بين مملكتي أوغاريت ويمحاض. العلاقات السياسيةخلال الألف الثاني قبل الميلاد.-د.غسان القيم.

العلاقات السياسية بين مملكتي أوغاريت ويمحاض خلال الألف الثاني قبل الميلاد: قراءة في ضوء الوثائق النصّية والأدلة الأثرية..
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
يُعدّ الألف الثاني قبل الميلاد إحدى أكثر الفترات تأثيرًا في إعادة تشكيل الخريطة السياسية لسورية القديمة بعد انهيار الإمبراطورية الأكادية وانحسار السلطة المركزية في بلاد الرافدين. وقد أفضى هذا الانهيار إلى بروز عدد من الممالك الأمورية التي شكّلت بدورها نواة التشكّلات السياسية والاقتصادية في شمال سورية ووسطها وغربها. ومن بين هذه الممالك برزت يمحاض (حلب) بوصفها قوة إقليمية أولى، في حين بدأت أوغاريت على الساحل الشرقي للبحر المتوسط بالدخول إلى المشهد التاريخي بشكل تدريجي.
تسعى هذه الدراسة إلى تحليل العلاقة بين المملكتين، اعتمادًا على الوثائق النصّية المكتشفة في ماري وأوغاريت، وعلى المعطيات الأثرية المنشورة في تقارير التنقيب والدراسات المتخصصة.
أدّى انحلال السلطة الأكادية في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد إلى انتقال مراكز القوة إلى الممالك المحلية التي يصفها الباحثون بالأمورية نسبةً إلى الجماعات اللغوية والثقافية التي شكّلت أغلبية سكانها. وتوزّعت هذه الممالك في مناطق ذات أهمية استراتيجية من بينها:

ماري (تل الحريري) على الفرات الأوسط

إبلا (تل مرديخ) في وسط سورية

يمحاض (حلب) في شمالها

قطنة (تل المشرفة)

الألالاخ (تل عطشانة) في سهل العمق

إضافة إلى المراكز الساحلية وفي مقدمتها أوغاريت.

تُظهر الوثائق النصّية المكتشفة من ماري وجود شبكة علاقات دبلوماسية واسعة تربط بين هذه الممالك مع بروز يمحاض بوصفها العنصر الأكثر تأثيرًا في شمال سورية.
تشير النصوص الأكادية التي تعود إلى القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد إلى أن يمحاض بلغت أوج اتساعها خلال حكم حمورابي الأول ووريثه أبا–إيل. وقد امتد نفوذها من:
نهر الفرات شرقًا
إلى الساحل السوري غربًا
ومن أطراف الأناضول شمالًا
حتى حدود قطنة جنوبًا.
هذا الامتداد يشير إلى قدرة يمحاض على التحكم بالممر التجاري الرئيس المعروف بـ “الممر السوري” الذي يربط الفرات بالساحل عبر ماري إيمار حلب الألالاخ وأوغاريت.
ومن الموثّق كذلك أن يمحاض أقامت تحالفًا سياسيًا متينًا مع ماري ظهر بوضوح في دعم الملك ياريم–ليم الأول للملك زمري–ليم، وإعادته إلى عرش ماري بعد نفيه إضافة إلى رابطة المصاهرة التي تعزّز هذا التحالف.
إحدى أهم الوثائق الدالة على الارتباط بين أوغاريت وحلب هي الرسالة المكتشفة في أرشيف ماري وفيها يوجّه ملك يمحاض طلبًا إلى زمري–ليم نيابةً عن ملك أوغاريت.
وتتضمن الرسالة وساطةً دبلوماسية لسماح الأخير بزيارة القصر الملكي الذي كان زمري–ليم قد رمّمه أو أعاد بناءه.
وتقدّم هذه الوثيقة عددًا من المؤشرات المهمة:
غياب الاتصال المباشر بين ماري وأوغاريت ما يرجّح خضوع أوغاريت للتسلسل السياسي التي كانت يمحاض تتصدره.
دور يمحاض كوسيط سياسي بين الممالك الأصغر، وهو دور طبيعي لقوة مهيمنة إقليمية.
إمكانية تبعية أوغاريت ليمحاض في مرحلة مبكرة من تاريخها قبل أن تتبلور هويتها السياسية المستقلة في القرون اللاحقة.
وتتوافق هذه المؤشرات مع نمط العلاقات السياسية المعروفة في الشرق الأدنى القديم، حيث تتولى الممالك الكبرى الإشراف على مراسلات وتحركات الممالك التابعة أو الحليفة لها.
يُشكّل الطريق الممتد من الفرات إلى المتوسط عبر ماري–إيمار–حلب–الألالاخ–أوغاريت واحدًا من أهم الممرات التجارية في سورية القديمة.
إن السيطرة على هذا الطريق كانت تعني السيطرة على:
الموارد الاقتصادية
تدفق البضائع والمواد الأولية
التحالفات السياسية
والمواقع الاستراتيجية المؤثرة
وبحكم وقوع حلب في مركز عقدة هذا الطريق فقد امتلكت القدرة على فرض نفوذها على الممالك الواقعة على امتداده، ومنها أوغاريت.
وبالتالي يصبح افتراض التبعية السياسية أو الارتباط الاقتصادي الوثيق بين أوغاريت ويمحاض أمرًا ذا أساس منطقي يتسق مع الجغرافيا ومع نموذج السيطرة الإقليمي.
رغم الاتجاه الذي تشير إليه الوثائق الحالية ينبغي التأكيد أنّ مراحل أوغاريت المبكرة لم تُكشف بالكامل بعد. فمعظم الرقم المكتشفة تعود إلى أواخر الألف الثاني قبل الميلاد أي إلى الفترة التي سجّلت فيها أوغاريت استقلالًا ونفوذًا واضحين.
لذلك تظل فرضية التبعية السياسية ليمحاض قائمة ولكن غير محسومة في انتظار اكتشاف وثائق أو طبقات أثرية إضافية قد تلقي ضوءًا أوضح على العلاقات في القرون المبكرة.
تُظهر الوثائق المتاحة أنّ مملكة يمحاض تمتعت خلال الفترة 1750–1550 ق.م بمكانة إقليمية راسخة مكّنتها من بسط نفوذها على مساحات واسعة من شمال سورية بما في ذلك الطريق الحيوي الذي يربط ماري بالساحل. وتدل الرسالة المكتشفة في ماري على علاقة غير مباشرة بين أوغاريت وماري مرّت عبر حلب ما يعزّز فرضية أنّ أوغاريت كانت تقع ضمن دائرة النفوذ اليمحاضي في تلك المرحلة.
ومع ذلك تبقى هذه الخلاصات مفتوحة أمام المراجعة العلمية بانتظار المزيد من المكتشفات الأثرية التي قد تساهم في إعادة كتابة جانب مهم من تاريخ سورية القديم..
سرد تاريخي
“””””””””””””””””
عاشق اوغاريت.. غسان القيم..

المراجع والمصادر :

التي استند إليها البحث
مع ترجمة أسماء المراجع الأجنبية
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

  1. تقارير بعثات التنقيب الأثري في أوغاريت المديرية العامة للآثار والمتاحف دمشق.
  2. الحوليات الأثرية السورية وزارة الثقافة أعداد مختلفة.
  3. Marguerite Yon, Ugarit: History and Archaeology, Paris.

مارغريت يون أوغاريت: التاريخ والآثار باريس.

  1. A. Malamat, “Mari and the Amorite World,” Journal of Near Eastern Studies.

أ. ملّامات “ماري والعالم الأموري” مجلة دراسات الشرق الأدنى.

  1. Jack M. Sasson (ed.), The Mari Letters, Cambridge University Press.

جاك م. ساسون (محرّر) رسائل ماري مطبعة جامعة كامبريدج.

  1. Ugarit-Forschungen (Specialized Ugaritic Studies).

أبحاث أوغاريت – Ugarit-Forschungen (دراسات أوغاريتية متخصصة).

  1. دراسة تحليلية للباحث: غسّان القيّم.

أخر المقالات

منكم وإليكم