الشخصية الخيالية: تيلي نوروود. ممثلة بريطانية من صنع الذكاء الإصطناعي ..تثير ضجة.- بقلم: زيد خلدون جميل


الذكاء الاصطناعي في السينما: يا إلهي، لقد قُضي علينا
 
زيد خلدون جميل

أثارت الممثلة البريطانية الجديدة تيلي نوروود ضجة كبيرة عندما عرض فيلمها الفكاهي القصير في مهرجان زيوريخ السينمائي العام الماضي. وذكرت الصحف أن هذه الممثلة ستوقع عقدا مع إحدى الشركات المختصة في العثور على الممثلين الجدد، وأن الجميع يتوقع لها مستقبلا باهرا وأنها ستكون سكارلت جوهانسن الجديدة. ولكن هذا التوقع لن يحدث لأن تيلي نوروود ليست ممثلة، ولا حتى امرأة، بل شخصية خيالية من اختلاق شركة بريطانية عن طريق الذكاء الاصطناعي، وظهرت في ذلك الفيلم الفكاهي القصير مع شخصيات أخرى لا تقل عنها زيفا. وقد أثار هذا ذعر الكثيرين حتى إن الممثلة البريطانية أميلي بلنت، احتجت قائلة «يا ألهي، لقد قضي علينا»، ثم علقت كذلك «ولماذا سكارلت جوهانسن الجديدة، إذ لدينا سكارلت». وشارك الكثير من الممثلين في هذاه الاحتجاجات.
إنها الصرعة الجديدة في عالم السينما، حيث يختلق برنامج الذكاء الاصطناعي ممثلين خياليين في فيلم خيالي تماما وحتى قصته، أي أن كل ما يظهر في الفيلم من شخصيات وبنايات وأصوات وأحداث غير موجودة في الواقع، وليست من إنتاج بشري. وما قام به الذكاء الاصطناعي بالنسبة لهذه الممثلة على ما يبدو هو جمع صفات وتصرفات المئات من الممثلين، من دون الحصول على موافقتهم، ما أثار حفيظة نقابة الممثلين في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن اقتباسا من هذا النوع، سواء أكان بموافقة الممثلين أم لا، يعني أن نسبة من الأرباح التي تنتجها الشخصية الافتراضية، تكون من هؤلاء الممثلين. وقد نفت الشركة المنتجة لهذه الممثلة، لنسميها الممثلة الافتراضية، ذلك تماما دون أن يصدقها أحد.

يعني هذا قدرة شركة الإنتاج السينمائي على التخلي عن الممثلين والمخرج والكاتب وخبراء الديكور والتصوير والماكياج وإيجار الاستوديو وغيرهم، ما يعني تخفيض تكلفة الفيلم بنسبة تسعين في المئة، فأحد أهم أهداف صناعة السينما زيادة الأرباح المالية. ويلغي هذا أيضا الوقت والجهد اللازمين لشرح لكل من هؤلاء، رغبة المخرج في كيفية أدائهم عملهم. وتتخلص الشركة المنتجة للفيلم من اعتراضات الممثلين الذين يحاولون تغيير بعض التفاصيل لمصلحتهم الخاصة، وإرضاء غرورهم، لاسيما كبار الممثلين وإجازات العاملين المرضية والمشاكل التي يحدثونها لأتفه الأسباب، من وجهة نظر الشركة المنتجة للفيلم. ويستطيع صانع هذا الفيلم أن يصمم شكل الشخصيات كما يشاء، فهذه الشخصيات لا تحتاج أن تحافظ على رشاقتها أو تقوم بعمليات تجميل، أو أن تخشى التقدم في العمر، وبالتالي يستطيع صانع الفيلم أن يختلق أشخاصا مثاليي الشكل، يفعلون بالضبط ما يشاء ودائمي الشباب والصحة. ولكن هذا يعني كذلك انعدام الإضافة الفنية للعمل السينمائي، من قبل جميع هؤلاء. ولتوضيح الأمر يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن الرواية الأصلية لأي عمل سينمائي تكون عادة عامة في وصف المشاعر والتصرفات وشكل الشخصيات. ولهذا السبب يقوم كل قارئ بتخيل الرواية على طريقته الخاصة. وعندما تتحول الرواية إلى فيلم سينمائي، أو تلفزيوني، يقوم المخرج وشركة الإنتاج بتفسير الرواية، حسب رأيهم ويعطي المخرج تعليماته لطاقم الفيلم من ممثلين وغيرهم. ولا يتوقف الأمر هنا حيث يقوم كل من خبير المكياج وخبير الملابس وخبير التصوير وغيرهم، بتفسير تعليمات المخرج حسب خبرته. أما بالنسبة للممثل، فالأمر أكثر عمقا. وعلى سبيل المثال تقوم الممثلة بتفسير تفاصيل الرواية حسب خبرتها وتجربتها الشخصية، فالكاتب والمخرج رجال (أغلبهم رجال في الواقع) لا يجيدون تصوير، وتخيل شعور المرأة بتلك السهولة، بينما تستطيع الممثلة ذلك، لاسيما إن كانت بارعة. ويعني هذا أن كل من يشارك في إتمام العمل السينمائي يشارك فنيا في النتيجة النهائية، التي يشاهدها المشاهد. ولهذا السبب يفتقد الفيلم الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي إلى الدقة اللازمة في تفسير مشاعر الإنسان الحقيقي، ما يجعل الفيلم ضعيف التأثير على المشاهد، ويجعل القصة عديمة الإثارة.
وكان الفيلم الفكاهي القصير الذي ظهرت فيه تيلي نوروود سخيفا للغاية وسطحيا بشكل بدائي. ولكنها البداية فحسب، فهذه التقنية تتطور بسرعة تثير الدهشة. وتستطيع الشركات حاليا إنتاج فيلم من تمثيل مارلين مونرو ورشدي أباظة وآلان ديلون وهم يطيرون معا على بساط الريح، حتى إن كان ذلك عديم الإحساس بأنهم أشخاص حقيقيون. ولكن متى سيكون ذلك مقنعا في المستقبل؟
ربما كان مخلوق فرانكنشتاين (على عكس ما يظنه أغلب القراء، فإن فرانكنشتاين كان اسم العالم الذي أنتج المخلوق) أول شخصية افتراضية في عالم الأدب، وبالتالي في عالم الفن. أما في عالم السينما، ففيلم «ميتروبولوس» الألماني كان السباق في هذا. وربما كان الممثل الشهير مارلون براندو أول من تنبأ بأن تحل الشخصيات الافتراضية محل الممثلين الحقيقيين في الأفلام. وتوقعت صناعة السينما نفسها ذلك عندما أنتج فيلم «سيمون» Simone (2002) لآل باتشينو» وفيلم «المؤتمر» The Congress (2013) وفيلم «حروب نجمية» الجزء التاسع Star Wars: Episode IX (2019) وفيلم «المادة» The Substance (2024) حيث ظهرت الشخصيات الافتراضية. ودخل الذكاء الاصطناعي كعنصر فعال في تأليف قصص الأفلام، إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال حيث خلت هذه الأفلام من الإبداع الفني وتميزت بظاهرة إعادة إنتاج أفلام قديمة، أو أجزاء لاحقة لأفلام شهيرة، أو أفلام الأبطال الخارقين. وقد شكا الكثير من النقاد من الانخفاض الواضح في مستوى الإبداع في قصص الأفلام في السنوات الأخيرة. ودخل الذكاء الاصطناعي كذلك في إضافة مشاهد الإثارة مثل الموقف الخطيرة والمشاهد غير المعقولة. وقد استعملت شخصيات افتراضية في أفلام شهيرة في العام الماضي مثل، «غريب: رومولوس» Alien:Romulus وهو جزء جديد لفيلم قديم، حيث توفي أحد الممثلين، فقام المخرج باختلاق نسخة افتراضية للممثل المتوفى، إلا أن النتيجة كانت غير مقنعة. وقد تكون النتيجة أفضل الآن، إذ تتطور هذه التقنية بسرعة شديدة.

ساهم الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما، في إنهاء عصر النجم السينمائي، حيث يذهب المشاهد العادي إلى دار السينما ليشاهد المشاهد غير المعقولة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي بدلا من مشاهدة النجم السينمائي الذي لا يمثل مشهدا واقعيا، ويصبح أقرب إلى دمية في لعبة فيديو. وفي الوقت نفسه ساهم الممثلون أنفسهم بانخفاض مستوى الأفلام بكل عمليات التجميل التي يقومون بها، ما جعل أشكال بعضهم تبدو وكأنها تماثيل من الشمع ومتشابهة الى حد بعيد، حتى إنهم أصبحوا يشبهون الشخصيات الافتراضية بعض الشيء لعدم قابليتهم على التعبير عن مشاعرهم بسهولة، وكل هذا من أجل التظاهر بأنهم شباب، يؤدون أدوار من هم أصغر منهم سنا. وقد انتهى عهد الممثلين والممثلات البارعين في مهنة التمثيل ونجوم السينما الحقيقيين على اختلاف أشكالهم وشخصياتهم التي يظهرون بها في أفلام ذات قصص واقعية ومتنوعة وأفكار ممتعة وتمس مشاعر الإنسان بعمق.
يوجد في الوقت الحالي عدد كبير من أفلام الفيديو المنتجة من قبل الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت تظهر فيها شخصيات افتراضية على أساس أنها شخصيات حقيقية يقومون بمختلف الأعمال الغريبة أو الخارقة. ويستعمل الكثير منها لأهداف سياسية، أو تجارية على حساب المنطق ومصلحة المجتمع. وكل هذا يجعل المرء غير قادر في بعض الأحيان على التفريق بين الشخصيات الحقيقية والافتراضية، ويشك في كل ما يراه من أفلام وثائقية أو إخبارية. من النقاط التي أثارها بعض النقاد، أن أشكال الشخصيات الافتراضية مثالية، ما قد يجعل الكثير من الناس، لاسيما النساء تواقين للظهور مثلها من حيث الرشاقة والبشرة الناصعة والشباب الدائم، مما يعني استغلالهم من قبل جراحي التجميل وشركات مساحيق التجميل، وكأنهم لم يستغلوهم أصلا بما يكفي.
إن دور الذكاء الاصطناعي في عالم الفن حتى الآن، يمثل ضررا بالغا في جودة الأعمال الفنية، وبالتالي ضررا حقيقيا للفكر البشري. ومع ذلك، يبقى بل سيزداد تأثيرا. ولكنه في نهاية المطاف عبارة عن أداة بيد من يستعملها، فنرجو ممن لديه هذه الأداة أن يستعملها بحكمة ولمصلحة البشرية. وبالنسبة لعالم السينما على الكتاب والممثلين والمخرجين أن يرفعوا من مستواهم كي يتنافسون مع الذكاء الاصطناعي بنجاح ويحولونه إلى شريك بدلا من بديل لهم.
باحث ومؤرخ من العراق

******
المصادر:
 مواقع إلكترونية+ الجزيرة+العربية نيوز – فرانس24/ أ ف ب
– اخبار فن التصوير – جائزة هيبا – الإمارات اليوم – القدس العربي
– إيليت فوتو آرت

أخر المقالات

منكم وإليكم