يا معماري علّيلي باب داري..
كأن صاحب العبارة لا ينادي رجلًا بل يستنجد بالزمن نفسه كي يرفع له قدر البيت ويعيد إليه تلك الهيبة التي كانت للبيوت يوم كانت الأرواح فيها أعلى من السقوف والقلوب أوسع من الجدران.
في قرى ساحلنا السوري الأصيل حيث يمرُّ الهواء من بين أشجار الرمان والزيتون والليمون كان الباب هو لسان الدار. فإذا ارتفع علت معه الحكاية وإذا كان واطىء انخفض معه الحظ. لذلك كانوا يقولون:
“الباب العالي… يرفع سيرة أهله ويقول للريح تعي… وللنور فوتي بلا خوف.”
تخيّل دارًا أوغاريتية قديمة تتكئ على زمنٍ مرَّ فوقها آلاف السنين جدرانها من طينٍ ممزوج بتبن الحصاد بابها من خشب العرعر الذي كان يهب رائحته مع كل شقٍّ صوته الزمن. يقف صاحب الدار في فجرٍ غائم ينادي معماري القرية:
«علّيلي باب داري… خلّي الشمس تشوفنا قبل ما توصل للتراب… خلّي الريح تمرّ من بينا وتقول: هون ناس قامتهن عالية متل بحرهن وجبلن.»
يرفع المعماري الباب قليلًا فيرتفع معه كل شيء:
يرتفع صيت الدار ويرتفع ضحك الأطفال وترتفع راحة النساء اللواتي يفتحن الباب كل صباح كي يسلّمن على النهار.
وكلما ارتفع الباب أحسّ أهل البيت أن الدنيا اتسعت خطوة وأن البركة صارت أقرب وأن القصص التي ستُقال عنهم غدًا ستُروى بصوت أعلى.
فهذه العبارة ليست مجرد طلب بناء بل دعوة لرفع المقام التهوية الروح ولجعل الدار تقف بشموخٍ في وجه السنين كما كانت بيوت أوغاريت تقف أمام العاصفة لا تنحني إلا لترفع من بعدها ارتفاعًا جديدًا.
عاشق اوغاريت.. غسان القيم..


