اضاءة على مسرحية هيكابي

بقلم أديث هول

من كتاب نساء طروادة ومسرحيات أخرى منشورات أوكسفورد العالم الكلاسيكي

تعد مسرحية هيكابي واحدة من أكثر درامات يوريبيديس إظلاماً,فهي دراسة عن انعاكسات الحرب الدولية على أفراد العائلات .فعلى إثر حادثة سقوط طروادة تواً ,تجلب لنا المسرحية الملك الإغريقي أجاممنون وسيد الحرب الطراقي بوليمستور وملكة الطرواديين هيكابي في شكل منحرف عن الود المولد علاقة متوحشة.فبينما هيكابي الصديقة سابقاً لبوليمستور تصبح أسوأ عدوة ,وبينما هيكابي الخصم الشرس لأجاممنون تصبح حليفة مؤقتة,فالتراجيديا تشدد على تطاير الثقات والائتلاف في أوقات الأزمات.فكما الجوقة تعلق ,كيف أنه”قوانين الضرورة تفصل في علاقات البشر ,فتصنع أصدقاء من أسوأ الأعداء وتصنع أعداء من أولئك الذين كانوا ذات مرة أصدقاء” (راجع السطر 846-849)فهذه الحبكة الثلاثية المريعة تُمثل على حدود اقليم طرقية الخروسينية حيث آسيا تستدير حول أوروبا عبر مضايق من بر طروادة ,فمن خلال نوع من المظهر الخداع ,هذا المناخ المعاش يبدو عاكساً لأحوال نفسية كبيرة في التراجيديا :في سير الأحداث , حيث تُجهد الإنسانية نفسها لإرتكاب جرائم بربرية وحشية في الحدود المظلمة للنفس ,وفي تفسخ الأطر الإجتماعية وفي غريب التحولات النفسية والعقلية.

ان مسرحية هيكابي تضع نفسية ملكة طروادة تحت المجهر المسرحي :فبالفعل الفاجعة متضاعفة ,فبطلة المسرحية مجابهة بمزيد من الم الفقد,الذي يرسب بداخلها تحولها إلى معادية منتقمة.فالجزء الأول من المسرحية تمسرح رد فعل للأخبار التي تتحدث عن أن ابنتها لابد أن يضحى بها لاسترضاء شبح أخيل اليوناني ,أما الجزء الثاني فيقدم لبطلة المسرحية مع جثة ولدها بوليدورس (الذي قتله بوليمستور ملك أرض تراقيا البرية التي تدور فيها أحداث المسرحية)حيث تؤدي دور الثأر المفزع الذي هي تقصده..فاليونان القديمة كانت أكثر قدرة على كشف عن المشاعر الصادقة في تقديم تفسيرات حول انقياد الإنسانية إلى الانتقام:فثيوديديس في عمله عن الحرب البلوبنيزية يلفت الانتباه إلى أهمية هذا الدافع في تشكيل التاريخ ,في الحديث الشهير إلى السرقوسيين قبل التعارك مع الجيش الأثيني الإمبريالي الغازي ,فعلى سبيل المثال فجليبيس فيما ذكره ثيوديديس يرجو جنود جيشه “أن يكونوا في تعاملهم مع الخصم في منتهى العدل والالتزام بالقانون حتى يطالبوا بحق إخماد غضب روح المعتدي”ويضيف أن الانتقام يمد بـ(أعظم سعادة)(راجع الفصل السابع السطر68).فما من تراجيدية يونانية تركز بمثل هذا المستوى على هذا الأمر كما مسرحية هيكابي عن نفسية الانتقام ,أو بالإحرى عن خط السير النفسي الذي تتخذه الضحية لتتحول إلى منتقم ,خط السير الذي يسميه بعض علماء النفس (الاستيعاب الباطني للطاغية).

أما اليونانيون في المسرحية مع استثناء بسيط هو المنادي تالثيبيوس ,فيعرضون وحشية عرضية صادمة للجمهور كما لضحايهم .فبالرغم من أن هيكابي ذات مرة أنقذت حياة أوديسيوس فهو يكون مسؤولاً عن إقناع اليونانيين في المضي قدماً نحو التضحية ببولكسينا ,ومسؤولاً عن صناعة ظهوره المجلل بالعار في الأدب القديم عندما وصل حتى يبرر إلقاء القبض عليها.أما أجاممنون الذي إليه تتوجه هيكابي ليعينها على بوليمستور فيخدم مصلحته الشخصية ضعيفة الأخلاق ,فهناك تكرار عن طبيعة الفضيلة لكن دون القدرة على فعل الفضيلة.فهو يوافق أن يغض الطرف عن أفعال هيكابي ضد بوليمستور ,بينما يرفض خشية أن يتسبب في جحود جنوده له,أن يمدها بأي مساندة حثيثة.فبوليمستور الطراقي ,واحداً من أشهر الشخصيات المزعجة السمجة المعروضة على الخشبة المسرحية القديمة,الكاذبة السافرة والانتهازية الساخرة والنذل التراجيدي الوحيد الذي تكون جريمته باعثها فقط الجشع.أما هيكابي نفسها بالرغم من أن لديها عذر إلى حد بعيد, أكثر من أي شخصية للإقدام على سلوكها الشرس,فهي تكون قد تبدلت بسبب صدمتها النفسية إلى مذنبة كأي نذل منهم ,إنها تحرض ليس فقط على إعماء بوليمستور, لكن أيضاً على قتل ولديه,معه ,فهو لم يكن حكيماً بالدرجة الكافية حيث دخل خيام النساء .فالجزاء المنتزع من أجل حياة بوليدورس ليس فقط واقع على واحد بل اثنين :فهو كما لو أن احتياج هيكابي لكي تنتقم لابنتها بولكسينا يكون قد حل في بوليمستور .فهناك قطعة فريدة يصدرها يوريبيديس عن النفس البشرية :التي عن اليونانيين الذين يكونون مسؤولين إلى حد بعيد عن أعظم دور في معاناة هيكابي .لكنهم في قوة شديدة يعارضونها, فنفسية العنف التي هي تحملها ببساطة استطاعت أن تجد إبانة في مكان ما.

والمسرحية تشتمل على فقرات عديدة التي تعرض لماذا يوريبيديس اعتبره أرسطو كسيد مطلق لتراجيدية مشاعر الرثاء ,فالانفصال الأخير لبولكسينا عن أمها يكون أحد أهم الدقائق المؤسية في المسرح الغربي.حقيقة ,أنه يمكن أن يكون ملحاً في هذه المسرحية قيامها بجعل الجمهور بوعي يتأملون جماليات تراجيديا الرثاء .فخلافاً لدراما عصر النهضة ,فالتراجيدية اليونانية لا تستخدم (الميتامسرح)في أشكال الحديث ,كما جملة(كل العالم خشبة مسرحية)ربما لأن مؤلفيه كانوا يحاولون تجنب المفارقة التاريخية في صورتهم عن العصر البرونزي,عندما المسرح لم يكن بعد قد أبتدع.لكنهم استخدموا نظائر من الفنون المرئية,التي تجبر الجمهور على التفكير حول البعد المرئي للمسرح التراجيدي .فهكذا صدمة تالثيبيوس مقدرة لكرامة وشجاعة الأميرة الجميلة ,عندما عرت صدرها حتى يضحى بها بالسيف ,فلاينسى تشبيه تمثُلها في تمثال جميل (راجع السطر560-1)بعدئذ,تسأل هيكابي أجاممنون أن يرثي لحالها ويقف إلى الخلف منها “مثل الرسام”ليدقق في معاناتها(راجع السطر807)ففقرات مثل تلك تنبه النظارة أنهم متواطئون في سير الأحداث المسرحية بشدة بسبب حملقتهم في العذاب والوحشية.فمثل هذه الأشكال الشعرية كانت من المحتمل أيضاً مسؤولة عن توليد التقاليد القديمة ,فيوريبيديس نفسه كان رساماً,وصوره كانت معروضة في مدينة ميجارا(راجع كتاب حياة يوريبيديس الصفحة17و18).

ان واحدة من أقوى الدقائق المسرحية في المسرحية تكون عند دخول المعمي بوليمستور في دمائه زاحفاً على أربعة مثل الحيوان ذي الأرجل الأربعة في الجبل ,ويشرح في مناجاة مجمجمة توقه لسفك الدماء ليتخم نفسه من دم وعظام هذه الحيوانات الشرسة ,التي هي النساء من راطروادة(راجع السطر1056-1106)فبوليمستور أصبح حيوانا في هيئة إنسان ,وهكذا لا يعزز يوريبيديس فقط واحدة من أهم الصور في الريبرتواري الشعري للمسرحية بل على نحو مادي قام بإظهار كل حدود الإنفصال الإنساني عن الحيوان يمكن أن يتحلل عندما نفسيبة الإنسان تكون متموضعة تحت ضغط كامل.فهيكابي التي ابناؤها قد قتلوا من الإغريق والطراقيين على حد سواء ,والتي عوملت بدون أدنى احترام عن الحيوانات ,جاءت لتتصرف كالحيوانات,متى مشاعرها أصبحت خارج السيطرة ,فالنهج النفسي للحيونة يتوج في تكهن بوليمستور القائل بأن هيكابي بالفعل ستتحول إلى كلب وسيكون شاهد قبرها هو(ضريح كلب مسكين)كعلامة مميزة حتى يهتدي به البحارة في خط السير(راجع السطر1265-1273)ليس فقط على منوال واحد هذه المسرحية تعرض الحدود المتفسخة بين الإنسان والحيوان .إنها تُمسرح الفشل الكامل لتلك الممارسات الإجتماعية , مثل التداولية ,والإجراءات القضائية,التي تكون من المفترض منظمة عواطف الأحاسيس الإنسانية.فالاجتماع الإغريقي كشف عن أنه ليس حلبة شريفة للنقاش ,لكنه مليء بالغوغاء الغافلين المتلاعبين المعاقبين لضحية إنسانية منتهكة بأمر أوديسيوس ,صاحب القلب الخؤون والمنطق الماكر واللسان المعسول المتزلف للشعب(راجع السطر131الى133)فبالرغم من الأسبقية المتأصلة للإجراءات القانونية لدى الأغارقة (راجع السطر1129-31-1248)فالمحاكمة الشكلية تأخذ مكانها فقط بعد أن ضمت هيكابي القانون إلى صفها, وأحدثت جزاءها المروعفكما لو لإبراز مشاعر العزلة الموجهة نحو هيكابي القائمة على سلسلة من الأعمال الوحشية,بوليمستور قد أدين بأن يقضي أيامه وحده على جزيرة مهجورة .

لكن المسرحية لا تدع أبداً جمهورها ينسى المستقبل الذي ينتظر أجاممنون ,أيضاً.فالتضحية ببولكسينا صنع ليذكر الجمهور بالتضحية بإفيجينيا خاصة عند توقف الأسطول اليوناني لقلة الريح,بالقرب من طروادة ,كما وقف لقلة الريح من قبل عند أوليس .فمناقشة هيكابي لعلاقة أجاممنون مع كاسندرا بوضوح تذكر الجمهور عن الإستقبال المنتظر لهذا الثنائي في أرجوس (راجع السطر826 الى 832)اضافة لذلك ,ان المعمي بوليمستور يُغضب أجاممنون بأن يتوقع للأخير أن زوجته المخلصة ,كليتمنسترا سوف تقتله ببلطة وهو في حوض الاستحمام (راجع السطر1279-الى 1281)ان تراجيديات قليلة بلغت الذروة في عرض مثل فقدن الأمل والقسوة لدى الشخصيات المسرحية الأساسية المعنية,حتى البسيط منها,مما يعني أن المصائر المريعة التي تنتظرهم تكون على نحو وافر هم يستحقونها

ترجمة أسامة سليمان

المصدر صفحة المسرح العالمي

أخر المقالات

منكم وإليكم