صفون… جبلٌ ينهض من الذاكرة.. سيرة الأسطورة التي صنعت وجه المطر..
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
عندما يقف المرء على تخوم التاريخ ويُلقي بنظره نحو الأفق حيث يتربّع جبل الأقرع صفون.. يشعر وكأنه يشاهد الزمن وهو يستعيد أنفاسه. هذا الجبل السوري الشاهق الذي ظلّ منذ آلاف السنين حارسًا للبحر ومدينة أوغاريت..
جبل صفّون لم يكن مجرد كتلة حجرية تعلو عن اليابسة بل كان مسرحًا للميثولوجيا وعرشًا للآلهة وذاكرةً نُقشت عليها أقدم الحكايات التي روتها حضارات المتوسط.
قبل أكثر من أربعة آلاف عام غبرت ..كان جبل صفون يدخل في الحدود الطبيعية لمملكة أوغاريت تلك المملكة السورية العظيمة التي شقّت لنفسها طريقًا بين الحضارة والتجارة والكتابة ومن هناك من بين صخور الجبل العتيق كانت الآلهة الأوغاريتية تُطلّ على البشر وتُعلِّمهم معنى الفصول وتقصّ عليهم بمجازاتها حكاية الحياة والموت والعودة.
في لحظة تأمل يكاد السامع يلتقط همسة قادمة من أعماق الزمن نداءٌ رنان مشحون بالحزن كأنه أنين امرأة مفجوعة تبحث عن ظلّ حبيبها. إنّه أنين الإلهة عَنات رفيقة بعل وأخته التي خلّدتها نصوص أوغاريت المكتشفة في أرشيف القصر الملكي.
تروي ألواح الطين المسطورة بخطّ مسماري أوغاريتي دقيق أن عناة الإلهة الفاتنة المرهوبة خرجت تبكي فقدان أخيها الإله بعل راكب الغيوم إله البرق والمطر والخصب. كان بعل قد سقط في صراع أسطوري مع خصمه “موت” سيد الجدب والموت. وعندما اختفى بعل في العالم السفلي توقفت الأمطار وارتجفت الأراضي وماتت الزروع… ودخل الكون في غيبوبة طويلة.
تصف لنا الألواح الطينية كيف شقّت عناة الأرض والسماء بحثًا عن جسد بعل. وحين وجدته تحرّكت الأسطورة في أجمل مشاهدها:
حملت الإلهة جثمان أخيها بين ذراعيها تسير به على دروبٍ حجرية صاعدة نحو قمة جبل صفون.
هناك فوق السفوح العالية حيث لا يصل إلا صدى الريح دَفنته بيدَيها وغسلت جسده بالدموع ونحتت مرثيتها في الفضاء.
كان الجبل منذ ذلك اليوم مقبرةً مقدسة، وموضعًا جليلًا ترتفع فيه الأرواح، لا نُقطة نهاية بل بداية لرحلة جديدة.
لكن الأسطورة لا تكتمل إلا بعودتها للحياة.
فعندما يشتد الخريف وتتعطر الرياح برائحة المطر الأولى تقول النصوص إن الإله بعل يُبعث من جديد. ينهض من غفوته الكونية، ويعود إلى قمة جبل صفون ليجلس على عرش سلطانه الأخضر.
تلمع عيناه ويُطلق بروقه ورعوده من عليائه، فيسمع الناس وعدًا أبديًا:
ها هو المطر قادم… ها هي دورة الحياة تبدأ من جديد.
كانت هذه العودة رمزًا كونيًا لاستمرار الفصول وتجدّد الطبيعة وإصرار الحياة على الحياة. وهكذا صار جبل صفون في المخيال الأوغاريتي بوابة الخصب ومرصد السماء.
حين تقف اليوم على سفوح هذا الجبل تشعر بأن الصخور ما تزال تحمل نبض تلك الأسطورة. كأنّ هناك همسة خفيّة كأنّ الريح تحفظ بقايا بكاء عناة وكأنّ البرق الذي يشق السماء من حين إلى آخر ما هو إلا تذكير بأن الإله بعل لم يغادر المكان.
صفون ليس مجرد جبل بل وثيقة تاريخ ودفتر أساطير وعينٌ تطلّ على حضارةٍ صنعت الكثير من وجدان الشرق القديم.
صفون ذاكرة لا تموت
سرد تاريخي
“””””””””””””””””
عاشق اوغاريت.. غسان القيم..
******
المصادر:
– الجريدة – «عكاظ»
الرياض – العربية نت
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مواقع إلكترونية: المجلة- القدس العبي
الجزيرة+ العربية نيوز – فرانس24/ أ ف ب
– اخبار فن التصوير- rafik kehali
– الوسط – الألمانية -اليوم السابع
– دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)
– جائزة هيبا – الإمارات اليوم – القدس العربي
– موقع المستقبل – موقع سينماتوغراف – البيان
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
***&&&***


