الشعر العربي..أبوالفنون ..ليس المسرح !!

بقلم حزين عمر

مصطلحات جرى صقها؛ ونشرها ؛ وتداولها ؛ كما لو كانت قدرا مقدورا!!ولا أحد يسائل هذه المصطلحات عن أصلها وفصلها!! وأحيانا تبدو هذه “المصكوكات” منطقية وصادقة – من وجهة نظري – كأن يقال عن أحمد شوقي “أمير الشعراء” وعن طه حسين “عميد الأدب العربي” وعن أم كلثوم “سيدة الغناء العربي وكوكب الشرق والست ” وإلى ما تشاء من ألقاب ومسميات هي جديرة بأكثر منها..ويقال كذلك عن العقاد “عملاق الأدب العربي” وعن يوسف وهبي ” عميد المسرح العربي” وعن نجلاء فتحي “بنبونة الفن” !! ..أتفق كل الاتفاق مع هذه المسميات و”الكلاشيهات”!! لكن حينما يقال :إن (المسرح أبوالفنون) فعلينا أن ندقق ونفصل هذه المقولة ..هل هو المسرح الإغريقي ؛ أو المسرح المصري القديم ؛ أو في عصرنا الحديث ..والمسرح لدى الغرب أم لدى مصر والصين والهند وفارس : الحضارات التي أثرت العقل والوجدان البشري بعشرات الأجناس الأدبية والفنية ؟!

لا يمكن أن يكون المسرح أبا للعمارة المصرية القديمة العبقرية الخالدة ؛ من أهرامات ومعابد ومقابر وأدوات حياتية ..ولا أظنه أبا لملحمة الشاهينامة للفردوسي الفارسي ؛ وليس كذلك أبا للإلياذة والأوديسا لهوميروس الإغريقي ..وحتى في حضارة العرب الأحدث من هذه الحضارات ؛ لا يمكن أن يكون المسرح أبا أحد من الفنون!! لأنه لم يكن مطروحا على خريطة إبداعهم ..والمتقدم والمتسيد في هذه الفنون القولية: الشعر ؛ الخطابة؛ الحكمة؛ نثر الكهان؛ القصص ..كان هو الشعر بغير مناز

فن الجميع !!

الشعر العربي هو عماد لغتنا القومية ؛ وهو مرجع الاستشهاد على صحتها : نحوا وصرفا ؛ بعد القرآن الكريم وقبل الحديث الشريف ..حتى القرن الثالث الهجري ..وعلى الرغم من أن فن المسرح – وقبله خيال الظل – قد أضاء جنبات الواقع الثقافي في مصر ؛ بتشجيع من الخديوي إسماعيل ..فإن الشعر لم يتزحزح عن عرشه ..فهو فن الجميع ..كل يستطيع سماعه وحفظه وتداوله في كل وقت.وليس الشعر متصدرا بحكم العراقة والميراث فخسب؛ بل هو أخذ بأساليب التطور والتجدد منذ مرحلة الإحياء ؛ وقائدها محمود سامي البارودي ؛ ثم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم .والطريف أن كل حركة تجديد للشعر العربي تدفع رموز الفنون الأخرى للتأثر بها ؛ والسير على هدبها ..فبعد رفاعة الطهطاوي والبارودي بعدة عقود ظهرت حركة إحياء كذلك في الفن التشكيلي على يد محمود مختار وجماعته التشكيلية المسماة بالخيال ..ثم المعماري مصطفى فهمي وحسن فتحي ؛ وكذلك الفنان محمود سعيد وناجي وراغب عياد .لم يقف تأثير الشعر العربي وتطور الأدب عند التشكيليين ؛ بل سار على درب التقليد والتبعية كتاب العامية ..فمع القصيدة العربية المقفاة ؛ كان هنالك زجل ابن عروس ؛ ثم عبدالله النديم ؛ ثم بيرم التونسي الذي قال لشوقي: يا أمير الشعر ؛ غيرك .. في الزجل يبقى أميرك !! والأمر ليس تقليلا من شوقي ولا سبا له ؛ بل هو إدراك لعظمته وتسيده عرش الشعر ؛ وهو النموذج الذي يقاس عليه.وحينما تولدت محاولات التمرد على الشكل المعهود للشعر -القصيدة- من خلال شعراء مصريين وعرب : علي أحمد باكثير ؛ عبدالرحمن الشرقاوي؛ نازك الملائكة ؛ بدر شاكر السياب ..وغيرهم ..بادرت الكتابة العامية لتطوير نفسها كذلك ؛ وتحولت من (زجل ) إلى (قصيدة) أبدعها جيل ما بعد بيرم التونسى: فؤاد حداد ؛ صلاح جاهين ؛ أحمد فؤاد نجم ؛ سيد حجاب .. ولأن العامية تسير “الحافر على الحافر” بالنسبة للشعر العربي ؛ فحينما أراد بعض الشعراء – سواء أكانوا متحققين أم مبتدئين – أن يتجاوزوا القصيدة التفعيلية ؛ ويكسروا أنماط التذوق المعهود ؛ كتبوا نثرا .. وهو أمر مقبول إذا صيغ فصيحا ..فإذا لم يكن شعرا أو قصيدة ؛ فهو “نثر فني” ..وله عالمه وطقوسه واجتهاداته ونفسه الخاص .. أما المستغرب ؛ فهو أن يبادر من يكتبون العامية إلى تقليد الفصحى كذلك في هذا المنحى !! وعودا عن هذا الاستطراد ؛ بتأثر الكتابات العامية بالشعر ؛ رأينا الفنانين التشكيليين مجتهدين في التقليد كذلك ..ففي الشعر كانت هنالك جماعة أبوللو لأحمد زكي أبوشادي وإبراهيم ناجي وآخرين ..وقابلها في التشكيل (جماعة الفن المعاصر ) و(الفنانين الشرقيين الجدد) و(الفن والحياة) ورائدهم حامد سعيد .وحتى حينما يوظف بعض كتاب الرواية – المتأثرين بالشعر كذلك – التراث في كتاباتهم ؛ يلجأ بعضهم ؛ وخاصة جمال الغيطاني ومحمد جبريل ؛ إلى نمط الكتابات التراثية في أسوأ عصورها !! كتابات ابن إياس والجبرتي والمقريزي ؛ ممن يخطئون في اللغة والنحو ؛ وتتسم كتاباتهم بالركاكة ..ليس نثر الجاحظ وابن المقفع وابن الأثير ؛ في زمن رقي النثر العربي. التشكيليون – كما فعل بعض هؤلاء الروائيين – رأوا في التراث أردأه !! حتى إن بدر الدين أبوغازي يشكو من هذه الظاهرة في كتاب:(الطابع القومي لفنوننا المعاصرة ..دراسات وبحوث) الصادر عن هيئة الكتاب عام ١٩٧٨ ؛ فيقول:( قومية الفن ؛ واستيحاء التراث ؛ يكتنفها أحيانا خطر النظرة المحدودة والانغلاق على أفق ضيق ؛ وافتعال أشكال واستعارة سمات تقف عند الملامح الخارجية للتراث ؛ وتفحم على سطح العمل الفني بعض العناصر دون توغل في أعماق التراث وتفهمه ؛ ومن ثم يقف الأمر أحيانا عند القوالب والأشكال الخارجية ) .

لم يفعل بعض موظفي التراث في الرواية والقصة غير ما فعل بعض هؤلاء الفنانين الذين ينتقدهم بدرالدين أبوغازي ..وأس القضية في هذه الجزئية هو لجوء رجال الإحياء في الشعر للثراث ..لكنهم لجأوا إليه بعلم ؛ وهم دارسون له .

*مروة ..الموهبة قبل الحرفية !!

الموهبة المتأصلة لا تستر نفسها ؛ لا تتخفى؛ بل هي – في مجال الفن التشكيلي – تعرب عن نفسها في كل لمسة لونية ؛ وكل ضربة فرشاة ..وهذا هو شأن الفنانة مروة عادل في معرضها الذي أقامته مؤخرا بأتيليه القاهرة.موسيقى اللون تنساب من كل لوحة ؛ ما بين التجريدية والتعليمية والواقعية ..ورذاذ الاتساق والانسجام والتوازن يتطاير عبر عروضها الممتعة الدافئة التي تقوم بالدرجة الأولى على الموهبة ؛ لا على الدراسة المتخصصة ..فما أكثر الدارسين والمتخصصين من ركيكي الموهبة أو معدوميها !

أخر المقالات

منكم وإليكم