المصور المتجول ( السيد عمر ) الذي صارع الفقر بعدسته بشوارع الموصل- مشاركة: أنور الدرويش.

الكاميرا … وحكاية السيد عمر .
المصور المتجول الذي صارع الفقر بعدسته ..
( الصورة الشخصية للمرحوم بعدسة المصور بشار عدنان )

في شوارع مدينة الموصل . حيث تتداخل أصوات الحياة المختلفة .
عاش سيد عمر .
لم يكن اسمه مجرد للنداء . بل كان عنوانا لمعاناة عميقة ، ورمزا لصراع يومي خاضه ضد قسوة الحياة وظلم الأيام وقهرها . كان سيد عمر مصورا متجولا . لكن عدسته لم تكن تلتقط الصور فقط . بل كانت شاهدا صامتا على حياته البائسة . وقصته المؤلمة مع الفقر والعوز .
لم يعرف السيد عمر ترف العيش . نشأ في كنف الفقر الذي طبع روحه بجراحات لا تندمل . وزرع في قلبه غصة لم تفارقه قط . لم تكن حياته سوى مجموعة من اللحظات الشحيحة التي يطاردها الجوع والفقر . استنزف سنين عمره في مطاردة لقمة العيش . لم يملك رفاهية التعليم . أو فرصة الانطلاق في دروب الحياة كما يفعل الأخرون . بدلا من ذلك . تعلم دروس الحياة القاسية في مدرسة الشارع . حيث المعلم هو الحاجة . والمنهج هو البقاء .

وكلما تقدم في العمر . ازدادت وطأة الفقر عليه . لم يكن وحيدا في هذا الكفاح . بل كان يحمل على عاتقه مسؤولية عائلة قد تكون ضاقت بها سبل العيش أيضا . ومع الشيخوخة . زحفت الأمراض إلى جسده النحيل . وأصبح السير صعبا، والألم رفيقًا دائما . اضطر إلى الاستعانة بعكازين . لم يكونا مجرد وسيلة للمشي . بل أصبحا جزءا من مظهره الذي يصرخ بحجم معاناته . ومع ذلك . لم يعرف الاستسلام طريقًا إلى قلبه . كان الشغف بالتصوير . والضرورة الملحة لكسب قوت يومه . هي الوقود الذي يحركه كل صباح .
كاميرته العتيقة . التي ربما عاصرت أجيالا من المصورين . كانت هي سلاحه الوحيد في معركته ضد الفقر . كانت عدستها الصدئة . لكنها حادة النظر . تلتقط صورا للناس والوجوه والأماكن . على أمل أن يترزق منها ليسد رمق جوعه وجوع عائلته . كل ضغطة زر لم تكن مجرد التقاط لصورة . بل كانت دعاء صامتا، ورجاء خفبا بأن يمن الله عليه بزبون يلتقط من خلال كامرته صوره . كان يقف لساعات طوال . تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا . وفي برد الشتاء القارس . لا يبرح مكانه إلا حين يشتد عليه الألم . أو حين ييأس من الحصول على أي مبلغ .

كانت نظرات الناس تمر عليه أحيانا بلا مبالاة . وأحيانا أخرى بشفقة لم يكن يتقبلها فقد كانت كرامته أثمن عنده من أي شيء آخر . كان يريد أن يكسب قوته بعرق جبينه . بمهنته التي أحبها . كانت تجاعيد وجهه تحكي ألف حكاية من الفقر والحرمان . وعيناه الغائرتان كما لو انها كانتا تخفيان بحرا من الدموع
لم يكن سيد عمر يحلم بالثراء . أو بالرفاهية التي لم يعرفها قط . كل ما كان يتمناه هو أن يتمكن من توفير لقمة العيش لأسرته . وأن يجد مأوى يحميهم من قسوة الزمان، وأن ينام في نهاية اليوم دون أن يقض مضجعه التفكير في الغد المجهول . كانت حياته سلسلة لا تنتهي من المقاومة . من محاولة البقاء في عالم قاس لا يرحم الضعفاء .

لقد رحل سيد عمر بصمت . تاركا خلفه عكازيه وكاميرته . يبقى أثره أعمق من مجرد صور . تبقى قصته شهادة على كفاح لا يصدق . وعلى إنسانية صمدت في وجه أعتى الظروف . إنه يذكرنا بأن الفقر ليس اختيارا . وأن العوز يدفع بالبعض إلى أقصى حدود الصبر والمثابرة . سلاما على روح المرحوم سيد عمر وامثاله ممن يصارعون الفقر في كل زاوية من زوايا هذا العالم .


***&&&***
المصادر: الرياض – العربية نت
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
 – مواقع إلكترونية: المجلة- القدس العبي
الجزيرة+ العربية نيوز – فرانس24/ أ ف ب
– اخبار فن التصوير-  rafik kehali
– الوسط – الألمانية -اليوم السابع
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)
– جائزة هيبا – الإمارات اليوم – القدس العربي
موقع المستقبل – موقع سينماتوغراف – البيان  
– موقع المصرى اليوم
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net

أخر المقالات

منكم وإليكم