كوستل لا يقدّم نفسه رساماً عادياً، ويعتزّ بأنه «خادم لفنّ مقدّس يتجاوز اللوحة وحدودها».
يُخبر «الشرق الأوسط» أنه منذ طفولته، حين كان يرافق جدّته إلى الكنيسة، تعلَّم أنّ ثمة سرّاً يسكن الأيقونة.
هذا الانطباع الغائر في ذاكرته وجَّه مساره لاحقاً نحو دراسة الفنون الزخرفية؛
وقد شدَّه على نحو خاص الفنّ الروسي بما يحمله من ثراء بصري وروحاني.
هناك اكتشف أنّ الفنّ الكنسي يتجاوز إطاره التقليدي الزخرفي، وتأكد أنه «كنز روحي وجمالي لا ينضب.
ومنذ ذلك الحين آمنتُ بأنّ رسالتي هي أن أترجم هذا الكنز إلى لغة بصرية تخفق بالحياة وتفتح نافذة على السماوات».
أيقونات كوستِل تجمع بين التأثيرات اليونانية والرومانية والروسية (المعهد الفنّي الأنطوني)
كأنه كان ينتظر سؤالاً عن معلّمه الراحل :
الأرشمندريت صوفيان بوغيو،
ليُجيب بما يمنح الرجل فضله،
فيقول كوستل:
«لم أتلقَّ منه التقنية وحدها، وإنما علَّمني أيضاً معنى الاحترام والجدّية والانضباط الداخلي.
من خلاله أدركتُ أنّ العمل في الأيقونة صلاة أكثر من حصره بصنعة،
فأتعامل معها بروح متواضعة، وبوعي أنّ اليد وحدها لا تكفي إنْ لم تضئها النعمة».
هذا الدرس رسم مساره الروحي والفنّي معاً، وجعل من الأيقونة بالنسبة إليه أكثر من لوحة.
جعلها ضرباً من السلوك الروحي.
يشرح الرسام أنّ الفرق بين
الفنّ الدنيوي والفنّ المقدّس جوهري:
«الفنّ الدنيوي يعكس العالم، أما الأيقونة فتنقل المرء إلى خارجه…
هناك حيث لا يتحقّق الحوار إلا بالله.
التقنية والمعرفة أساسيتان، لكنهما تصبحان بلا روح إنْ لم تتجلَّيا في النور الإلهي».
لذلك؛ فكلّ أيقونة عنده تبدأ بالانسحاب من صخب الحياة اليومية، وبالتعمُّق في بُعد آخر لا يُختَبر إلا عبر التأمّل والصلاة.
يعلّم كوستِل طلابه أنّ الأيقونة تُحاكى بالصمت قبل الألوان (المعهد الفنّي الأنطوني)تنقّل كوستل بين بلدان وثقافات مختلفة؛ من لبنان إلى روسيا وأوكرانيا فأستراليا والولايات المتحدة،
وفي كلّ مكان يسعى إلى أن يُصغي إلى روح البلد ويترك للعمل أن يتجذَّر في تقاليده،
شرط ألا يتخلّى عن وفائه للتقليد البيزنطي.
«الأيقونة يجب أن تتكلَّم لغة المكان من دون أن تفقد لهجتها الأصلية»؛ يقول.
وهنا تكمن الصعوبة الكبرى في أعمال الترميم: «الحفاظ على القيم الأصيلة في الأيقونة؛ حمايتها من التشويه أو الطمس، وعدم الانزلاق إلى إعادة خلقها على صورة الفنان، وإنما على صورة الحقيقة التي تحملها».
لا بدَّ من سؤاله عن العلاقة بين التقليد والحداثة، فكوستل يرى أنّ الخروج عن التقليد خيانة للجوهر،
لكنَّ الجمود أيضاً موت:
«كلّ عصر يطلب من الفنان أن يكون شاهداً على التراث الحيّ.
التحدّي أن تُقدّمه بلغة اليوم وتُلبسه حساسية هذا الزمن من دون أن تُجرّده من روحه». بهذا المعنى، الأيقونة عنده حياة تتجدّد.
بين اللون والوجه المرسوم… تتجلّى صلاة (المعهد الفنّي الأنطوني) تعود به الذاكرة إلى مطلع التسعينات وهو يتحدَّث عن لبنان
، حين جاء أول مرة لترميم كنيسة «مار جرجس» في دير الحرف بعد الحرب.
يذكُر كيف آلمه أن يرى الكنائس وقد تحوّلت إلى أطلال مهجورة:
«الكنيسة بيت الإيمان والذاكرة.
حين تُدمَّر، يصمت معها صوت الجماعة». من هنا، يرى أنّ«للأيقونة وظيفة أعمق من الزينة والجمال، هي نافذة على السماء، وجسر بين الجمال والإيمان والآخرين».
بين طلاب «المعهد الفني الأنطوني»، الذين التفّوا حوله في ورشة عمل، يقدّم كوستل وصيته:
«حافظوا على الأُسس الفنّية الراسخة، وتعاملوا مع الأيقونة بروح الوفاء للتقليد؛
لأنّ هذه المعرفة لا تُبنى إلا بالتوارث والتسليم من جيل إلى آخر».
لكنه لا يُخفي قلقه: «عدد المحترفين يتناقص، والشباب يبتعدون عن الإيمان،
وقليلون جداً مَن يُبدون اليوم اهتماماً بهذا الفنّ المقدّس».
هكذا يتكلّم كوستل بصوت رجل يدرك أنه في سباق مع الزمن… فبين يديه ميراث مُضيء يسعى إلى أن يسلّمه قبل أن تُطفئه قسوة التحولات وتغيُّر الأولويات،
وقبل أن تبتلع ضوضاءُ العصر هذا الفنَّ الذي لا يُزهر إلا في الصمت والإيمان.
بالطبع بصورة شاملة إما أينما حيثما كيفما أيما أيّما بينما ألّا لئلّا حبّذا سيّما لكن بالتالي هكذا أو أم لذلك مثلا تحديدا عموما لاسيما خصوصا بالأخص خاصة بالمثل لأن بسبب إذا عندما حين