كتب الناقد العراقي: أنور الدرويش..قراءة وتحليل لأحد اعمال المصورة الفوتوغرافية الفلسطينية:فدوى روحانه.

قراءة وتحليل
لاحد اعمال المصورة الفوتوغرافية الفلسطينية
فدوى روحانه (( Fadwa Rouhana ))

تعد هذه الصورة عملا فنيا فوتوغرافيا عميقا . يعتمد بشكل أساسي على تقنية التعريض المتعدد . أو دمج الطبقات . مما يخلق حالة من التداخل الزمني … فبدلا من أن تكون الصورة لقطة لثانية او استيقاف لحظه من الزمن او تجميد الحركه . فإن تقنية التعريض المتعدد تحولها إلى زمن متواصل ومستمر . والصورة هنا ترفض مفهوم اللقطة او الاقتناص اواللحظة الحاسمة . وتستبدلها بمفهوم الديمومة والاستمرار . حيث الذاكرة ليست مخزنا للماضي . بل هي تيار يتدفق في الحاضر . تداخل الوجوه يمثل تراكم الخبرات والمواقف التي شكلت هذه المرأة . مما يجعلنا أمام مشهد لا يصور ما حدث . بل يصور أثر ما حدث على الروح .ترتكز الصورة على وجه المرأة في المنتصف . وهي النقطة الأكثر وضوحا وحدة نظرتها الجانبية المليئة بالشجن تعمل كـمركز السيادة الموضوعية لبقية العناصر المتداخلة .
نلاحظ ايضا تكرار الوجوه والأشكال القماشية ( الحجاب أو الأغطية ) بشكل شفاف ان هذا التكوين يلغي البعد الواحد للمكان ,بل يمنح الشكل عمقا بصريا واضحا ويجعل المشهد يبدو وكأنه ذاكرة أو حلم وليس لحظة واقعية او انعكاس تقليدي لصورة جامدة .
وهناك توازن بين الكتلة الداكنة في الأسفل ( ملابس المرأة ) والكتل الفاتحة الشفافة التي تحيط بها . مما يبرز ملامح الوجه بشكل درامي مؤثر في الكادر .
كما ان اختيار الأبيض والأسود كان موفقا جدا . لأنه جرد الصورة من تشتيت الألوان وجعل التركيز اكثر على الملمس والمضمون .
نلاحظ ايضا تباينا عاليا في مناطق معينة من الكادر . بينما تذوب مناطق أخرى في تدرجات رمادية ناعمة . مما يعزز إلاحساس بالضبابية والغموض .
لقد استخدمت فدوى هذه التقنية ( التعريض المتعدد ) لترمز هنا إلى التداخل والازدحام و تعدد الهويات .
لعبت الفنانه فدوى بمستويات الشفافية لتجعلنا نرى ما وراء الشخصية . وكأننا نقرأ أفكارها أو نرى الأشخاص الذين يؤثرون في عالمها المحيط .
عينا المرأة تحملان مزيجا من الحزن والصمود والترقب . الحجاب هنا ليس مجرد قطعة قماش . بل يتحول من خلال التداخل إلى إطار يحدد سياق حياتها . رغم وجود تداخل لوجوه أخرى وأجساد في الخلفية . إلا أن المرأة تبدو وحيدة في الزحام . هذا التناقض يجسد الصراع الإنساني بين الوجود الفردي والضغط الجماعي .
كما ان الأنماط الموجودة في الأقمشة المتداخلة تعطي انطباعا عن البيئة العربية . مما يضفي بعدا سياسيا أو اجتماعيا يتعلق بذاكرة المكان والناس .
ان الانطباع العام عن الصورة ليست مجرد توثيق لمنظر . بل هو قصة بصرية و تعبير عن الشتات الذهني أو ثقل الذاكرة . لقد نجحت المصوره في تحويل مادة واقعية ( امرأة في مكان عام ) إلى لوحة تجريدية تعبر عن مشاعر إنسانية معقدة يصعب صياغتها بالكلمات ..

@متابعين

أخر المقالات

منكم وإليكم