” تونس تحتفي بالشعر والضوء ” … 🇹🇳🇮🇶
خيمة الإبداع العربي تكرّم يحيى السماوي في دورة استثنائية … 🇹🇳🇮🇶
بقلم : طارق الأسمر … 🇲🇦
على ضفاف المتوسط، حيث تتعانق زرقة البحر مع بياض الياسمين، وتتماوج نسائم الحمّامات بعطرها العتيق، ارتفعت خيمة الإبداع العربي في دورتها الثالثة لعام 2025، لتغدو منارة ثقافية تضيء سماء تونس وتجمع تحت سقفها نخبة من المبدعين العرب، في احتفاء خاص بالشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي، الذي كان نجمًا لا يخبو في سماء الشعر العربي.
وتحت شعار “تونس ملتقى الأنهار الأدبية والفنية وموطن ميلاد بحار المعنى”، تحولت مدينة الحمّامات إلى ملتقى للأرواح المبدعة، حيث اجتمع أدباء وشعراء وباحثون وأكاديميون من اثنتين وعشرين دولة عربية، في تظاهرة ثقافية وفنية قلّ نظيرها. لم يكن المهرجان مجرد حدث عابر، بل كان احتفالًا بالهوية العربية، وباللغة التي تنسج من الحروف أجنحة تحلق في سماء الإبداع.
حيث جاء تنظيم المهرجان ثمرة تعاون بين المركز الثقافي والاجتماعي الدولي بالسويد، بقيادة الأستاذ عباس الحكيم، وجمعية منارة الإبداع التونسية برئاسة الأستاذ فرج منصور، وبإشراف دقيق من الأمين العام الأستاذ ستار الدليمي ومديرة المهرجان السيدة سميرة النويرة. جهودهم المتفانية رسمت ملامح مهرجان يليق باسم “خيمة الإبداع”، كمنصة عربية رائدة لتلاقح الفكر وتبادل التجارب.
وفي اليوم الأول، استقبلت الحمّامات ضيوفها بحفاوة تليق بمكانتهم، حيث ألقى السفير العراقي في تونس كلمة ترحيبية، أكد فيها على عمق الروابط الثقافية بين العراق وتونس، وعلى دور الأدب والفن في بناء جسور التواصل بين الشعوب. تلاه الأستاذ عباس الحكيم، الذي تحدث بشغف عن رسالة المهرجان، مؤكدًا أن خيمة الإبداع ليست مجرد مظلة للمواهب، بل منبرٌ يُعلي من شأن الكلمة الحرة والصوت العربي الأصيل.
حيث افتتح المهرجان بمعرض فني تشكيلي ضم أعمالًا لفنانين عرب من مختلف المدارس، حيث تمازجت الحداثة مع التراث، في لوحات تنبض بالحياة وتروي حكايات الشعوب. وفي لحظة رمزية، عزف النشيدان الوطنيان التونسي والعراقي، في مشهد جسّد وحدة الوجدان العربي وروح التوأمة الثقافية.
كما امتدت القراءات الشعرية على مدار أيام المهرجان، صباحًا ومساءً، حيث صدحت الحناجر بنصوص تنوعت بين العمق الرمزي والبوح العاطفي، لتملأ أجواء الحمّامات بصدى القصائد. كان الشعراء يتناوبون على المنصة، بينما يتفاعل الجمهور مع كل بيت وكل استعارة، في حوار حيّ بين النص والمتلقي.
ومن الشعر إلى المسرح، حيث قدّمت فرقة مسرحية عربية عرض “ثنايا”، الذي تجاوز حدود السرد التقليدي، ليغدو تجربة بصرية وروحية آسرة. بدأ العرض بصمت مهيب، سرعان ما انقلب إلى إيقاع نابض بالحياة، حيث تماهت الموسيقى مع الضوء، والخط العربي مع الحركة، لتولد لوحة فنية تنبض بالحس والجمال، وتغوص في أعماق الروح.
وفي أمسية ساحرة، خُصصت منصة العرض للأزياء التقليدية التونسية الخاصة بالعروس، حيث تنقلت العارضات بين الحضور بأثواب مطرزة بألوان الأصالة، تحكي عن تاريخ طويل من الذوق الرفيع والحرفية المتقنة. كانت التصاميم بمثابة قصائد مرئية، تنشد الجمال وتحتفي بالهوية.
كما لم يغب البعد المعرفي عن المهرجان، إذ احتضنت الخيمة سلسلة من الندوات العلمية والأدبية، ناقشت قضايا الابتكار في الأدب، ودور التكنولوجيا في إثراء الثقافة، وأثر البحث العلمي في التنمية الثقافية. كما شهدت الفعاليات توقيع كتاب جديد للدكتور جنان السعدي، في لقاء جمع بين المؤلف وقرائه، فتح فيه بابًا للحوار والتفاعل الثقافي.
و بعيدًا عن المنصات، اصطحب المهرجان ضيوفه في جولات سياحية إلى مدينة سوسة وأسواقها العتيقة، حيث تلاقى الحاضر مع الماضي في أزقة تعبق بالتاريخ. كما زار المشاركون مدينة سيدي بوسعيد، حيث تماهت ألوان الأبيض والأزرق مع غروب الشمس، في مشهد شعري لا يُنسى، أضفى على التجربة بعدًا وجدانيًا وإنسانيًا.
وفي ختام المهرجان، كان التكريم الكبير للشاعر يحيى السماوي، الذي أضاء بكلماته سماء الحمّامات، وجلس بين محبيه يروي لهم من معين تجربته الشعرية، ويغرس فيهم بذور الإلهام. كان حضوره بمثابة تتويج للمهرجان، واعترافًا بمكانته في خارطة الشعر العربي.
كما لم يكن النجاح ليكتمل لولا الجهد الإعلامي المميز، الذي قاده الأستاذ خضير الرميثي، فيما تولت الأستاذة ليلى بوشمامة صياغة المحتوى الإبداعي، وإدارة الخطابات والمواد البصرية، لتخرج التغطية الإعلامية في أبهى صورها. كما شهد المهرجان مبادرة إعلامية لافتة، أطلقها الشاعر ستار الدليمي، لتسليط الضوء على البروفيسور وليد الجراح، عبر نافذة ثقافية فتحها الإعلامي القدير مجيد السامرائي، في خطوة تعزز من الحضور الأكاديمي للمهرجان.
وهكذا أسدل الستار على دورة استثنائية من مهرجان خيمة الإبداع العربي، دورة جمعت بين عبق الماضي وأحلام المستقبل، بين الشعر والمسرح، بين الفن والمعرفة، وبين ضيوف من كل الأقطار العربية، اجتمعوا على ضفاف المتوسط ليقولوا للعالم: إن الثقافة العربية ما زالت تنبض، وإن الكلمة ما زالت قادرة على أن تبني جسورًا من المحبة والجمال …


