كاظم البغدادي
عدسة توثق أوجاع الطفولة في الأنبار ….
للتعريف اكثر عن المصور
فلقد شارك في معرض ( سرديات المدن ) الذي أُقيم في القاعة المدورة بمبنى الأوبرا بالقاهرة عام 2019 . ولقد تضمنت مشاركته مجموعة من الصور المؤثرة التي تركز على الطفولة البائسة . ناقلا بصدق معاناة الأطفال . هدفت هذه الأعمال إلى إيصال رسالة قوية عن الخراب الذي لحق بمدينتي الموصل والأنبار نتيجة ويلات الحرب . لاقت صوره صدى كبير كونها توثق جانبا إنسانيا قاسيا …
في عالم قاس ابتعدت عنه الانسانية على حساب الحروب والدمار . تبرز عدسة المصور كاظم البغدادي لتلتقط جانبا قد يغفل عنه الكثيرون .
جانب الطفولة البائسة . في مدينة عانت ويلات الحرب وتداعياتها المدمرة . لا يكتفي البغدادي بالتقاط صور عابرة . بل يقدم شهادة بصرية عميقة ومؤثرة . محولا كل لقطاتة الفوتوغرافية إلى صرخة صامتة تعبر عن واقع مرير .
يتجلى النتاج الفوتوغرافي لكاظم البغدادي كموسوعة بصرية تحكي قصصا لا حصر لها عن أطفال الأنبار . إنه لا يصور مجرد وجوه بريئة . بل يغوص في أعماق تجاربهم . مستخرجا منها تفاصيل الألم . وومضات الأمل الباهته . يمكننا أن نرى في أعماله كيف تتشكل حياة الطفل وسط الركام والجدران المتصدعة . وكيف تتسرب البراءة من عيون أنهكها الخوف والفقدان .
تتسم لقطات البغدادي بجمالية فنية لكنها حزينة . حيث غالبا ما يختار اللونين الأبيض والأسود ليضفي على صوره عمقا دراميا يبرز مأساة المشهد . هذا الاختيار ليس مصادفة . فاللونان يجعلان المشاهد يركز على الجوهر الإنساني الخالي من التشتت اللوني . مما يعزز الإحساس بالواقعية القاسية . فان صورة الطفل الذي يجلس على درجات سلم يتصفح هاتفه أمام كتب مبعثرة . تعكس عزلة الطفولة وسط بيئة مهمشة ومهملة . أما صورة الفتاة الصغيرة التي تجلس بين أكوام من الصناديق والكتب . فتجسد بوضوح ثقل الفقر والإهمال الذي يحاصر أجيالا من الأطفال . وكأنها سلعة غير مهمة وسط سوق الحياة .
ان تأثير الحرب على حياة الطفل في الأنبار هو المحور الأساسي الذي يدور حوله البغدادي في اعماله الفوتوغرافية . فالحرب ليست مجرد قصف وتدمير للمباني . بل هي تدمير للبنى التحتية الإنسانية والنفسية لأجيال بأكملها . نرى في صوره الأطفال وهم يلعبون بألعاب بسيطة ومهملة . أو يتجولون في بيئات تبدو كأنها مهجورة .أو حتى يحدقون من خلف قضبان النوافذ أو الأسوار . في إشارة واضحة إلى القيود التي فرضتها الظروف القاسية عليهم وكأنهم سجناء في وطنهم .
البغدادي لا يكتفي بعرض المأساة . بل يلتقط أيضا لحظات الصمود والمرونة . ففي احدى صوره نرى مجموعة من الأطفال يركضون ويلعبون كرة القدم في ساحة ترابية مفتوحه متحدين بذلك قسوة الواقع . هذه اللحظات تذكرنا بأن الطفولة . ببرائتها وعفويتها . تجد دائما طريقها للتعبير عن نفسها . حتى في أحلك الظروف . إنها تذكير بأن الحياة تستمر . وأن الأمل يمكن أن ينمو حتى من بين الأنقاض .
في الختام . يُعد كاظم البغدادي مصورا استثنائيا ليس فقط لمهارته الفنية . بل لقدرته على أن يكون صوتا لمن لا صوت له . نتاجه الفوتوغرافي ليس مجرد صور . بل هو وثيقة تاريخية . وصرخة إنسانية . ودعوة ملحة للتأمل في معاناة الطفولة المتأثرة بالحرب . إن أعماله تضعنا وجها لوجه أمام حقيقة أن الحرب لا تنتهي بانتهاء القتال . بل تستمر في نحت آثارها العميقة في أرواح الصغار الذين يستحقون مستقبلًا أفضل .


