الأوضاع المعاشية في حلب أيام زمان في عام 1867م.- مشاركة: أحمد فؤاد المصري.

⊙ حكايات من فصط حلب ☆ مرايا حلبية 102
🔔 الأوضاع المعاشية في حلب أيام زمان 🔔
💸 تم في عام 1867 افتتاح الطريق بين حلب واسكندرونه، ورُصف بالحجر بحيث يُسمح للحيوانات، ووسائل النقل والجرّ بالعبور بسهولة ومرونة، وبدأ تجار حلب عام |1864| بالانفتاح والتطلّع إلى أوربا لتوسيع تجارتهم، وإنشاء محلات تجارية لهم في بلاد الغرب..
💸 وعندما أصبح الطريق سالكاً بين حلب مرفأ اسكندرونة، بدأ رجال الأعمال الحلبيون أصحاب الخبرة والثقة، بزيارة البلدان الأوربية، وتأسيس فروع لمحلاتهم التجارية، في عدد من البلاد الأوربية، خاصة مانشستر وليفربول في انكلترا، وهما أهم مدينتين تجاريتين في بلاد الانكليز، ومرسيليا في فرنسا، وكذلك في النمسا وألمانيا وإيطاليا، والجدير بالذكر، أن النجاح كان حليفاً لهم، فصاروا وسطاً بين التجار الحلبيين وبين التجار الأوربيين، مما أتاح لهؤلاء في كثير من الأحيان، الاستغناء عن وساطة الأوربيين المقيمين في حلب..
💸 وقد لعب رجل الأعمال الحلبي دوراً وسيطاً بين المصانع الأوروبية والتاجر الحلبي، وهذا لا يعني أن التاجر الحلبي لم يكن منتجاً، فلقد اشتهرت في حلب صناعات كان لها عشاقها، مثل إنتاج البروكار والشال وغيرها من الأقمشة النسيجية ذات الشهرة.. ففي عام |1865| ظهرت صناعة الزنانير الهندية، صناعة (الأغباني) على يد امرأة نصرانية أسلمت على يد الشيخ «طه الكيالي»، وكانت رأت عنده زناراً من صنع الهند فقلدته وصنعت مثله, فانتشرت هذه الصنعة وعملت بها آلاف النساء..
💸 وكان التاجر الحلبي يحقق لنفسه أرباحاً جيدة في تجارته وأحياناً أرباحاً باهظة، ففي يوميات «نعوم بخاش» أنه (يوم الثلاثاء [12] حزيران |1860| باع «جبرا» بقجة حرير بسبعة آلاف قرش.. أي ما يعادل [70] ليرة ذهبية)، فتصور الأرباح التي كانت تعود على التجار من حركة الأسواق..
🎈🎈🎀🎈🎈
💸 ذكر المرحوم «كامل الغزّي» في الجزء الأول من كتابه {نهر الذهب في تاريخ حلب} عن الصناعة والتجارة في حلب، فقال إن حلب اشتُهرت بصناعتها، وإن كثيراً منها قد انقرضت، وأهم هذه الصناعات المنقرضة:
● صنعة القاشاني: الذي كان يجعل (ظهارة) لجدران المباني العظيمة كالمساجد، والبيوت الكبار، وقد نفذ منه إلى الممالك الأوروبية وغيرها مما لا يدخل تحت إحصاء.. ومنه صنعة الثريات من الزجاج الملون، وصناعة التراس، وكانت حلب مشهورة بها.. وصناعة عمل السيوف، ويُحكى أنه كان لها في حلب صناع ماهرون، أسر أكثرهم «تيمورلنك» حين استيلائه عليها، وكانوا يصنعون هذه السيوف من الفولاذ الخالص، الذي يُحمل إلى حلب من الهند..
● ومنها صنعة عمل الزجاج ظروفاً وأواني، على أشكال شتى، وضروب متنوعة، وكان لها في مدينة حلب عدة معامل، وكانت هذه الصنعة راقية جداً لها شهرتها في البلاد.. وللحلبيين بها اختصاص ومهارة، ومما يستدل على أن هذه الصنعة كانت راقية في حلب، قول التاجر صاحب كتاب {مكستان}: قد عزمت على سفرة أخرى لأجل حمل الكبريت الفارسي إلى الصين، والخزف الصيني إلى الروم، والبزا الرومي إلى الهند، والفولاذ إلى حلب، والزجاج الحلبي إلى اليمن..
● ومنها صنعة الكبريت، والظروف الخزفية، والشمع الشحمي والعسلي وغيرها..
● أما الصناعات الأخرى التي لم تنقرض، فهي كثيرة، وأعظمها، بل التي عليها مدار عيش السواد الأعظم من أهل حلب، صنعة نسج الأقمشة، وقد كان لها في حلب نحو خمسة عشر ألف نول، ثم انخفض هذا العدد حتى وصل إلى نحو ألفي نول، تُحاك عليها النسج القطنية، والغزلية المعروفة بالآلاجة، والحريرية المعروفة بالتارة، والمقصّبة بالمسيخ، والدوناطو، وشغل الليل، والدامسكو الدمشقي، وتقليد الشال العجمي، والأرز الحريرية المقصبة، والملاحف المتنوعة الحريرية المقصّبة والغزلية، والمناديل الحريرية المقصّبة المعروفة بالبوشية،وأنواع العباءات الحريرية والصوفية والغزلية المقصّبة، وكانت هذه الأقمشة تنتقل من حلب إلى سائر البلاد شرقاً وغرباً، وتربح أرباحاً عظيمة..
● أما بقية الصناعات الموجودة في حلب، فكثيرة ومنها صنعة عمل التيل الفضي، وتُصنع من سبائك الفضة، وأهل حلب أتقنوها اتقاناً شديداً، ويذهب مقدار كبير منها إلى الشرق والغرب، كمصر؛ وبغداد؛ وحمص؛ وديار بكر؛ والحجاز؛ واليمن وغيرها..
● ومنها صنعة التطريز والزركشة، وهي تُرسل إلى فلسطين؛ والشام؛ والبلاد الرومية؛ وجزيرة العرب؛ وكثير من الممالك الأوروبية..
● ومنها صناعة المناديل، والصباغة، والحدادة، والنجارة، والدباغة، ونقش الخشب، والنعال، والأحذية، والصابون، والشعيرية والمعكرونة، وغزل القطن، والصوف، وحلج القطن، وفتل حبال القنّب، والورق، والبسط، والسجاد وغيرها..
🎈🎈🎀🎈🎈
💸 بعض المعوقات في تجارة ولاية حلب: ونستطيع أن نعيد هذه المعوقات إلى قسمين رئيسين:
1 معوقات خارجية.. 2 معوقات داخلية..
●○●
☆ المعوقات الخارجية وأهمها:
● حرب القرم ومشاركة أبناء حلب فيها..
جرت حرب القرم بين أعوام |1854-1856م| بين روسيا القيصرية من جهة، وبين انكلترا وفرنسا والدولة العثمانية وسردينيا قبل أن تتوحد إيطاليا..
والقرم شبه جزيرة تقع جنوب البلاد الروسية، شمالي البحر الأسود، وبين البحر الأسود وبحر آزوف.. وانتهت هذه الحرب بمعاهدة باريس |1856م|..
ولقد ساهمت مدينة حلب في حرب القرم بفيلق من الجنود ضمّ [1500] جندياً.. علماً أن مجموع الجيش العثماني لم يتجاوز عدده السبعة آلاف جندياً، وقد اشتهر هذا الفيلق الحلبي بالشجاعة والإقدام، وكان بقيادة «علي باشا شريّف»، وقد وصف «الطباخ» في أعلام النبلاء هذا القائد الحلبي: أنه منذ حداثة سنة ظهرت عليه مخايل النجابة والبراعة ودخل السلك العسكري.. وصار كتخدا عند المشير «عمر باشا البشناقي» السردار الأكرم..
● فتح قناة السويس وانقطاع طريق الهند..
لقد تأثرت التجارة العالمية بفتح قناة السويس في مصر، واتصال البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.. ومن ثم توفير الزمن والمسافة التي كانت تقطعها السفن بالالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الهند.. فهناك دول تأثرت سلباً ودول تأثرت إيجاباً، وقد تأثرت حلب سلباً إذ انقطعت تجارتها مع الهند، فالتجار الهنود لم يعودوا يحملون حريرهم وبضائعهم إلى حلب.. ولم يعودوا ينزلون في خان الحرير؛ كما وقف نشاط طريق الحرير، وحلب واقعة على هذا الطريق كانت تستفيد من تجارته..
●○●
☆ المعوقات الداخلية ويمكن أن نعيدها إلى سببين:
■ أسباب طبيعية بيئية..
■ أسباب ناتجة عن سوء الإدارة وضعفها، وفساد الحكم والاستبداد..
※ أهم المعوقات الطبيعية البيئية:
1- حريق هائل في أسواق حلب..
جاء في {نهر الذهب} أنه في عام |1868| شبّ حريق هائل في أسواق حلب، ومنها سوق الذراع، وإن أسواق حلب ليست بتمامها من الصخر كحوانيت أوروبا.. ومصاطبها من الخشب اليابس السريع الاشتعال، وقد لاصق بعضها بعضاً.. ولم يوجد آلة للإطفاء فكيف العمل لسرعة إخماد النار.. فليعلم الله والحال كذلك، أن الحكومة العلية لم تتوفق لإخماد هذا الحريق إلا بالهمم الجسام.. ونتيجة لذلك، أمر الوالي بتبديل سقوف أسواق حلب بالسقوف المعروفة بالجملون، وكانت قبلاً من الحصر المنسوجة من البردي والقصب، كثيرة الاستعداد للاحتراق، فشرعوا بذلك مبتدئين من باب النصر.. وفي [3] تموز/يوليو عام |1890م|، شبت النار في مخازن الخشب للتاجر «أنطون مكربنه»، ثم امتد اللهب إلى أملاك غزاله والى مخزن نعوم، الحاوي على كمية من السمن والزيت، وأطفئت النيران بعد [14] ساعة بمساعدة العسكر..
2- الكوليرا..
الهواء الأصفر هكذا يسمونه العامة، ظهر في حلب عدد من المرات.. ففي عام |1875م|، كان يموت فيه كما جاء في وثائق تاريخية من المسيحيين يومياً من [5-12] إنسان، ومن المسلمين من [200-300] إنسان، ثم عاد وظهر في أيلول من عام |1890م|، كما جاء في الوثائق التاريخية عن حلب للأب «توتل» فبلغ عدد المصابين حتى الثلاثين من أيلول نفس الشهر [162] مصاباً توفي منهم [154] شخصاً، وفرض الحجر الصحي على مدينة بيلان على طريق اسكندرون ميناء حلب التجاري، وامتنعت السفن التجارية عن المجيء إليها، وتوقف البريد البحري عن الورود من أوروبا، مما سبب نقمة التجار في مدينة حلب..
وفي تشرين الأول من نفس العام ازداد عدد المصابين في مدينة حلب بالكوليرا، ولاسيما في حي الكتاب، حتى هجر السكان منازلهم، وأغلقت المدارس، وكانت الكوليرا تفتك في أحياء باب النيرب والفرافرة وباب النصر ثم انتقلت إلى الأحياء المجاورة..
وفي [9] تشرين الثاني، خفت وطأة الكوليرا في حلب، وأخذت تزحف جنوباً إلى مدن حمص ودمشق، ثم عادت في شهر تموز من عام |1891م|..
وفي أواخر عام |1890م| أضرب القصابون في حلب بضعة أيام، وارتفع سعر اللحم.. فسار المسلمون في الشوارع منشدين الأناشيد الدينية، مستغيثين بالله ليرفع البلاء عن البلاد، وينجيها من الكوليرا، وتابعوا سيرهم إلى الجامع الكبير للصلاة طالبين من الله الرحمة والغوث..
🎈🎈🎀🎈🎈
💸 الأزمة التجارية بحلب/مجلة القربان الحلبية ـ عدد حزيران |1928|:
لقد كانت حلب، حتى أيام الحرب العالمية الأولى، مورداً من أغزر موارد تركيا, تستقي منها معظم البلاد العثمانية حاجاتها، وتُصرّف فيها محصولاتها، فكانت حلب، المحور الذي تدور عليه حركة دائمة لبلادٍ واسعة الأطراف، تشمل ولايات وان؛ وبتليس؛ وديار بكر؛ والموصل؛ وبغداد، وجزءاً كبيراً من غربي بلاد فارس.. وكانت هذه المقاطعات الآهلة بعددٍ من السكان، يتجاوزون الثمانية ملايين نفساً، سوق التجارة الحلبية الرائجة، ومرتزق العدد الأوفر من أهالي الشهباء..
فلما وضعت الحرب العالمية أوزارها، وأبرمت الدول المعاهدات بينها، فصلت عن حلب طائفة من أسواقها النافقة، مثل البلاد الأناضولية والعراقية وغيرها، فأصبح مجال التجارة الحلبية، ضيقاً منحصراً في مقاطعات دير الزور ومنبج وادلب والباب.. وجميعها لا يتجاوز عدد سكانها النصف مليون نفساً..
💸 لما دارت رحى الحرب الكبرى، وخاضت تركيا غمارها إلى جانب دول الائتلاف، رأت أن تقتفي آثار حلفائها وغيرهم، فألغت قانون التعامل الإجباري بالذهب، وأصدرت في تشرين الثاني من سنة |1914| أوراقاً نقدية، يتداولها الناس في أسواقهم التجارية.. وكانت كمية النقود المعدنية في البلاد العثمانية، زمن إعلان الحرب العالمية، ثمانية وعشرون مليوناً من الليرات العثمانية، منها ستة وعشرون مليوناً من النقود الذهبية، ومليونان من النقود المعدنية، فأخذت الحكومة تسترجع إلى خزينتها، النقود الذهبية، مبدلةً إياها بأوراقٍ نقديةٍ..
وفي أوائل سنة |1915|، أصدرت سلسلة ثانية من الأوراق النقدية، ألقت بها الذعر في قلوب الأهلين، فخافوا أن تصبح ثروتهم هباءً منثوراً، وأوراقاً باليةً، ولاسيما لأن خروج دولتهم منتصرة من هذه المعمعة الهائلة، كان في اعتقادهم أمراً مستحيلاً، فامتنعوا عن تداول أوراقها النقدية، فعمدت إذ ذاك إلى وسائل العنف والعسف، وشددت النكير على الأهلين لإكراههم على قبول هذه الأوراق, ومما يُذكر في هذا الصدد، أن حكومة بغداد استدعت إلى دائرة شرطتها، على عهد مديرها «سعد الدين»، [17] صرافاً إسرائيلياً لتضاربهم بالأوراق, وهناك زهقت نفوسهم بدون أن يعلم أحد كيف كانت نهايتهم (أمراض القلب).. إلا أن بعض الموقفين في تلك الدائرة، كانوا يسمعون في الليل أنيناً واستغاثة يصدران من أعماق أقبية تلك الدائرة، يشيران إلى ما يذوقه أولئك المنكودو الحظ من العذاب والتنكيل..
🎈🎈🎀🎈🎈
💸 أخلاق التجار:
● كان التجار بين [1900-1910] طبقات، فأصحاب الطواحين وتجار الحبوب يركبون الرهاوين (الرهوان نوع من الخيول سريع السير)، كما أن البعض يركبون الحمير القبرصية البيضاء وحمير الصُليب، والذين ليس لهم حيوان للركوب يستأجرون الحمير من سوق الخيل.. والركوب في القطار كان لعموم التجار تقريباً في الدرجة الثالثة.. والتاجر الذي يضطر لركوب عربة الأجرة كان يواري وجهه ويستحي بنفسه إذا رآه أحد من الناس راكباً في العربة.. أما كبار التجار الذين لهم أملاك عظيمة ومزارع، فكانوا يقتنون العربات والخيول، ومنهم من يحمل رتب السلطان ويشترك بالاحتفالات الرسمية في الأعياد ومواسم الحج، فيرتدون لباس القصب (الصرما)..
● وأكثر التجار كانوا يتاجرون بثلث أموالهم يضعونه رأس مال، والثاني يبقونه احتياطاً خوفاً من الأزمات، والثلث الثالث يشترون به أملاكاً تكون لهم ذخراً يحتفظون بها للأيام السوداء..
والتاجر الذي يشتغل بثلث أو نصف ماله يكون بعيداً جداً عن الإفلاس بعكس تجار اليوم خصوصاً الشبان منهم الذين يشتغلون بأضعاف رأس مالهم، فيكونون عرضةً للطوارئ والأزمات.. وكم رأينا تاجراً اشتغل بأضعاف رأس ماله فكُسر وجلب الشقاء أو الإفلاس لعشرات من التجار الذين يستدين منهم البضائع..
● وكان التجار يلبسون لباس الرأس وهو الطربوش واللفة الأغباني، وكان لباسهم الخاص هو الصاية الحريرية والساكو، ولم يزل البعض يلبسها ويسمى اليوم (شامي عتيق).. وكان الحرير أصلياً لا نباتياً، وكان الساكو من الجوخ الانكليزي المتين يلبسه الرجل عدة سنوات مع الصاية.. أما التجار الصغار وأبناؤهم فكانوا يلبسون (الديمة) والجوخ العربي، وإذا تعدى أحدهم طوره ولبس أو لبّس ابنه لباس طبقةً أعلى من طبقته يكون عرضةً للتحقير والتهكم.. وكثيراً ما سمعنا أفندي المحلة قد جلب أحد التجار ووبخه على تعديه طوره بارتداء لباس أعلى من لباس طبقته وأجبره على قلعه والرجوع إلى لباسه الأصلي..
● كانت أكثرية التجار المطلقة أمينة على ما يستودعها الناس صادقة في معاملاتها.. والتاجر كان يحافظ على كلمته، فمن باع لا يرجع، ومن اشترى لا يقلب مهما وقع هناك من خسائر.. وكان البيع والشراء في الحالات العادية وبالصفقات المتوسطة والصغيرة بالقول.. ولم تعرف معاملات الكتابة في البيع والشراء إلا بالصفقات الكبيرة..
وكانت الأمانة بين التجار عامة، وكم من تاجرٍ أرسل مع عميلٍ له ألوف الليرات الذهبية دون
وصل.. وكان العميل يغيب الأشهر والسنين ويعود بالمال مع الربح أو بالبضائع والتجارة دون أن يمضي ورقةً واحدة.. واليوم من شاء فليمر على كاتب العدل ويطلع على المعاملات التي تجري بين التجار فيعرف منها الفرق بين الأمس واليوم..
●○●
● «المدينة» هي مدرسة تجاريّة، تخرّج منها كل تجار حلب، ويعود الفضل إلى هذه المدرسة في تكوين العقليّة التجاريّة لدى الحلبيين، وهذه المدرسة لا تعلم فنون التجارة فقط وإنّما تلقِّن القيم الأخلاقيّة في التعامل التجاري، وأهم ذلك الصدق والأمانة والوفاء والالتزام بالكلمة وعدم الغش في السلعة وأداء الديون في مواعيدها، والكلمة مقدّسة عند تجار المدينة، فإذا اشترى بكلمة فالعقد ملزم ولا رجعة فيه، وإذا باع فكلمته معتمدة وموثوق بها في وصف سلعته، وإذا باع فإن ربحه محكوم بالتقاليد التجاريّة المعتادة فلا يتجاوز الربح المعتاد عند التجار، وإذا خالف هذه الأخلاقيّة فسرعان ما ينعزل عن مجتمع التجار وينصرف الناس عن التعامل معه، ويشيع في المدينة كلها خبر ذلك السلوك، وكلّ تاجر من تجار المدينة له بطاقة مكشوفة يعرفها الجميع في التجارة وفي الصداقة وفي الزواج، فإذا لم يكن صادقاً في تجارته فلا أحد يزوِّجه أو يرضى بتزويج ابنته من ابنه، لأنَّ سلوكيَّته ليست صادقة، وهذا لا يؤتمن في التعامل ولا يطمئنُّ إليه.
والويل كلّ الويل لمن يمتنع عن سداد دينه في موعده رغبة في أكل أموال الناس بالباطل، فمن امتنع عن السداد بسبب كارثة أو خسارة أو غرم أو حريق وقف الجميع معه وساعدوه، وخففوا عنه أعباء ديونه بالإبراء أو التأجيل، وقد يعيدون له رأسماله إن كان من أهل الصدق والأمانة..
🎈🎈🎀🎈🎈
💸 التجارة في الأمثال الحلبية … سند التاجر وعده
● المعروف عالمياً عن التاجر الحلبي بأن ذمته نقية ومعارفه كثيرة في مختلف مناطق العالم، ولذلك قيل: “أعرج حلب وصل إلى الهند”، ونتيجة موقع المدينة التجاري الهام بين مختلف المناطق فقد قيل: “كل ضيعة إلها درب عاحلب”، والمعروف أن التاجر الحلبي يفتتح بيعته دائماً بالقول: “استفتاح مبارك بالصلاة على النبي”، والحياة التجارية الحلبية معروفة بأنها قائمة على المسامحة في عمليات البيع والشراء التي تجري في الأسواق الحلبية فيقولون: “السماح رباح أو ساوينالو سكّرة حتى رضي”..
● ومن عادة التاجر الحلبي أنه يقوم بالشراء صباحاً لأن البضاعة التي تبقى لآخر النهار تكون غير جيدة، وفي ذلك يقولون: “أكّال التازة مابتآزى وأكّال الخمام م العصر بنام”».
● تعد الأسواق التجارية في المدينة القديمة والتي تسمى شعبياً “المْدينة” من أقدم أسواق العالم وقد لعبت عبر التاريخ دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية للأسرة الحلبية والريفية عموماً، فهي مقصد الناس جميعاً وفي مختلف المناسبات الاجتماعية مثل الخطبة والعرس وشراء الملابس والأعياد ففي “المْدينة” تتوافر جميع أنواع البضائع والسلع المصنّعة محلياً والآتية من مختلف مناطق العالم، وهنا يمكنني القول بأن زيارة “المْدينة” بحد ذاتها هي مناسبة اجتماعية هامة في حياة الحلبيين»..
● للتجارة عند الحلبيين أصول عرفوها وسننوها عبر الأجيال، فلكل محل تجاري محاسب مسؤول عن أموره المالية فيقولون: “حل معو الحساب والكاتب اللي قبلو ما خلت معو شعرايه”، وكذلك فلكل سوق دلالها يتجول ويوفق بين البائعين والمشترين فيقولون للدلال: “هالبضاعة كاسدة دفرا عنا”، ومن الأصول والسنن التجارية التي رصدها الأدب الشعبي حرصهم على اختيار الأنسب والأفضل دائماً فيقولون: “البدك ترهنو بيعو والبدك تخدمو طيعو”، و”اللي حضر السوق باع واشترى”، و”من عرف رسمالو باع واشترى”، ويتناصحون فيما بينهم بالقول: “لا تشتري الدهب قبل ما تعيّروا”..
● لقد امتطى الأدب الشعبي الحلبي صهوة مختلف أساليب البيان العربية فحين يشبّهون مثلاً يتخذون من مستلزمات التجارة أطراف تشبيهاتهم فيقولون لعابس الوجه: “وجّو متل الكمبيالة المستحقة”، ويقولون حين يحل الكساد في الأسواق: “متل سوق المعرة ألف بياع ولا شرا”»..
● البيع عند التاجر الحلبي فرص لا بد من كسبها حيث يقولون: “ولك بابا بيعا بسوقا، والبيع فن وذوق وحسن معاملة”، ولذلك يعيبون التاجر الذي لا يحسن التصرف فمن كلامهم: “طار الزبون من ايدو”، أو “روّح من ايدو البيعة”، ويعللون ذلك بأن: “أسعارو نار”..
● ويمتدحون التاجر الأمين، ولا يمسكون عنه شيئاً يطلبه لأنه كما يقولون: “هادا زلمة دفيع ما بنحكا عليه شي”، ومن حكمهم: “من أخد ورد شارك الناس بأموالا”، ويسخرون من الذي يخرج عن هذه الأصول التجارية كالذي يماطل بدفع الدين فعندهم: “الدين غضب الوالدين”، أو “الدين سواد الخدين” ويستهزئون بمن لا يدفع: “يا عريض القفا الدين مابدوا وفا”..
وتتجلى خبرة التاجر الحلبي في القدرة على التمييز بين الجيد والرديء من البضائع فيقولون: “شغل مصر بقيم من عبكرة للعصر”، أو “شغلو شل وبل”»..
● لقد تعرض التاجر الحلبي للإفلاس بسبب الهزات الاقتصادية العالمية إما بسبب حرب وقعت أو لغزو خارجي طرأ، لذلك كانوا يقعون تحت وطأة الديون.. وقد صور الأدب الشعبي الحلبي ذلك بمختلف أشكاله؛ فحين يعم الكساد يسود الفقر، وتقل الأموال، ومن أمثالهم: “الجمل بعثماني* وعثماني ما في أو الشغل داقر معنا”، وحول الحالات النفسية للتجار خلال مثل هذه الظروف هناك أمثال وأقاويل منها: “اشبك شارد نص الألف خمسميه”»..
🎈🎈🎀🎈🎈
💸 الأوزان القديمة في حلب:
القيراط، والمثقال، والقمحة، أو الشعيرة، والدرهم، والأوقية، والرطل، والقنطار. كل هذه الاصطلاحات ألغيت وحلَّ محلها الغرام وأضعافه وأجزاؤه.. ومع ذلك فلا زلنا نسمع اسمها متداولاً لدى العطار..
فالقيراط، هو وزن بذرة الخروب الواحدة، واصطلح على بذرة الخروب، لأن بذور الخروب متساوية في الوزن..
والمثقال: أربعة وعشرون قيراطاُ..
والخروبة أربع شعيرات من الشعير المتوسط الحجم الذي لم يقشر بل قطع من طرفي الحبة منه ما دق وطال..
ومنهم من ضبط الدرهم والمثقال بحب الخردل البري، فقال الدرهم أربعة آلاف، والمثقال ستة آلاف حبة..
وقال بعض المحققين والضبط بالخردل المذكور أجود، والأوقية مئة درهم. والرطل عشرة أواق، والقنطار مئة رطل..
●○●
الدرهم: 100 درهم = أوقية.
الأوقية: 10أوقيات = رطل.
الرطل: 100 رطل = قنطار.
الرطل الحلبي = 1/3 3 كغ (ثلاثة كيلوغرامات وثلث).
●○●
استعمل الحلبيون للموازين الرطل الحلبي, الذي يُقدّر بسبعمائة وعشرين درهماً، وتُقدّر الأوقية الحلبية بستين درهماً، وكل درهم بستة عشر قيراطاً، وكل قيراط أربع قمحات، وكل مائة رطل تساوي قنطاراً..
●○●
المدّ : يعادل نصف كيلة، وربع المدّ يعادل = 4.5 ليتر ( 3.273 كغ ) أي المدّ = 3.273 ×4 =… كغ. والكيلة الموحدة 30.27 ليتراً أي 25.656 كغ من الحنطة.
●○●
أما المقاييس, فهي أربعة أنواع: ذراع القماش؛ ويقدر بذراع وهو من الحديد، وذراع المعمار أو النجار، وهو خاص بالبنائين والنجارين، وينقسم إلى أربعة وعشرين قيراطاً، وهو من الخشب ذو أربعة أضلاع؛ عرض كل ضلع قيراط، والذراع الثالث, ذراع الجوخ, وهو خاص بمقياس الجوخ وهو أقصر من ذراع القماش بقليل, وهو من الحديد . والذراع الرابع يسمى الهنداسة, وهو خاص بالخياطين يستعملونه لتفصيل الثياب, وينقص عن ذراع القماش (شاهية = 2/1 الثمن) وهو من الحديد..
●○●
الأوزان والمقاسات في حلب:
[1] قنطار = [100] رطل = [320,500] غرام..
[1] شنبل حنطة (قمح) = [108,000غ]
[1] رطل = [3,205غ]
[1] أوق = [400] درهم أو [1و282غ]
[1] درهم = [32غ]
الذراع = [68سم]
الدونم = [1,600] ذراع مربع
الشبر = [75سم] مربعاً
۞۞۞۞۞۞
⭐ ملاحظة:
⊙ قد لا يكون لبعض الصور علاقة بالموضوع، ولكنها تصور البيئة والمكان والزمان
⊙ تم جمع المعلومات من مصادر عديدة..
⊙ ما رأيك بالمنشور ؟ اكتب وعلق وشارك من فضلك 😊
✿✦✦●○●○●○●☆●○●○●○●✦✦✿
💟 أعد هذا المنشور وكتبه لكم: أحمد فؤاد المصري 💟

أخر المقالات

منكم وإليكم