ذاكرة أوغاريت حين تُمسَك باليد وتوثق تاريخها عندما تهمس بروح الواحها الطينية
لشعب كان يؤمن بكل يقين أن المعرفة تستحق أن تُحفظ وأن الحرف أثمن من الذهب
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
عندما نمسك بيدنا رقيماً فخاريا أوغاريتيًا نشعر كأننا لا نمسك قطعة طين جامدة بل نحتضن نبضة ما زالت دافئة من قلب حضارةٍ لم تخفت حرارتها رغم مرور أكثر من ثلاثة آلاف عام.
نشعر بيد ناسخ عاش في ظلال المعابد والمكتبات يبلّل قصبته بالماء ويضغط بها على الطين الطري وهو يؤمن بكل يقين أن المعرفة تستحق أن تُحفظ وأن الحرف أثمن من الذهب وأن ما يُسجَّل يمكن أن يتخطّى الموت والأيام والانهيارات الكبرى.
كانت الألواح في أوغاريت أكثر من وسيلة كتابة… كانت حافظة الروح.
كل رقيم هو نافذة صغيرة تطلّ على مدينة كانت تؤمن أن الكلمة ليست مجرد صوت بل عهد ووثيقة وشاهد على عصر عاش أهله بالسياسة والتجارة والشعر والدين والعلوم معاً.
لذلك حين نلمسه اليوم نشعر بقشعريرة شبيهة بتلك التي نشعر بها عند ملامسة قلبٍ نابض فالطين الذي شكّل كلماتهم لم يجفّ وما زال يحمل في داخله دفء الأيدي التي صاغته.
الرُّقُم هي الذاكرة التي لم تُمحَ.
وهي الحبر الذي لم يجفّ.
وهي الرسالة التي وصلت إلينا… من حضارةٍ كانت تعرف أن الحرف هو أجمل ما يُترك للأبد.
في كل خطّ مسماري أوغاريتي نرى ظل ناسخٍ توقف عند كل علامة وسأل نفسه:
هل ستصل هذه الكلمة إلى من سيأتي بعدي؟..
وقد وصلت… ووصل معها صوته وأنفاسه ورؤيته للعالم.
لهذا نقول: حين نمسك لوحاً أوغاريتياً اليوم فنحن لا نمسك طيناً… بل نمسك ذاكرة مدينةٍ ما زالت تبصرنا من عمق الزمن.
عاشق اوغاريت.. غسان القيم..
الصورة المرفقة نمطية تم الحصول عليها عن طريق الذكاء الاصطناعي


