ينطوي قول ميلان كونديرا: “الإنسان مسؤول عن جهله” على دلالة فلسفية تتجاوز مفهوم الجهل بوصفه نقصاً في المعرفة، لتضعه في إطار الخيار الأخلاقي والوجودي. ففي سياق عالم معاصر تزدحم فيه مصادر المعلومات وتتعدد فيه منافذ الوصول إلى المعرفة، لم يعد الجهل حالة عرضية أو حتمية، بل أصبح تمظهراً للتقاعس الإرادي والانكفاء الطوعي عن ممارسة التفكير النقدي.
إنّ قبول الإنسان بجهله تجاه قضية ما، أو اكتفاءه بما تفرضه عليه الأيديولوجيات الجاهزة و”الفقاعات المعرفية” المغلقة، يُعبّر في جوهره عن تخلٍّ عن المسؤولية المعرفية، وتنازلٍ ضمني عن الحق في اتخاذ موقف مستقل نابع من وعي حر. وحين يغدو الإنسان مجرد متلقٍ سلبي، تتحول ذاته إلى كائن مُدار فاقد للقدرة على المبادرة، فيغدو عُرضة سهلة للاستغلال السياسي والاجتماعي. وهذا الشكل من الجهل التراكمي يشكّل بيئة خصبة لإعادة إنتاج أنماط السيطرة الفكرية والتلاعب الجماهيري، ولذلك فإن إدراك الإنسان لمسؤوليته عن جهله يُعدّ لحظة مفصلية في مسار تحرره الذهني، وبدايةً فعلية لبناء وعي نقدي يقاوم وصاية الأجوبة الجاهزة ويفتح المجال أمام التفكير الحر والمستقل.


