اللوحة تتحول لثورة بالفن.جدلية الحرية والوعي في ساحة الإحتجاج – د.عصام عسيري
اللوحة تتحول لثورة بالفن
الثورات والفن:
حينما تتحول اللوحة إلى ساحة احتجاج
بقلم الدكتور : عصام عسيري
عبر التاريخ، ارتبط الفن ارتباطاً وثيقاً بالحراك الإنساني، وكان شاهداً على تحولات الأمم وصراعاتها وأحلامها.
وفي قلب لحظات الثورة والغليان السياسي، يصبح الفن أكثر من مجرد تعبير جمالي؛ إنه موقف، وصرخة، وذاكرة بصرية تحفظ تفاصيل المعاناة والأمل.
الفنانون في لحظات الثورات لا يقفون على الهامش، بل ينخرطون في صلب المعركة، مستلهمين من الشارع طاقته، ومن صرخات الناس نبضه، ليحولوا اللوحة إلى منصة احتجاج لا تقل وقعاً عن الميادين.
الفن والثورة: جدلية الحرية والوعي
الثورات بطبيعتها فعل مقاومة ضد الفساد والظلم، والفن بطبيعته بحث عن الحرية والعدل.
هنا يتلاقى الطرفان، فالفنان يجد في أجواء الثورة فضاءً لطرح الأسئلة الكبرى، وكشف المستور، وتعرية البنى الاجتماعية والسياسية الفاسدة.
بينما تمنح الثورة للفن شحنته الحقيقية، حيث يغدو اللون والخط والرمز أدوات مواجهة لا تقل أهمية عن الهتافات والشعارات.
ومن خلال التاريخ العربي، رأينا كيف لعب الفن دوراً في التعبير عن مقاومة الاستعمار، وتوثيق لحظات الانكسار والانتصار، الغزو والدمار، الهجرة والنزوح والانهيار،
بدءاً من جداريات المقاومة في فلسطين، وصولاً إلى فنون الربيع العربي التي امتلأت بالجرافيتي والجداريات الميدانية التي تحدثت بلسان الناس.
أحمد الربيعي Ahmed Khalil Al-Rubaie :
الفن كمنصة ضد الفساد
في هذا السياق برز لدي عمل الفنان العراقي أحمد الربيعي ٨٠/١٠٠سم أكريلك على كانفاس، الذي جعل من تجربته التشكيلية مواجهة مباشرة مع فساد المنظومة السياسية.
أعماله ليست زخرفات جمالية بقدر ما هي فضح صريح للواقع، تكشف زيف الشعارات الرسمية وتعرّي الخطاب السياسي الذي استنزف الإنسان لسنوات طويلة.
الربيعي يوظّف الرموز الشعبية والطفولة البريئة، ليضعها وسط فضاء مشحون بالفوضى والأقنعة الكاريكاتورية، في إشارة إلى ما آل إليه حال المجتمع بعد عقود من الحروب والفساد.
قراءة تحليلية للعمل:
في العمل المعروض نلحظ طفلة تجلس على الأرض بملابس بسيطة، تمسك بعلبة شراب وتمتصها عبر أنبوب.
ملامحها الطفولية المتأملة لا تخلو من قلق، وكأنها شاهدة على ما يفوق وعيها من عبث العالم.
خلفها وجوه كاريكاتورية بألوان متنافرة تتقاطع فيها عناصر تجريدية وأخرى شعبية، كعملية تناص مع الفنان الأمريكي جان ميشيل باسكيا، تعكس هيمنة الفوضى على المشهد العام.
إلى جانبها تظهر دمى ممزقة وألعاب بملامح حزينة، تحمل إشارات رمزية للطفولة المسلوبة وللجيل الذي ورث الخراب.
أما الألوان، فتتنوع بين الأزرق الفاقع والأحمر الداكن والأصفر الصارخ، لتجسد صراعاً عنيفاً بين الأمل والانكسار.
هذه التوليفة البصرية ليست مجرد تصوير لمشهد طفولي، بل هي بناء رمزي يفضح الواقع السياسي؛ فالطفلة هنا تمثل البلاد، بريئاً ومثقلاً بالجراح، محاطاً بفساد يتجسد في أقنعة الوجوه الخلفية وفوضى العناصر التشكيلية.
الفن كمرآة للاحتجاج:
ما يقدمه الربيعي يتجاوز حدود الفن التقليدي، إذ ينخرط في سياق الفن الاحتجاجي الذي يرفض الصمت، وينضم مع مطالب المحتجين.
لوحاته تشبه الجدران التي خطّت عليها شعارات الثورة في بغداد وساحات التحرير، حيث يصبح اللون سلاحاً بصرياً، والرمز إعلان موقف. إنها أعمال توثّق غضب جيل كامل، وتعكس صرخة ضد سلطة أرهقت الإنسان العراقي.
ختاما، علاقة الثورات بالفن توأمان لا ينفصلان، كلاهما يولد من رحم القهر، وكلاهما يبحث عن أفق أرحب للحرية والكرامة والعدالة والتنمية والرخاء.
أعمال أحمد الربيعي تضعنا أمام تجربة فنية جريئة، تتبنى وظيفة اجتماعية واضحة: تعرية الفساد، ومساءلة الواقع، وتحويل اللوحة إلى وثيقة احتجاج.
إنها دعوة مفتوحة لإعادة النظر في دور الفن العربي المعاصر، ليس بوصفه ترفاً جمالياً، بل باعتباره أداة تغيير، وصوتاً للذين لا يملكون المنابر، وجسراً بين الثورة والذاكرة.
*********
معرض الصور:
**********************
المراجع والمصادر:
مواقع إجتماعية- فيس بوك