أي نسخة أنت؟ قراءة فلسفية ونفسية في تشكّل الذات
فهد مطلق العتيبي
هل الإنسان هو النسخة نفسها منذ ولادته حتى مماته، أم أنه يتعدد ويتحوّل عبر الزمن؟ غالباً ما يُطرح هذا السؤال بوصفه من أعمق الأسئلة المرتبطة بفهم الذات الإنسانية وطبيعة الهوية. والإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون أحادية، لأن الإنسان كائن بيولوجي ونفسي واجتماعي في آنٍ واحد، يتأثر بالزمان والمكان والتجربة.
من الناحية البيولوجية، يولد الإنسان بهوية جينية شبه ثابتة، تشكل الإطار العام لخصائصه الجسدية وبعض استعداداته النفسية. غير أن هذه الثباتية لا تعني أن الإنسان يظل «نسخة واحدة» بالمعنى الوجودي أو السلوكي. فالهوية الإنسانية ليست مجرد معطى فطري، بل هي بناء تراكمي يتشكل عبر الخبرة والتفاعل مع العالم المحيط.
تشير الدراسات النفسية إلى أن الإنسان يمر بمراحل تطورية متعاقبة، تتبدل فيها نظرته إلى ذاته وإلى الآخرين. فقد بيَّن عالم النفس التطوري إريك إريكسون (Erik H. Erikson)، على سبيل المثال، أن الهوية تمر بأزمات وتحولات في كل مرحلة عمرية، من الطفولة إلى الشيخوخة، وأن كل مرحلة تفرز «نسخة» مختلفة من الإنسان، وإن كانت متصلة بما قبلها. فالإنسان ليس كائنًا منقطعًا عن ماضيه، لكنه أيضًا ليس أسيرًا له.
أما من المنظور الاجتماعي والثقافي، فإن الإنسان يتعدد بتعدد الأدوار التي يؤديها: فهو فرد داخل أسرته، وشخص مختلف في محيط العمل، ونسخة أخرى في الفضاء العام أو في العالم الرقمي. هذا التعدد لا يعني النفاق أو الازدواجية بالضرورة، بل يعكس قدرة الإنسان على التكيُّف مع السياقات المختلفة. وقد أشار عالم الاجتماع إرفنغ غوفمان (Erving Goffman) إلى أن الحياة الاجتماعية أشبه بالمسرح، حيث يقدم الأفراد ذواتهم بطرق متباينة تبعًا للموقف والجمهور.
وتتضاعف أسباب هذا التعدد مع تراكم التجارب الحياتية؛ فالصدمات، والنجاحات، والخسارات، والتعليم، والسفر، والاحتكاك بثقافات أخرى، كلها عوامل تعيد تشكيل الإنسان من الداخل. أحيانًا يشعر الفرد أنه «لم يعد الشخص نفسه» بعد تجربة معينة، وهذا الشعور ليس وهمًا، بل تعبير عن تحول حقيقي في منظومة القيم والتصورات.
لكن، ورغم هذا التعدد، يبقى هناك خيط ناظم يربط بين نسخ الإنسان المختلفة، يتمثل في الذاكرة والوعي والشعور بالاستمرارية. فالإنسان يتغير، لكنه يدرك أنه هو ذاته، وإن اختلفت مواقفه أو شخصيته. وهنا يمكن القول إن الإنسان ليس نسخة واحدة جامدة، ولا نسخًا منفصلة، بل هو كيان متحول ذو جوهر مستمر.
أما معنى ذلك في تعاملنا مع الناس، فهو بالغ الأهمية. فإذا أدركنا أن الإنسان قابل للتغير، وأن ما نراه منه اليوم ليس بالضرورة صورته النهائية، فسنتعامل مع الآخرين بقدر أكبر من التفهم، والتسامح، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام. كما يدعونا هذا الفهم إلى إعطاء الناس فرصة للنمو والتصحيح، وألا نختزلهم في ماضيهم أو في أسوأ لحظاتهم.
نقلا عن “الرياض”
***********
المصادر:
– العربية .نت- الرياض
– سكاي نيوز عربية – أبوظبي
– موقع: الاهداف المنطقية
– موقع (اليوم السابع)
– موقع : – الجزيرة .نت
– موقع سبق- اليوم السابع
– الإمارات اليوم
– العربية .نت
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
********


