مارك شاغال وعالمه المرح
إعداد وترجمة
أميرة ناجي/ فنانة تشكيلية
حينما صارت الأشكال أكثر ضخامة في لوحات مارك شاغال اللاحقة لم يكن ذلك تحولا شكليا فقط بل أفضى إلى اتساع المجال اللوني على سطح اللوحة وإلى تكثيف اللون ومنحه حضورا أكثر حيوية ومرحا وديناميكية. هذا التحول الذي بلغ ذروته في فانس استدعى وجود كتل صلبة كبيرة تعمل كدعامة بصرية لنمو اللون وتطوره. وباستجابة موازية لذلك ظهرت معالجة أكثر إحكاما وزخرفة وحيوية في تنظيم السطوح الواسعة حيث انتشرت العناصر كنسيج بصري غني يحيط بالمساحات اللونية الكبيرة ويمنحها إيقاعا داخليا متوازنا. وإذا كانت المشاهد الهزلية الأولى عند شاغال تعج بالوحوش الخيالية والمؤدين الغريبين الذين يملأون الفضاء بحركة صاخبة تدفع اللون ذاته إلى الرقص فإن هذه الحيوية تحولت لاحقا إلى نبرة أكثر هدوءا ورقة مشبعة بحكمة إنسانية ناضجة لا تخلو من الفكاهة.
يقوم عالم شاغال التشكيلي على الهزل بوصفه طاقة روحية لا مجرد نزعة تزيينية. فالفكاهة لديه تمتزج بالرقة والتهكم وتتحول إلى لغة بصرية تكشف عمق التجربة الإنسانية. لقد رأى بعض النقاد في هذا التوجه اقترابا من عوالم الحكاية الخيالية غير أن هذا الحكم يغفل أن المرح عند شاغال هو وسيلة لرؤية العالم لا للهروب منه. فهو يمنح الكائنات حنانا واضحا ويبالغ في حركاتها الطريفة ليعيد تشكيلها ضمن أفق شاعري يتقاطع مع المسرح والموسيقى والحلم. وفي هذا السياق يلتقي مع بول كلي في إيمانه بأن الفكاهة قادرة على ملامسة الحزن وتجاوزه دون إنكاره.
ارتبط المرح منذ بدايات شاغال بالحياة الريفية التي شكلت ذاكرته الأولى في فيتيبسك. هناك تحولت أصوات الأبقار والماعز والديكة إلى نشيد وجودي يحتفي بانسجام الكائنات مع الطبيعة. ومنذ ذلك الحين أصبح تمجيد الحياة البسيطة موضوعا متكررا في أعماله حيث تبدو القرية فضاء للحلم والطمأنينة لا مجرد خلفية مكانية. وفي هذا الإطار يحتل الحيوان مكانة مركزية في عالمه الفني. فالحيوان يمثل عند شاغال الانسجام مع إيقاع الطبيعة والرضا بالمصير الدوري للحياة في مقابل الإنسان الذي غرق في التناقض والحزن. وهنا يلتقي شاغال مع رؤية فرانز مارك الذي منح الحيوان بعدا روحيا خالصا.
تترك لوحات شاغال القروية أثرا دائما في ذاكرة المتلقي. فحين يحاول استعادة تجربته البصرية تتجسد أمامه وجوه الحيوانات وأفعالها المرحة والأشخاص الطائرون وعازفو الكمان على الأسطح وحتى نظرات الأصدقاء التي تستعيد دفء الحظيرة الريفية. وعلى الرغم من ارتباط اسم شاغال بباريس ظل مشدودا إلى ثقافة موطنه الأصلي روسيا وبيلاروسيا الحالية. هذا الارتباط قاده إلى عالم نيكولاي غوغول أحد أعمدة السخرية في الأدب الروسي.
في عام 1923 بدأ شاغال إنجاز مطبوعات لرواية غوغول النفوس الميتة وهو مشروع امتد حتى عام 1948 بالتعاون مع الناشر أمبرواز فولار. وجد شاغال في هذا العمل الأدبي فضاء مثاليا لتجسيد شخصيات تجمع بين الشفقة والسخرية. فشخصية تشيتشيكوف تظهر في مطبوعاته بتعبير كوميدي حاد يكشف الابتذال الراضي عن ذاته الذي سخر منه غوغول. وقد انسجمت هذه الرؤية مع حس شاغال الإنساني الذي يرى في الهزل وسيلة لكشف العتمة لا لتزيينها.
يقول مارك شاغال
أنا لا أرسم ما أراه بل ما أتذكره وأحلم به.
تكشف هذه المقولة جوهر عالمه المرح. فالذاكرة والحلم يتحولان في أعماله إلى لغة لونية تتجاوز الواقع المرئي وتعيد تشكيله بطاقة شعرية. إن المرح عند شاغال ليس انفصالا عن الألم بل طريقة لمواجهته وتحويله إلى صورة قادرة على التحليق. وهكذا يصبح الهزل في فنه موقفا وجوديا يعيد للإنسان براءته ويمنح اللون قدرة على قول ما تعجز الكلمات عن قوله.
****************
المصادر :
– موقع : اليوم السابع
الجزيرة.نت
https://www.mojeh.com
– موقع (CNN)– العربية
– موقع: الشرق الاوسط
– موقع: الاهرام
– موقع: صحيفة – الرياض
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
***********


