* الضوء الذي لا ينكسر في أعماق علي بن ثالث** إعداد: فريد ظفور – علي نفنوف
مقدمة:
في عالم يتغير سريعًا وتتنوع فيه وسائل التعبير، يبقى الضوء هو السرد الأبدي الذي يروي قصص الحياة والوجود بأبهى صورها. ومن بين من فهموا هذا السر العميق، واحتضنوا تحدياته برؤية مبدعة، يقف الفنان الإماراتي علي خليفة بن ثالث كأيقونة فريدة تجمع بين الفن والعلم، بين الغوص في أعماق البحار والغوص في أعماق الروح، بين التصوير كفن والتوثيق كعلم.لقد تجاوز علي بن ثالث حدود التصوير التقليدي ليخلق من عدسته مختبرًا بصريًا يعكس تاريخًا من البحث والتجربة، وينقلنا إلى عوالم جديدة لم نرها من قبل. ليست الصور عنده مجرد لقطات، بل هي دروس، وكتب، ورسائل ضوئية تخاطب الإنسان في كل مكان، بدون قيود لغة أو مكان.في هذا المقال، نبحر معًا في رحلة فريدة نستكشف فيها حياة وأعمال هذا الفنان الذي حمل على عاتقه رسالة نشر ثقافة الفوتوغراف والضوء، وأرسى قواعد فن التصوير تحت الماء، وجعل من دبي منصة عالمية للضوء والإبداع. رحلة تتخطى الحدود، وتجمع بين مختلف الثقافات، لتصبح رسالة ضوء حقيقية تنير دروبًا جديدة في عالم الفن.* سيرة وميسرة :* • علي خليفة بن ثالث
• إماراتي
• الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية،
للتصوير الضوئي (HIPA) منذ تأسيسها عام 2011 .
• مصوّر فوتوغرافي محترف، متخصص في التصوير تحت الماء
• مخرج ومنتج أفلام وثائقية.
• دبلوم في التصوير الوثائقي من أكاديمية لندن (UK) .
• دبلوم في اللغة والأدب الفرنسي من جامعة مونبلييه (فرنسا) .
• عدة دورات تدريبية متخصصة في التصوير من بريطانيا، فرنسا، ودبي .* المناصب والمسؤوليات:
• الأمين العام لجائزة HIPA (2011–حتى الآن)، وقاد نموها لتشمل مشاركات من 196 دولة .
• قائد ورش عمل دولية للفئات المختلفة، مثل الأطفال السوريين في مخيمات الأردن .
* الخبرات العملية والأعمال الوثائقية:
• دخول المجال عام 1995 كمصور محترف .
• تغطية فعاليات وأماكن عالمية:
ألمانيا، تايلاند، جنوب فرنسا، القاهرة، باريس، برشلونة، عمان، الإمارات .
• إنتاج أفلام وثائقية:
• “رحلة الجبل الأخضر”
• سلسلة وثائقية عن جزيرة مصيره العمانية (2003–2008)
• “جزيرة الياسات والحلانيات العمانية”
• الفيلم القصير “غوّاص غزة” (حول شاب فلسطيني مبتور الساقين) .
• متخصص في التصوير تحت الماء: نفّذ نحو 3000 غطسة ميدانية حتى 2020 .* المعارض والمسابقات:
• معرض “مذاهل الأعماق” (خولة غاليري آرت، دبي 2023): عرض 46 صورة تحت الماء من رحلات بين 2014–2015 في عدة بلدان .
• معرض لتوثيق حياة بومة النسر في محمية المرموم (3 أشهر تغطية بيئية وثائقية) .
• صور تم تكريمها في الكتاب البريطاني «ترولي مادلي ديبلي» (108 صورة من عشر سنوات غوص في 40 دولة) .
* الجوائز والتكريمات:
• جائزة “القيادة في التصوير الاحترافي” من المجلس الدولي للتصوير التابع للأمم المتحدة (2014): أول عربي يفوز .
• درجة الزمالة من الجمعية الملكية للتصوير (FRPS) – أول عربي بن عضويتها المباشرة .
• لقب “مصور العام” بمهرجان “قوة الصورة” الدولي في الصين (2018)، مناصفةً مع السويسري مارك دانا .
• جائزة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب (2010): عن أفضل مشروع تسويقي وترويجي .
* المطبوعات والمنشورات:
• “ترولي مادلي ديبلي” (Trolley Madly Deeply): كتاب فوتوغرافي بريطاني صدر عام 2015، ثم نسخة عربية مطبوعة، يضم 108 صورة تحت الماء عبر 180 صفحة.
جائزة حمدان للتصوير الضوئي في أيد أمينة:
في كل عام، ينتظر عشّاق الفن وعشّاق الضوء أن يُطفئوا شمعةً بلهفة الانتظار، في احتفاء لا يشبه سواه… احتفاءٌ بالفن، بالدهشة، بالصورة التي تتكلّم. ونحن اليوم على أعتاب الشمعة الخامسة عشرة، بعد أن أطفأنا أربع عشرة شمعة من الإبداع، نُدرك تمامًا أن ما تحقق لم يكن وليد صدفة، ولا كبسة زر، ولا مجرد صورة التُقطت في لحظةٍ جميلة أو مناسبةٍ عابرة.
إنه عالمٌ متكامل من الجهد والتفاني والإصرار. عالمٌ يرتقي إلى مستوى الضوء، ويُجسِّد قصصَه، ويمنحها الحياة. هذا العالم، الذي يحمل اسم جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي (HIPA)، هو واحد من أكبر الجوائز الفوتوغرافية في العالم من حيث القيمة المالية والمشاركة الدولية والتنوع الثقافي.
وقد انطلقت هذه الجائزة في عام 2011 بمبادرة من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، إيمانًا منه بأهمية الصورة كوسيلة للحوار الحضاري، وبأثرها الفني والإنساني في بناء الجسور بين الشعوب والثقافات.
لكن كل فكرة طموحة تحتاج إلى من يحملها بحبٍّ ويقودها بحكمة. وهنا يأتي دور الأستاذ علي خليفة بن ثالث، الذي تولى منذ التأسيس منصب الأمين العام للجائزة، ليكون العقل التنظيمي والقلب النابض وراء هذه المنصة العالمية. كان وما زال رمزًا للقيادة الإبداعية والرؤية الفنية العميقة، إذ عمل على توسيع نطاق الجائزة عالميًا،يرافقه فريق عمل متخصص نخبوي يعمل بشغف وبتكاتف تحت مظلة مجلس أمناء الجائرة، إلى أن استقطب مشاركين من أكثر من 200 دولة، ووضع معايير تنافسية صارمة تجمع بين التقنية والرسالة الإنسانية والجمال البصري.
في كل دورة من دورات الجائزة، لا يقتصر حضوره على الإشراف، بل يكون شريكًا في بناء المحتوى، تطوير الفئات، تقييم الاتجاهات، وتحفيز المشاركين. كان حريصًا على أن تبقى الجائزة منارةً للضوء، لا فقط في مضمونها، بل في أثرها: بدعم المواهب الشابة، وتمكين المصورين العرب، والمساهمة في رفع الوعي البيئي والإنساني من خلال الصورة.
واليوم، وبينما نتهيّأ لإطفاء الشمعة الخامسة عشرة، لا بد من الوقوف احترامًا لسنواتٍ من العطاء، ولمشروعٍ بصري أصبح علامةً إماراتيةً مضيئة في سماء الفن العالمي، حمله علي بن ثالث بكل شغفٍ ومسؤولية.
فهو ليس مجرد إداري في مؤسسة، بل هو مؤمنٌ برسالة الضوء… وسفيرٌ للصورة التي تروي الحكاية.
* حين تتحوّل الصورة إلى حقيقة… ويُكتب الضوء بلغة العلم:
عند كثيرٍ من المتلقين، تتحوّل الصورة إلى حكاية، أو لحظة جمالية تثير التأمل والانبهار.
لكن عند الأستاذ علي خليفة بن ثالث، للصورة وظيفةٌ أعمق؛ إنها تتحوّل إلى حقيقة علمية، وإلى مادة موثّقة يُراد بها أن تُخلّد، وتُدرّس، وتُفهم.
لقد آمن علي بأن تجربته البصرية، مهما بلغت من التفرّد، لا تكتمل إلا إذا صارت مرجعًا مكتوبًا. فحرص بكل إصرار على أن يُحوّل معلوماته النظرية، وخبراته الفنية، ومخزونه الجمالي إلى كتب علمية متخصصة، تُقدَّم للباحثين والدارسين والهواة كأدلة ومفاتيح لفن التصوير تحت الماء، ولمدارس الرؤية البصرية العميقة.
ومن هنا، جاءت أعماله المكتوبة لتكون أكثر من مؤلفات، بل مراجِع متخصصة في “فن الضوء”.
لم يكتفِ بتوثيق الأعماق، بل وثّق المحميات الطبيعية، وغرائز الطيور البرية، والكائنات البحرية، وحتى العلاقات البيئية المعقّدة التي تعيشها هذه المخلوقات في ظروفها النادرة.
فكانت كتبه مزيجًا نادرًا من اللغة العلمية واللغة البصرية، حيث تتحوّل كل لقطة إلى سؤال، وكل مشهد إلى اكتشاف، وكل صفحة إلى بوابة نحو عالمٍ جديد.
وقدّم هذه التجربة بأسلوب مبسّط وجذاب، يجعل المتلقي العادي ينغمس في دهشة الحكاية، ويجد الباحث المتخصص فيها ما يعزّز دراسته ويُغني معارفه.
إذن، نحن لا نتحدث عن فنان يوثق الصورة، بل عن مفكر بصري ينقلنا من سطح الجمال إلى عمق المعنى.
ليس غريبًا أبدًا أن يكون المصوّر الذي يغوص في الأعماق… قادرًا على أن يُعيد هذه الأعماق في صورة، أو كتاب، أو عنوانٍ علمي مشعّ.
وقد تجلّى ذلك تحديدًا في أعماله المنشورة، وأبرزها:
•
“Truly, Madly, Deeply” -كتاب فوتوغرافي صدر عام 2015 بلغة إنجليزية راقية، ثم تُرجم إلى العربية، احتوى على 108 صورة مميزة من أكثر من 40 دولة، وأصبح مرجعًا بصريًا مهمًا لتوثيق الحياة تحت الماء.
• “التصوير تحت الماء بدون أسرار” – دليل شامل باللغة العربية، قدّم فيه خلاصة تجربته الفنية والعملية بأسلوب تعليمي وتطبيقي يخاطب المبتدئ والمحترف معًا، ويعدّ أول مرجع عربي متخصص في هذا المجال.
بهذه الإصدارات، لا يكون علي بن ثالث قد التقط صورًا فحسب، بل كتب فصلًا جديدًا في علاقة الإنسان بالصورة، وفي قدرة الصورة على أن تُصبح علمًا، وحكاية، ومصدر إلهام.
* رسائل الضوء: رحلة في نشر ثقافة الفوتوغراف خارج حدود الوطن العربي
انتشرت جائزة حمدان للتصوير الضوئي ليس فقط على الصعيد العربي، بل تخطّت ذلك لتصل إلى المواقع والمنصات العربية والإنجليزية، حتى بات لها حضورٌ واسعٌ وفاعل.
ولكن الرؤية لم تتوقف عند حدود الانتشار، بل كانت لدى الأستاذ علي خليفة بن ثالث رغبةٌ أعمق: نشر جسد هذه الصورة، وأفكارها، وروحها في مناطق الشرق الأدنى، مثل الصين واليابان والهند.الخ..، التي تمثل معًا حوالي 90% من سكان العالم.
وهذا بحد ذاته إنجازٌ عالمي لا يُستهان به، خاصة مع تحقيق الجائزة لهذا الوصول الكبير، ونجاحها في إيصال ثقافة الصورة إلى هذا العالم الواسع.
ربما كان هدفه أن يخلق تمازجًا ثقافيًا غنيًا، مستفيدًا من لغة الصورة التي لا تحتاج إلى مفسر أو مترجم، فهي لغة العين التي يفهمها كل إنسان بغض النظر عن قوميته أو لغته.
وقد وصلت هذه اللغة إلى الشرق الأدنى، حيث أصبح أكبر إنجاز هو أن عددًا كبيرًا من المشاركين والفائزين في مسابقة “هيبا” ينتمون لهذه البلدان، مما جعل دبي منصةً فعليةً تجمع بين المحلية والعربية والعالمية، وأصبحت قبلةً للضوء ومسرحًا للأنوار وفرصةً حقيقيةً لالتقاط التميز.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل شهدت دبي إقامة معارض دولية، ودورات تدريب، وورش عمل، تعزيزًا لثقافة الصورة، وثقافة التكريم، وثقافة الجائزة، وتشجيعًا على صناعة و إنتاج منهجا المبدعين، كل ذلك تحت عنوان واحد هو: “رسائل الضوء” التي حملها على عاتقه الفنان علي خليفة بن ثالث.
ولم يعتمد فقط على الصورة الرقمية أو الأرشيف المحسوس، بل استند إلى الذاكرة البشرية، إلى قوة الحكي والتوثيق. وهناك أقوال كثيرة للفنان عن تجربته ورؤيته، سأخصص لها مكانًا خاصًا لنشرها وتوثيقها لاحقًا، لأنها تشكل جوهر رحلته في عالم الضوء.
من افكاره واقوله:
1. “الضوء هو اللغة الأولى التي يفهمها الإنسان، ولا تحتاج إلى ترجمة أو تفسير.”
2. “التصوير بالنسبة لي هو رحلة استكشاف، ليس فقط للمشاهد، بل للمصور ذاته، رحلة لا تنتهي مع كل لقطة.”
3. “الغوص في أعماق البحار يشبه الغوص في أعماق النفس، كل صورة تحكي قصة مختلفة، وكل ضوء يعكس حقيقة جديدة.”
4. “الصورة ليست مجرد تجميد للحظة، بل هي نقل للحظة، للحياة، للحقيقة التي نعيشها ونشعر بها.”
5. “العدسة هي العين التي ترى ما لا تراه العين المجردة، وهي الأداة التي تحوّل الضوء إلى ذاكرة لا تُنسى.”
6. “الإبداع لا يأتي من تقليد الواقع، بل من رؤية الواقع بعيون جديدة.”
7. “كل صورة هي رسالة، وكل رسالة تستحق أن تُروى لتُلهم وتُغيّر.”
الخاتمة :
في عالم تتقاطع فيه العلوم والفنون، حيث يتحول الضوء إلى لغة تواصل عالميّة، يظل الأستاذ علي خليفة بن ثالث نموذجًا مشرقًا للفنان الباحث الذي لا يكتفي بالتوثيق، بل يسعى لزرع المعرفة والإلهام في قلوب كل من يلتقي بصوره وكلماته.
لقد جعل من تجربته رحلة لا تقتصر على الالتقاط البصري، بل تمتد إلى عمق الفهم والتأمل، حاملاً رسائل الضوء عبر الصور والكتب، وأضاء من خلالها دروبًا جديدة أمام المبدعين والباحثين.
إن مسيرته التي امتدت من أعماق البحار إلى أروقة المعارض العالمية، ومن عدسته إلى صفحات الكتب، تؤكد أن الفن لا يعرف حدودًا، وأن لغة الضوء قادرة على جمع الشعوب والثقافات على منصة واحدة من الإبداع والتفرد.
ويبقى إرث علي خليفة بن ثالث نبراسًا يُضيء للأجيال القادمة طريق التفوق، والإبداع، والالتزام بنشر ثقافة الفوتوغراف والضوء، لتبقى رسائل الضوء تتردد صداها في كل زاوية من زوايا العالم.
********
معرض الصور: