مسرح جبلة الأثري..رمزاً ثقافياً وحضارياً عريق
بقلم نجوى عبد العزيز محمود
يعدّ “مسرح جبلة” الأثري من أجمل الآثار الرومانية على الساحل الفينيقي، وواحداً من أهم ثمانية مسارح أثرية اكتشفت في “سورية”، فقد تعدّدت تسمياته ما بين المسرح والمدرّج والقلعة، وجميعها عبارة عن تسمية محلية واحدة. يقع على الحدود الشمالية الشرقية للمدينة القديمة، ويرجع بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي أي إلى العصر الروماني، الذي يضمّ الآثار المكتشفة في المدينة
يقع المسرح في وسط مدينة جبلة،وهي مدينة ساحلية على البحر الأبيض المتوسط في محافظة اللاذقية بسورية،, يُعتبر من أهم المعالم الأثرية في جبلة، وأحد أكبر المسارح الرومانية التي اكتُشفت في سورية. ي
بناؤه
بنهناك جدل بين المؤرخين حول زمن بنائه: بعضهم ينسبه إلى عهد الإمبراطور جستنيان (527–565 م)، بينما تشير غالبية الدراسات المعمارية والتنقيبية إلى أنه بُني في عهد سِبتيموس سيفيروس أو خلال السلالة السيفيرية، أي في أوائل القرن الثالث الميلادي (حوالي 193–235 م
تم بناء المسرح من الحجر الجيري المحلي، على أرض مستوية، مما مكن من بناء “كافيا” (أماكن الجلوس) مدعّمة بأقواس وقبب دون الحاجة إلى انحدار طبيعي كبير يرجع بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي أي إلى العصر الروماني، الذي يضمّ الآثار المكتشفة في المدينة .
طرازه المعماري
شكله نصف دائري، ويبلغ قطره نحو 90 متراً، ويتسع لـ10 آلاف متفرج، حيث ينقسم إلى منصة التمثيل التي زيّن جدارها الأمامي بمحاريب مستطيلة ومستديرة، والصحن أو الحلبة، إضافة إلى مدرجات الجمهور التي تضم ثلاثة طوابق و35 درجة، أضف إلى أن المسرح زود بالعديد من الأدراج والممرّات التي تفصل أقسام المسرح وتسهل عملية التنقل داخله. وتتم حركة الاتصالات داخل المسرح وعلى الدرجات بواسطة رواقين؛ حيث يعدّ الرواق الرئيس هو الذي يعطي المسرح الشكل الدائري، ويبلغ عرضه أربعة أمتار بارتفاع عشرة أمتار، وينفتح على ثمانية أبواب متناوبة مع تسع نوافذ؛ يتم من خلال الأبواب الدخول والخروج إلى مدرجات الجمهور، إضافة إلى أن بناء المسرح وهندسته من تنظيم درجاته وعقوده وأروقته والواجهات الخارجية مع الأعمدة التزينية والتيجان والأدراج؛ يدل على مهارة هندسية ومعمارية متميزة؛ حيث يشكل اتحاداً معمارياً وعمرانياً وتاريخياً متكاملاً مع محيطه، يُقدر أن المسرح كان يستطيع استيعاب نحو 7,000 إلى 8,000 متفرج في آن واحد. يتضمن تصميماً رومانياً تقليدياً من حيث الأوركستر(المساحة الدائرية أمام المسرح)، “المنصة”، الممرات والأقواس والفتحات التي كانت تسهّل الدخول والخروج ، وهناك 17 بوابة دخول رئيسية، كما أنه يندرج ضمن المسارح الكبرى المبنية من ثلاث طبقات للمتفرجين: “السفلى، والوسطى، والعليا”، وحجم بنائه قريب من مسارح “بصرى” و”تدمر” و”شهبا
تحوّلات عبر الزمن
تم بناء حصن عربي إسلامي في مدينة” جبلة” من قبل الخليفة “معاوية بن أبي سفيان” خارجاً من الحصن الروماني القديم؛ أي تم تحويله أيام الروم البيزنطيين إلى قلعة للدفاع عن المدينة أثناء الفتح العربي الإسلامي لمدينة “جبلة”، وبقي قلعة حتى الفترة الصليبية والأيوبية والمملوكية، ويدل على ذلك بقايا الأبنية والمرافق المختلفة، والقطع الأثرية من فخار ونقود، التي ظهرت أثناء الحفريات الأثرية التي قامت بها المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1950م؛ لهذا أطلق على المكان اسم القلعة الذي بات المسرح يعرف به إلى يومنا هذا.
وهكذا نرى إن مدرج جبلة الأثري يعتبر رمزاً ثقافيّاً للمدينة، وهو صرحاً ثقافياً وحضاريا ًيمثل حالة من الثقافة والفكر، ويقدم نوعاً من التمازج بين ثقافات الشرق، كما أن الحفاظ على الإرث الحضاري وخلاصة إنجازات الحضارات وتراثها الفكري من أولويات واهتمامات الشعوب منذ الأزل وحتى يومنا هذا، فهو كان شاهداً على تاريخ طويل من الحضارات: الفينيقية، الرومانية، البيزنطية، الإسلامية، والصليبية التي مرت بهذه المدينة عبر الزمن.


