حين ينهض ( عيد الميلاد..) نورُ المشرق من قلب الشتاء ..موشّى بروح تراث مشرقنا القديم بذاكرةٍ أقدم من الزمن المكتوب- مشاركة:د. غسان القيم.

عيد الميلاد.. حين ينهض نورُ المشرق من قلب الشتاء..

موشّى بروح تراث مشرقنا القديم  امتدادًا لذاكرةٍ أقدم من الزمن المكتوب:

“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

في مشرقنا القديم لم يكن الشتاء فصل موت.

بل مخاضًا للنور.

حين كانت الشمس تضعف في أواخر كانون كان الإنسان المشرقي يوقن أن الضوء لا يموت بل يستعدّ للولادة.

هنا على هذه الأرض التي تعلّمت فيها البشرية الزراعة والكتابة والعبادة.

كان الناس يرفعون أبصارهم نحو السماء.

ينتظرون عودة النور.

ويحتفلون بانتصاره القادم على الظلمة.

في أوغاريت. وبابل. وكنعان. ومصر.

كان إله النور والعدل والحق هو الوعد الأكبر.

بعل. شمش. مردوخ. رع.

أسماء مختلفة.

لكن المعنى واحد:

الحياة أقوى من الفناء.

في هذه الأيام كانت تُقام الطقوس.

وتُشعل النيران.

وتُزيَّن البيوت.

وتُقدَّم القرابين.

احتفالًا بدورة الزمن.

وبعودة الشمس من موتها الرمزي.

لم يكن الميلاد فكرة سماوية فحسب.

بل حاجة إنسانية عميقة.

كان الإنسان المشرقي يؤمن أن النظام الكوني يُعاد ترميمه كل عام.

وأن العدالة تولد من جديد.

وأن الفوضى تُهزم ولو مؤقتًا.

وحين جاء الميلاد المجيد.

جاء متناغمًا مع هذا الإرث العريق.

لا قاطعًا له.

جاء طفل النور امتدادًا لحلمٍ قديم

صورةً إنسانية للخلاص الذي طال انتظاره.

منذ القرن الرابع الميلادي أصبح عيد الميلاد عيدًا للمدينة والناس.

تتوقف فيه الحروب كما كانت تتوقف في الأعياد الكبرى القديمة.

وتغلق الأسواق كما كانت تُغلق في أيام المقدّس.

وتُرفع القيود عن الكلمة.

كما كان يحدث في أعياد الانقلاب الشتوي.

وفي تلك الأيام  تختفي الفروقات الاجتماعية.

كما اختفت قديمًا في أعياد الخصوبة والنور.

كان الجميع يخرجون إلى الشوارع في احتفالٍ جماعي.

كرنفال يشبه طقوس المشرق الأولى:

الأقنعة تبديل الأدوار كسر الرتابة.

ليتذكّر الإنسان أنه إنسان… قبل أن يكون سيدًا أو عبدًا.

أما سنتاكلوس  ذاك الشيخ القادم من ليل الشتاء.

فهو ظلٌّ بعيد لكهنة النور القدامى.

وحَمَلة الهدايا في الأعياد الشمسية.

أولئك الذين كانوا يوزعون الطعام والبركة

احتفالًا بولادة الضوء.

لم يُعرَف له بدء.

لأن الفكرة أقدم من الأسماء.

إنه انتظار الفرح.

وانتظار العدل.

وانتظار صباحٍ أقلّ قسوة.

هكذا يصبح عيد الميلاد في مشرقنا

ليس ذكرى دينية فقط.

بل ذاكرة حضارية عميقة.

تقول لنا إن هذا الشرق 

رغم الحروب والبرد والظلام.

ما زال يعرف طريقه إلى النور.

فكل ميلادٍ جديد

هو وعد قديم يتجدّد.

وكل شجرة مضاءة

هي صدى لنارٍ أوقدها إنسان مشرقي

قبل آلاف السنين

ليقول للظلمة:

لن تنتصري.

د.غسان القيم

**********

أخر المقالات

منكم وإليكم