى “بِرْكَةٍ آسِنَةٍ متعفنة”، تتقيأ ما تجتره، وتجتر ما تتقيأه، وتتغذى على ذاتها حتى تَسْتَهْلِكَها فتُذْبِلَها فتُفْنِيها (كالمُضْرِب عن الطعام يَستهلكُ ذاتَهُ) !

هـ- إلخ.

[يحيى جاد – 6/ 11/ 2025م]

إضاءات ومراجعات يحيى_جاد

أخر المقالات

منكم وإليكم