علي نفنون وحارسة البحر..حينما تكون الريشة تاريخا.- بقلم: فريد ظفور
علي نفنون وحارسة البحر
حارسة البحر: حينما تكون الريشة تاريخا..
عمل للفنان السوري الفينيقي: علي نفنوف.
بقلم: فريد ظفور
مقدمة: الفن حين يكتب التاريخ بلغة الألوان.
ليست كل اللوحات مجرد جمالٍ معلّق على الجدران. بعضها، حين يُنجز بصدق، يتحول إلى وثيقة تاريخية،
إلى صرخة، إلى مرآة شعب. هذا ما فعله علي نفنوف في عمله “حارسة البحر”، اللوحة التي تتجاوز الفن لتصبح وسيلة مقاومة ثقافية. إنها ليست فقط لوحة فينيقية، بل لوحة كونية بامتياز.
كما فعل بيكاسو في “غرنيكا”، ودولاكروا في “الحرية تقود الشعب”، وجيريكو في “الطوافة ميدوزا”،
وغويا في “كوارث الحرب”، فعل نفنوف الشيء ذاته: أعاد تشكيل التاريخ لا كما كُتب، بل كما يجب أن يُستعاد.
* بانوراما البحر والهوية:
تُعدّ “حارسة البحر” بانوراما تشكيلية بطول تسعة أمتار، أنجزها الفنان السوري علي نفنوف بنَفَس تأملي طويل.
لم يكتفِ برسم رموز، بل بنى سردًا متدرجًا يدمج الميثولوجيا بالوثيقة، والأسطورة بالاكتشاف الأثري.
تُجسّد اللوحة حضارة الفينيقيين السوريين، من آلهتهم مثل عشتار وبعل، إلى حروفهم الأبجدية، إلى سفنهم التي عبرت المتوسط.
عشتار هنا ليست رمزًا للحب فقط، بل “حارسة البحر”، الأم التي تطل على التاريخ من الشاطئ وتحميه.
وبعل، في مركز التكوين، هو المحارب، سيد المطر والسواحل، يفرض حضوره كمنارة ساحلية لا تغيب.
السفينة الفينيقية تبحر في اللوحة كأنها تواصل رحلتها الأبدية من أرواد إلى قرطاج إلى إسبانيا.
وكأن اللون الأرجواني المستخرج من صدفة الموريكس لا يزال يتدفق في مسارات الحضارة، يحمل توقيع سوريا البحرية إلى العالم.
*عندما يصبح الفنان مؤرّخًا:
1. بيكاسو و”غرنيكا”:
الرسم في وجه الحرب
حين قصفت الطائرات النازية بلدة “غرنيكا” الإسبانية، لم يكتب بيكاسو بيانًا سياسيًا، بل رسم مأساة بحجم الجدار.
“غرنيكا” صارت صرخة صامتة، رمادية كالرماد، لا اسم فيها، لكن فيها كل الوجوه المذعورة.
كما في “غرنيكا”، لا تخبرنا “حارسة البحر” من قُتل، بل من عاش، من صمد، من أبحر نحو الحكاية. كلا اللوحتين تسألان:
ماذا نفعل كي لا ننسى؟
2. دولاكروا و”الحرية تقود الشعب”:
جسد يقود الثورة
رسم دولاكروا امرأة ترفع العلم وتقود الثوار فوق الجثث. رمز الحرية كان جسدًا أنثويًا، جسدًا ينقذ التاريخ من الموت.
في “حارسة البحر”، الجسد الأنثوي:
أيضًا حاضر، لكنّه ليس جسد الثورة بل جسد الذاكرة: عشتار، الآلهة الأم، التي تحرس البحر واللغة والأسطورة. رمزان، من الشرق والغرب، يجسدان قدرة المرأة على قيادة السفن… حتى لو كانت سفنًا خيالية من التاريخ.
3. تيودور جيريكو و”الطوافة ميدوزا”:
البحر كشاهد على الفضيحة
حين غرقت سفينة “ميدوزا”، أرادت الدولة الفرنسية طمس الحقيقة. لكن جيريكو رسم لوحة هائلة، فضحت الفساد الرسمي وكرّست دور الفن كشاهد لا يمكن إخراسه.
في لوحة نفنوف، لا نرى الطوفان بل السفينة التي نجت، لم تغرق. لكنها، مثل “ميدوزا”، تحكي قصة الإنسان في صراعه مع البحر والزمن. الفينيقيون في اللوحة لا يموتون، بل يُبحرون… وهذا ما يجعل الذاكرة تنتصر.
4. فرانثيسكو غويا و”كوارث الحرب”:
وجه الإنسان حين تنهار الحضارة
رسم غويا وجوهًا مذعورة، وأجسادًا ممزقة. لم يُزيّن الحرب، بل فضحها.
نفنوف لا يفضح حربًا، لكنه يحذر من الإهمال، من فقدان المعنى، من النسيان. كما قال غويا: “النوم يجلب الوحوش”، تقول “حارسة البحر”: “النسيان يقتل الشعوب”.
اللون لغة الزمن والجغرافيا:
اختار نفنوف في لوحته ألوانًا ليست عبثية:
الترابي: للأرض الأولى، للذاكرة الأصلية.
الأخضر المُجرّق: رمز النبات والجبال.
الأزرق والأرجواني: البحر، الحياة، والرغبة في الخلود.
هكذا يصبح اللون زمنًا خامًا، كما استخدم بيكاسو الرمادي، وكما جعل دولاكروا الأحمر علمًا حيًّا.
* خاتمة: الفن كمرآة للشعوب:
في زمنٍ فقدت فيه الشعوب بوصلتها التاريخية، يقف الفن كحارس للهوية.
لوحة “حارسة البحر” لا تقف وحدها، بل تتكئ على جدار طويل من أعمال فنية واجهت العدم، وواجهت الإنكار، واستعادت الإنسان من النسيان.
تمامًا كما قال علي نفنوف:
الفن، بالنسبة لي، هو وسيلة لتقريب هذا التاريخ من الناس، من الجميع، دون تعقيد أو نخبوية.
وهكذا تقول اللوحة أيضًا، بلغة البحر والرمز واللون:
“هذا ما كان… وهذا ما يجب ألّا ننساه.”
https://www.facebook.com/share/p/16LDPVEXvS
*********
المراجع والمصادر:
مواقع إجتماعية- فيس بوك