أبو صبحي التيناوي 1888م-1973م
ولد في دمشق، وكان أحد أشهر الفنانين الشعبيين السورين من معاصريه. اسمه الأصلي محمد حرب، ومنذ أن افتتح متجره في دمشق، أخذ يوقّع كافة أعماله باسم “أبو صبحي التيناوي”
“عنتر وعبلة”
زكريا تامر* –مجلة التضامن العدد 223 –السبت 18 تموز 1987م.
في عام من أعوام القرن العشرين،أقامت امرأة فرنسية بالغة الثراء معرضاً لما تملكه من رسوم لمشاهير الفنانين في العالم كبيكاسو ودالي وموديلياني ورينوار وفان كوخ.
واشتمل ذلك المعرض على لوحة واحدة فقط لفنان عربي،واسم الفنان هو أبوصبحي التيناوي
وأبو صبحي التيناوي فنان من دمشق،دمشق الأزقة والحارات والبيوت الترابية،لا دمشق الشوارع العريضة والمباني الحديثة.
ورسومه مستلهمة من الحكايات الشعبية العربية،ولكن غالبيتها مكرسة لعنترة وعبلة،يرسمها على الزجاج بألوان حادة. يرسم عنترة رجلاً حقيقياً قوياً يشهر سيفه حين يكون وحده،متأهباً لمواجهة أعدائه ودحرهم. أما حين يكون برفقة عبلة فإن سيفه متوار في غمده. ويرسم عبلة امرأة جميلة عذبة،حزينة حزناً غامضاً،وممتطية صهوة جواد عربي أصيل.
وبراعة أبو صبجي التيناوي،الفنية الفذة تتجلى في أنه رسم عنترة وعبلة في مئات اللوحات من دون أن تكون إحدى اللوحات مشابهة للأخرى مع أن الموضوع واحد لم يتبدل.
وأبوصبحي التيناوي لا علاقة له بعالم الفن والفنانين والثقافة،فهو يمتلك دكاناً في حي شعبي،يبيع فيها ما هب ودب من الخردوات. وحين يأتي شخص ما راغب في شراء لوحاته،يترك دكانه بعد أن يطلب من جاره الاهتمام بها أثناء غيابه،ويأخذ الزبون إلى بيته القريب حيث تتكدس رسومه في إحدى الغرف الخالية،وهناك يبدأ ابو صبحي التيناوي بعرض لوحاته،لوحة إثر لوحة،مسهباً في تبيان مزاياها،وبلهجة بائع ماكر يريد إغراء زبونه بشراء شيء مما يعرضه من سلع.
وهذا السلوك قد يبدو لأول مرة مستغرباً،ولكنه بالنسبة لأبو صبحي التيناوي هو سلوك جد عادي،فهو لا ينظر إلى نفسه على أنه فنان. وكل شخص يعامله على أنه فنان ينفر منه ولا يرغب في رؤيته ثانية. أما من يقول له : (أنت فنان كبير وموهوب)،فهو ينظر إليه بريبة كأنه محتال له مآرب خفية من العسير كشفها،فالرسم بالنسبة إليه مجرد مهنة كالحدادة والتجارة.
ولم ينجح اي صحافي في إجراء حديث معه،وكان يقول للصحافي 🙁 إذا أردت أن تشتري فأهلاً وسهلاً.أما إذا لم تكن تريد إلا الحكي فأرنا عرض كتافك).
وقد حاولت بعثات تلفزيونية أجنبية إجراء مقابلات معه،ولكنه رفض رفضاً باتاً،وطرد أعضاءها شر طردة وهو يزمجر ساخراً:(بلا فن….بلا بلاط).
وكان أحد الفنانين دائم التردد إليه في الستينات. يشتري منه اللوحة بثمن لا يزيد على عشرين ليرة سورية،ثم يأخذها إلى بيروت،ويضعها في إطار فخم،ويبيعها للأجانب بمبالغ طائلة يحلم كبار الفنانين العرب بنيل مثلها.
في أحد الأيام اشترى الفنان اللبناني لوحتين من لوحات أبو صبحي التيناوي،فقدم إليه أبو صبحي التيناوي لوحة صغيرة الحجم امتدحها مطولاً،فقال له الفنان اللبناني (سأشتريها،كم تريد ثمناً لها؟ ).
فقال أبو صبحي التيناوي أنت اشتريت لوحتين كبيرتين،وهذه اللوحة الصغيرة مجاناً على البيعة.
وجملة “على البيعة” كانت تستخدمها نساء الحارات الشعبية الدمشقية حين يشترين أي شيء،ويطلبن إلى البائع أن يزيد الوزن أو الطول قليلاً ..قائلات:_( زد قليلاً…..على البيعة)
وفي يوم من الأيام،أراني أبو صبحي التيناوي لوحة مرسومة على الزجاج لعبلة وهي تمتطي صهوة جواد أسود اللون.وكانت لوحة رائعة تبهر حقاً. تأملتها لحظات،ثم سألته،وأنا أشير بسبابتي إلى لطخة سوداء في سماء اللوحة: “أبو صبحي ما هذا؟”
وكان أبو صبحي التيناوي لا يبتسم أبداً،ومتجهم الوجه باستمرار،ولكنه عندما سمع سؤالي ازداد تجهم وجهه،وبدا كمن أهين إهانة بالغة،وقال لي بنزق:” اسمع يا أستاذ يا محترم.إذا كنت لا تعرفني فاسأل عني. أنا لا أغش زبائني. أنا أبيعهم لوحة لعبلة راكبة على حصان،ولكن عرض اللوحة لم يسمح لي برسم الحصان كاملاً،واضطررت إلى رسم ذيله ناقصاً.وهذه القطعة السوداء هي بقية ذيل الحصان.
وكانت اللوحة التي يرسمها أبو صبحي التيناوي،وتحظى بحبه ورضاه،يشوهها من دون أن يدري،فهو يكرر كتابة اسمه وعنوانه في كل فراغ من فراغات اللوحة كأنه يقسم إنه هو حقاً المبدع الذي رسم تلك اللوحة الرائعة.
وقد عاش أبو صبحي التيناوي حياته بعيداً عن الأضواء والشهرة،ولم يحظ بأي تكريم،ولم ينل أي وسام أو منصب،ولم يدخل يوماً مصرفا ً من المصارف،ولم تنشر أي مطبوعة عربية نبأ وفاته،فصفحاتها مكرسة لتمجيد رسامين لا يصلحون لطلاء جدران غرفة تسكنها أسرة معوزة،وتمجيد قبور وسجون اسمها أوطان.
أما عنتر وعبلة فقد هجرا الجياد والصحارى والخيام،وعاشا في المدن الكبيرة من غيرحب: عنترة رئيس نادي شهير من نوادي كرة القدم،وعبلة تزوجت من مليونير تاجر سلاح،ومجوهراتها مبرر بقائها في الحياة.
وما جرى لعنترة وعبلة وأبو صبحي التيناوي عبرة لمن يعتبر.
************
المصادر:
– موقع : الأهداف المنطقية
– موقع سبق- اليوم السابع
– الإمارات اليوم
– العربية .نت – الجزيرة .نت
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
********


