يجيب الدكتور : عصام عسيري .عن سؤال مالذي يدفع الفنان لممارسة الفن.

لماذا الفن؟

د. عصام عسيري

سألني سابقًا صديقٌ سؤالاً بسيطاً في شكله، عميقاً في جوهره: ما الذي يدفع الفنان لممارسة الفن؟
سؤالٌ يبدو وكأنه يخص الفنان وحده، لكنه في الحقيقة سؤال عن الإنسان نفسه؛ عن حاجاته الأولى، وعن قلقه، وعن رغبته الدائمة في ترك أثره في العالم.

أجبته بأن الدوافع التي تقود الإنسان لممارسة الفن متعددة ومتشابكة، ومن الصعب حصرها في تعريف وسبب واحد، لكن يمكن مقاربة هذا الدافع الإنساني من خلال المحاور التالية:

  1. الفن كحاجة نفعية

بدأ الفن بوصفه استجابة لحاجات الإنسان الأساسية: فنون البناء والتأثيث، أدوات العمل والزراعة والصيد واللباس والطبخ، وكل ما يدخل في إطار «الصنعة» التي تحمل فائدة مباشرة. كانت هذه الفنون هي الواجهة الأولى لقدرة الإنسان على تحويل المادة إلى معنى، والوظيفة إلى جمال.

  1. الفن بوصفه ذاكرة

الفن سجل بصري لحياة الإنسان ومجتمعه. منذ رسوم الكهوف حتى كاميرا الهاتف، يبقى الفن وسيلة توثيق تحفظ لحظة عابرة وتحوّلها إلى تاريخ: لحظات ميلاد، حروب، انتصارات، طقوس، حكايات أجيال.

  1. الفن كتنفيس نفسي

يمثل الفن منفذاً يحرّر الفنان من شحناته الانفعالية. يرسم ليهدأ، يكتب ليشفى، ينحت ليُفصح عن مكبوتٍ لا يستطيع التعبير عنه بالكلام. الفن مساحة نفسية يتعمّق فيها الفنان مع ذاته، في رحلة مزدوجة من الكشف والستر.

  1. الفن من أجل المتعة والجمال

هناك دوافع جمالية خالصة تدفع الفنان لخلق المتعة البصرية. فالجمال، بكل بساطته وتعقيده، حاجة إنسانية قديمة، ترفع من ذائقة الفرد، وتبني إحساسه بالانتماء إلى عالم أجمل.

  1. الفن كمهنة واحتراف

لا يمكن تجاهل الجانب الاقتصادي. فالفن لدى كثيرين مهنة وحرفة ووسيلة عيش. هنا يتحول الفنان إلى محترف يبيع أعماله، ويتفاعل مع السوق والمعارض والمقتنين، ويقدّم أعمالاً تلبي متطلبات الاستخدام والتصميم والإعلان والتجارة والصناعة.

  1. الفن كمنبر للوجاهة والسمعة

يسعى بعض الفنانين إلى الفن بوصفه سلّماً للظهور الاجتماعي والشهرة والوجاهة، أو بوصفه ترفاً يعكس جودة الحياة. هذا الدافع ليس جديداً؛ عرفته الحضارات القديمة عندما ارتبط الفن بالبلاطات الكنسية والملكية وبرموز القوة.

  1. الفن للفن

هناك من يمارس الفن بدافع إبهار الجمهور أو عرض مهاراته التشكيلية وقدراته التقنية، أو احتفالاً بقدرة العمل الفني على أن يكون غاية في ذاته يلامس الجماهير. إنه الفن الذي يتحرر من كل وظيفة، ولا يطلب مبرراً خارج جمالياته الداخلية.

  1. الفن لبناء الإنسان والحضارة

في العمق، الفن مشروع إنساني يسعى إلى بناء مجتمع سويّ ومزدهر. فالفنون تصنع الوعي، وتؤسس منظومة قيم، وتترك بصمة حضارية تبقى شاهدة على وجود الإنسان ورقيّه.

  1. الفن كوسيلة تواصل

الفنون البصرية لغة عالمية، قوة ناعمة لا تحتاج إلى ترجمة. هي قادرة على إيصال الأفكار والمشاعر والرؤى عبر اللون والخط والشكل، فتذيب الفوارق بين الثقافات، وتؤسس لحوار إنساني يتجاوز اللغة.

  1. الفن كعلاج

يمتلك الفن بعداً علاجياً؛ فهو يصرف انتباه المريض عن ألمه (نظرية الإلهاء)، ويُشغله بنشاط ذهني وبصري يخفّف توتره. كما أن للألوان أثراً فسيولوجياً واضحاً على الجسد والغدد، مما يجعل «العلاج بالتغذية اللونية» ـ مشاهدة أو تناولاً أو محاكاة ـ أحد مسارات الطب التكميلي.

  1. الفن كاحتياج وجودي

أعمق الدوافع على الإطلاق؛ فإنتاج الفن هو إثبات لوجود الإنسان. كل أرض بلا فن أرض موات. وكل مجتمع بلا أثر بصري مجتمع بلا ذاكرة. يولد الفنان ومعه حاجة متجذرة لأن يصنع شكلاً، يترك علامة، يضيف إلى العالم شيئاً لم يكن موجوداً قبله.

باختصار:
يمارس الإنسان الفن لأنه يريد أن يعيش، وأن يتذكّر، وأن يتجاوز، وأن يدوّن أثره.
الفن ليس ترفاً، بل شكلٌ آخر من أشكال البقاء.

الأعمال #مقتنيات_خاصة للفنانين عبدالله إدريس زائد الزهراني Essam Asiri

أخر المقالات

منكم وإليكم