“موال الشجن”… فكرة أمام البناية 34
أيمن الحكيم
في تلك اللحظة الحزينة من ذلك الصباح الشتوي الماطر، وأنا أقف أمام البناية رقم 34 بشارع بهجت علي في حي الزمالك الراقي، وُلدت فكرة كتابي عن بليغ حمدي. لم تكن فكرة، بل وعداً قطعته للرجل الذي استدعاني يومها لأشهد على ما أسماه الاغتيال الثاني المتعمد لبليغ حمدي. الرجل هو المطرب الشعبي المرموق محمد رشدي الذي ارتبط مع بليغ بتجربة غنائية وعلاقة إنسانية فريدة، وكان رشدي هو بوابتي إلى عالم بليغ الساحر.
في ذلك اليوم اصطحبني رشدي إلى البناية التي يحتل مكتب بليغ طابقها الأول. المكتب الذي طالما جلس فيه مع صاحبه وعاش لحظة ميلاد أعذب ألحانه، ولما رحل بليغ أقام صاحب الشقة دعوى قضائية لاستردادها لأن مستأجرها ليس له وريث، وفي اليوم الذي كسب فيه الدعوى اقتحم الشقة وألقى كل متعلقات بليغ أمام بابها. والآن أنا مع محمد رشدي لنجمع تلك المتعلقات. لم يحتمل الرجل العملاق المشهد فسالت دموعه وهو يوجه لي تلك الكلمة الموجعة: تعال نلم بليغ من على الأرض!
“يحتوي الكتاب على أوراق بخط بليغ وتسجيلات بصوته تحكي سيرته”
على الأرض، كان هناك عود بليغ والنوتات الموسيقية بخطه لأشهر ألحانه، بالإضافة إلى كتبه وأوراقه وملابسه، وكان علينا أن “نلمّ” بليغ من على الأرض ونضعه في “كراتين” حملناها إلى شارع رأفت في حي شبرا حيث بيت عائلة بليغ. وبعد أن جفت دموعه، قال لي رشدي: مصر لم تعرف قيمة بليغ ولم تدرك ما قدم.. بليغ يحتاج إلى إعادة اكتشاف.. وإلى رد اعتبار.. يحتاج إلى من يكتب عنه بحب!
وكأنه كان يختارني لتلك المهمة.. ولم أملك سوى أن أعطيه وعداً قاطعاً! ومن حينها وأنا أوفي الوعد الذي قطعته لمحمد رشدي. وبعد ست سنوات قضيتها في جمع سيرة وأوراق وألحان بليغ حمدي، صدرت الطبعة الأولى من كتابي عن بليغ في عام 2000 (عن دار ميريت)، ونفدت طبعات الكتاب.
وبتوالي السنوات، تراكمت عندي حكايات وأوراق وشهادات اقتضت صدور طبعة جديدة مؤخراً، كان أهم ما يميزها ذلك الفصل الخاص الذي يحمل أوراق الملف القضائي لما اشتهر باسم قضية سميرة مليان، نسبة إلى الفتاة المغربية التي انتحرت من شقة بليغ في عام 1984 وتسببت له في مأساة كان عليه أن يدفع ثمنها غالياً.. حياً وميتاً.
ابن النيل في منفاه
يحتوي الكتاب على أوراق بخط بليغ وتسجيلات بصوته تحكي سيرته، وشهادات لرفاق رحلته: الأبنودي ورشدي ووردة وعفاف راضي ووجدي الحكيم، وشقيقه مرسي سعد الدين وابن شقيقه هيثم حمدي الذي تربى في بيت بليغ كابن. بالإضافة إلى فصل يحتوي على تفاصيل السنوات التي قضاها في المنفى بباريس هارباً من حكم بالسجن في القضية التي دمرت حياته وعطلت تدفقه الإبداعي.. ويختتم الكتاب بقائمة لألحان بليغ التي تزيد على 1500 لحن.
ورغم سعادتي بالكتاب “موال الشجن.. سيرة وأوراق وألحان بليغ حمدي”، بقدر دهشتي أنه الكتاب الوحيد الذي صدر عن هذا الموسيقار الكبير طيلة 25 عاماً من رحيله؛ فحياة بليغ الفنية والإنسانية تحتمل كتباً ودراسات، وتحتمل إبداعاً يليق بما قدمه. وقريباً ستنفتح ستارة مسرح البالون عن أوبريت كبير عن بليغ وسيرته، تشرّفت بكتابته. يجسد المطرب محمد الحلو شخصيته، ويخرجه د. عادل عبده.. أوبريت أتمنى أن يليق بصاحب “سيرة الحب”
***&&&***
نبذة باستخدام الذكاء الاصطناعي:
بليغ حمدي (1931-1993)، “ملك الموسيقى” و”سيد درويش العصر”، هو ملحن مصري عبقري أثرى المكتبة الموسيقية بأكثر من 2000 لحن، تميزت أعماله بالتنوع بين الشعبية والرومانسية، وجمعته تعاونات تاريخية مع كبار المطربين (أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، وردة، فايزة أحمد، نجاة، شادية) والمطربين العرب، ووضع موسيقى لأعمال سينمائية (إحنا بتوع الأتوبيس) ومسلسلات (أوراق الورد)، وترك بصمة لا تُمحى بألحان مثل “حب إيه” و”سيرة الحب” و”على حسب وداد قلبي” و”بودعك”.
سيرة ذاتية
• ميلاده وتعليمه: وُلد في القاهرة عام 1931، أتقن العود في التاسعة، ودرس الموسيقى بمعهد فؤاد الأول (المعهد العالي للموسيقى العربية).
• بداياته: بدأ مغنيًا بالإذاعة، ثم اتجه للتلحين، وكانت أولى ألحانه لـ فايدة كامل (ليه لأ؟)، ثم عبد الحليم حافظ (“تخونوه”).
• أهم تعاوناته: لحن لأم كلثوم (حب إيه، بعيد عنك)، وعبد الحليم حافظ (سواح، على حسب وداد قلبي)، ووردة (العيون السود، بودعك)، وفايزة أحمد، شادية، ميادة الحناوي، محمد رشدي.
• ألقابه: “ملك الموسيقى”، “سيد درويش العصر”، و”ابن النيل” (تحت اسم مستعار).
• وفاته: توفي في باريس عام 1993 عن عمر 62 عامًا بعد صراع مع المرض.
الأوراق والألحان البارزة
• مع أم كلثوم: “حب إيه”، “سيرة الحب”، “بعيد عنك”، “فات الميعاد”.
• مع عبد الحليم حافظ: “تخونوه”، “سواح”، “على حسب وداد قلبي”، “خايف مرة أحب”.
• مع وردة: “العيون السود” (من مسلسل أوراق الورد)، “ليالينا”، “بودعك” (الأغنية الأخيرة).
• مع محمد رشدي: “طاير يا هوا”.
• مع الشيخ سيد النقشبندي: “مولاي” (بأمر رئاسي).
• أغاني أطفال: “أنا عندي بغبغان” (مع وردة).
• أعمال سينمائية: موسيقى تصويرية لـ “إحنا بتوع الأتوبيس”، “شيء من الخوف”.
أسلوبه الموسيقي
• التنوع: لحن كل الألوان (رومانسية، شعبية، وطنية، دينية).
• “السهل الممتنع”: لحن قريب من الناس، يعزف على مشاعر الحزن والفرح، وترك مدرسة لحنية فريدة.
***
المصادر:
– العربي الجديد
– موقع البيان
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير الإلكترونية.
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
********


