فلسفة الفنان فائق حسن من وجهة نظر النقاد
يُعتبر الفنان العراقي فائق حسن في نظر النقاد “المعلم الأول” و”مهندس اللون” في الفن التشكيلي العراقي الحديث إذ لم تكن فلسفته مجرد محاكاة للطبيعة، بل كانت رؤية عميقة تدمج بين الأكاديمية الصارمة والروح الشعبية العراقية. ويرى النقاد أن فائق حسن هو أول من “فلسف اللون” في العراق، فلم يكن اللون عنده وسيلة للملء بل هو جوهر البناء الدرامي في اللوحة. ففي فلسفته حول توزيع الكتل، كان يؤمن بأن إتقان توزيعها هو مفتاح الحركة داخل العمل الفني، كما يصفه النقاد بأنه “ملوّن بارع” يمتلك قدرة فائقة على خلق هارموني لوني وانسجام يعبر عن عمق الحياة البغدادية وبداوة الصحراء في آن واحد. وكان دائم يحث تلاميذه على الجرأة في وضع اللون، معتبراً أن فلسفة الفنان تتجلى في كيفية ابتكاره لقيم لونية جديدة.
وفيما يخص الواقعية الحية والبيئة المحلية، اتفق النقاد على أن فائق حسن لم يكن واقعياً “فوتوغرافياً”، بل كان واقعياً تعبيرياً. ركز في فلسفته على رسم الطبقات الكادحة من فلاحين وعمال وغجر، لا بوصفهم نماذج جامدة، بل ككائنات تنبض بالحياة. أما الخيول العربية، فكانت في فلسفته رمزاً للجمال والشموخ والقوة، ويرى النقاد أن اهتمامه بتشريحها العضلي لم يكن تقنياً فحسب، بل كان محاولة لإظهار الإيقاع الساحر للروح العربية.
وتثير فلسفة فائق حسن نقاشاً نقدياً حول دور الفنان وجدلية “المثقف والرسام”، فقد كان يميل إلى الصمت ويرفض شرح لوحاته، ويرى أن اللوحة هي الإعلام الحقيقي عن رؤيته. ورداً على بعض النقاد الذين وصفوه بأنه “ليس مثقفاً”، كان يرى أن ثقافة الرسام تكمن في بصره لا في كلامه، وأن وظيفته هي تأويل الباطن وتحويل الاحتمالات إلى ضرورة بصرية، مؤمناً بأن اللوحة يجب أن تتضمن تاريخاً رمزياً يختزل الواقع العراقي بمراحل نموه وصراعاته وآماله.
كما تميزت فلسفته بالتعددية الأسلوبية والتجريب الواعي، فقد كان بمثابة مختبر فني متنقل، ولم يحصر نفسه في أسلوب واحد إذ تنقل بين الواقعية والانطباعية والتكعيبية وحتى التجريد ولم يكن هذا التنوع تشتتاً في نظر النقاد بل كان بحثاً دائماً عن هوية فنية تجمع بين التقنيات العالمية التي درسها في باريس والروح المحلية الصرفة.
يستند هذا المقال إلى رؤى وأفكار كبار النقاد والمؤرخين الفنيين الذين عاصروا فائق حسن أو درسوا تجربته بعمق. ومن أبرزهم جبرا إبراهيم جبرا الذي يعد من أهم من أرخ للفن العراقي ووصف فائق بـ “المعلم الأول”، مركزاً على قدرته في تطويع الواقعية لتكون لغة عراقية خالصة. وكذلك شاكر حسن آل سعيد الذي تناول تجربته من زاوية الأكاديمية والحداثة، وكيف استطاع الموازنة بين انضباط المدرسة الفرنسية وعفوية البيئة العراقية.
أما الناقد نزار سليم، فقد ركز في تحليله على الجانب الاجتماعي، مشيراً إلى أن فائق كان رساماً ملتزماً بقضايا الناس ومحولاً معاناتهم إلى قيم جمالية. في حين ركز نوري الراوي على فلسفة المكان وكيفية نقل الضوء العراقي بصدق وموضوعية بعيداً عن الرومانسية المفرطة. وتناول الناقد محمد الجزائري وعي فائق حسن باللون بوصفه أداة تحرر، مبيناً امتلاكه وعياً متقدماً سمح له بالانتقال بين الأساليب دون فقدان هويته.
ويبرز أيضاً الناقد والفنان شوكت الربيعي الذي كتب بشكل مكثف ومعمق عن هذه التجربة، ويُعتبر من أهم المراجع التي وثقت مسيرته في كتابه المتخصص “فائق حسن: دراسة في حياته وفنه” الصادر عام 1982، حيث حلل فيه عبقرية فائق اللونية ودوره كمؤسس للأكاديمية الفنية في العراق. وقد أجمع هؤلاء النقاد على أن فائق حسن لم يكن مجرد رسام ماهر، بل كان مؤسساً لتيار فكري يرى في الفن وسيلة لتعريف الهوية الوطنية وتوثيق الحياة اليومية بروح حداثية.
الناقد والفنان عاصم الربيعي


