من أجمل وأروع ما كُتب عني
للأستاذة الفاضلة فاطمة البطاوي
——————/////////—————-///——-
عمرو نبيل… الرجل الذي يُصوّر كي لا يُرى
“لا تتكلّم… لا تسمع… ولا يشعر بوجودك أحد”، بهذه العبارة كان عمرو نبيل يلخص فلسفته التي سماها طاقية الإخفاء؛ تلك القدرة السحرية التي تُبقي المصور خارج الكادر، حتى تصبح الحقيقة وحدها هي التي تملأ اللقطة.
لم يكن عمرو نبيل يبحث يوما عن صورة جميلة، بل عن صورة عادلة، يؤمن أن العدسة لا يصبح لها معنى إلا حين تختفي أنت، ويظهر العالم كما هو، بلا رتوش، بلا تزييف.
ولد في القاهرة، لكن خطواته الأولى في شوارعها كانت تشبه تجاربه الأولى أمام الكاميرا، حياة تبحث عمن يراها، أمسك أول كاميرا وهو في الثامنة، كأن طفلا صغيرا كان يدرب نفسه مبكرا على الإصغاء للعالم عبر عين لا تقول شيئا، لكنها تفهم كل شيء.
ومع مرور السنوات، صار اسمه واحدا من أبرز ملامح الصورة الصحفية المصرية، لم يكن مجرد مصور ميداني؛ كان شاهدا على الحروب، الانفجارات، الدموع، والصلوات الصامتة على أرصفة المدن التي عبرها.
لكن الصورة التي غيرت حياته لم تكن تلك التي التقطها، بل تلك التي أصابته.
في ديسمبر 2005، وبين زحام الانتخابات البرلمانية، كان عمرو يقف في مساحة صغيرة يلتهمها العنف والهتاف والفوضى، لحظة من تلك اللحظات التي يتحول فيها الشارع إلى ساحة معركة صغيرة.
وفي لحظة لا يسمع فيها سوى دوي الفوضى، انطلقت “طلقة خرطوش غادرة” كتلك التي أصابت عيون المتظاهرين في 2011، لتخترق عالمه، وتصيب عينه اليمنى.
انفجرت العين… لكن لم تنفجر إرادته.
نُقل للعلاج في ألمانيا، وعاد بعدها بوجه تغير نصفه، لكن بعين واحدة ترى أكثر مما رأته عينان طوال عمر كامل. لم يعد يخاف من الفقد، ما تبقى هو قدره الذي اختاره بنفسه، أن يكمل الصورة.
منذ ذلك اليوم، كل صورة يلتقطها عمرو نبيل ليست مجرد “لقطة”، بل شهادة، شهادة على أن الضوء يمكن أن يخرج من الحطام، وأن الصورة، حتى بعين واحدة، قادرة على كشف ما لا يريد العالم أن يراه.
لم يعد يتخفى فقط خلف الكاميرا… صار يتخفّى خلف الألم، وراءه، وبفضله. صارت طاقية الإخفاء ليست طريقة في العمل فقط، بل طريقة في النجاة.
والغريب أن الرجل الذي ظل عمره كلّه يحاول ألا يراه أحد، صار الآن واحدًا ممن لا يمكن تجاهلهم.
عمرو نبيل مش مجرد مصور، هو شاهد على زمن، وصوت للناس اللي ملهاش صوت، وعدسة ما زالت بتنقل الحقيقة رغم كل شيء.
تحية احترام وتقدير…
وذكرى يوم أثبت فيه أن الشجاعة مش بس في إنك تلتقط الصورة، لكن في إنك تكمل… حتى لو بعين واحدة.
وأجمل ما في حكاية عمرو نبيل إنه لم يكتفي بالنجاة… لكنه فتح بابا لغيره، فالحادثة التي أصابته كانت الشرارة التي انطلقت منها شعبة المصورين الصحفيين في النقابة عام 2007؛ ليرسخ مبدأ ليست مهمتك أن تلتقط الحقيقة فقط… بل أن تحمي من يلتقطونها أيضا. وهنا تحديدا يتحول الابتلاء إلى نعمة، نعمة تمتد أثرها إلى مهنة كاملة لا إلى شخص واحد.


