الآلهة والأسطورة بجبل الأقرع.على تخوم البحر حيث يهمس التاريخ – غسان القيم

الآلهة والأسطورة بجبل الأقرع.على تخوم البحر حيث يهمس التاريخ – غسان القيم

الآلهة والأسطورة بجبل الأقرع

جبل الأقرع…

حيث تسكن الآلهة والأسطورة ويهمس التاريخ..

****************************************

في شمال الساحل السوري، وعلى تخوم البحر الذي لم يملّ صراع العواصف، ينتصب جبل الأقرع كحارس ازلي للزمن..

وكأنما هو مرآة للدهور التي مرّت من هنا،

حاملةً في طياتها مزيجاً من الأساطير والملاحم والطقوس التي لم يخمد صداها رغم مرور آلاف السنين.
من يقترب من هذا الجبل، لا بد أن يشعر بشيء غريب…

هدوء يلف المكان، لكنه مشحون بكلمات لم تُنطق، وأسرار طُمست تحت تراب القرون. هناك،

حيث كانت السماء تمطر رعودها، وتُشعل نار القرابين فوق القمة،

عاش الإله “بعل صفن”، سيد المطر والعاصفة،

في قصر شُيّد له بين الضباب والحجارة.

الجبل المقدس منذ الأزل ..ليس عبثاً أن يتربع جبل الأقرع،

أو كما عُرف قديماً باسم “صفن”، على عرش الأسطورة الدينية في أوغاريت،

المدينة التي ازدهرت قبل أكثر من 3,000 عام. هذا الاسم – “صفن” – الوارد في نصوص رأس الشمرة، يشير إلى الشمال،

لكنه لم يكن مجرد اتجاه جغرافي، بل كان المكان الأسمى، المقام المقدّس، حيث يقيم الإله العظيم “بعل”.

لقد أفرد له المؤرخ والمفكر السوري الكبير جبرائيل سعادة فصلاً هاماً في كتابه “أبحاث تاريخية وأثرية”،

موثقاً فيه كيف شكّل هذا الجبل مركزًا روحيًا ومقدسًا، ضمن الحدود الواسعة لمملكة أوغاريت، قبل أربعة آلاف عام.

تشير الأساطير الأوغاريتية إلى حدث عظيم عن بناء قصر لبعل فوق قمة جبل صفن.

قصر مهيب تليق به عظمة إله يحمل على عاتقه مسؤولية المطر والعاصفة والخصب. في هذه النصوص القديمة، نقرأ أن القصر شُيّد في:

“قلب جبلي المقدّس…
في جبل ميراثي…
في المواطن الجميلة…
في هضاب النصر…”

كان تشييد القصر إعلانًا عن انتصار الخير على الشر، والنظام على الفوضى، ولذا عمّت الاحتفالات،

وارتفعت الأناشيد، وأُشعلت النيران، وتُقدمت القرابين.

فوق القمة، احتفل الناس بمقدم الإله، محمّلين آمالهم بالغيث والنماء.

لكن، هل كان ذلك القصر موجوداً فعلاً؟
هل وُجد معبد لبعل فوق هذه القمة الشاهقة؟

أم أن الشعراء نسجوه من خيالهم، كما تنسج الريح قصصها فوق أعالي الجبال؟

في عام 1937م، صعد عالم الآثار الفرنسي “كلود شيفر “منقب اوغاريت مدة خمسون عاماً ..

إلى قمة جبل الأقرع يبحث عن بقايا هذا القصر الإلهي.

لم يجد جدراناً، لكنّه وجد ما هو أهم:

تل صناعي قطره 55 متراً، وارتفاعه 8 أمتار،

مكوّن من رماد وحجارة محمرة بالنار.

آثار واضحة لقرابين كانت تُشوَى هناك منذ آلاف السنين.

وهذا وحده كافٍ ليؤكد أن الجبل لم يكن فقط في خيال الشعراء..

أو مجرد ذكرى لقصائد الاوغاريتيين
لقد دلّت هذه البقايا على أن الجبل كان معبدا فعليًا حقيقيا للطقوس والشعائر،

حيث التقت الأرض بالسماء، وهناك، في ذروة الجبل، كان الناس يقدّمون قرابينهم لبعل، الإله الذي يسكن السحاب، ويعدهم بالخلاص والمطر.

اليوم، لم تعد تلك الطقوس تُمارس، ولم تعد نار القرابين تتوهّج،

لكن الجبل ما زال هناك، واقفاً، شامخاً، كأنه ينتظر عودة صلوات القدماء.

القصص التي دارت حوله لم تعد سوى وثائق أرشيفية يراجعها الباحثون والمهتمون،

لكن من يتوقف لحظة عند صمته، قد يسمع همس القرون الغابرة، يتسلل عبر رياح الصنوبر، ويرتطم بالصخور كعزيف ناي قديم.

تسمعه فقط إن وقفت في صمت على منحدر صخري، وسط غابات الصنوبر،

أو عند الشاطئ حيث تتلاطم الأمواج على قدمي جبلنا الشامخ المقدس
وهكذا، يبقى جبل الأقرع أكثر من مجرد تضاريس…

إنه موطن ذاكرة، ومنبر للأسطورة، وملاذ للإله الذي أطلق الرعد والمطر، من عليائه الخضراء، فوق الأرض العطشى..

عاشق اوغاريت.. غسان القيم..

***********************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

fotoartbook

elitephotoart

أخر المقالات