بالدهشة علي بهاء معلا.النحات الذي كتب التاريخ بإزميله.- بقلم: علي نفنوف

بالدهشة علي بهاء معلا

الفنان علي بهاء معلا النحات الذي كتب التاريخ بإزميل من دهشة

بقلم الفنان والشاعر: علي نفنوف

 By rafik kehali

في حضن البحر وعلى ضفاف ذاكرة تفيض بالأساطير نشأ فنان لم يشبه سواه

نحات لا يكتفي بالحجر ولا يقيم في مدرسة واحدة بل يشق طرقه كما يشق الإزميل الصخر.

إنه الفنان السوري الفينيقي علي بهاء معلا الذي حمل أدواته لا ليصنع منحوتات صامتة

بل ليقيم حوارا بين المادة والفكرة بين الكتلة والفراغ وبين الزمن والخلود.

* علي بهاء معلا:

فنان ونحات تشكيلي سوري من محافظة طرطوس، من مواليد عام 1960م،

عُرف بأسلوبه الفريد الذي يمزج بين الجمال والفكر، ويمنح للكتلة النحتية طابعاً إنسانياً وتاريخياً معاصراً.

أنجز أكثر من 150 عملاً نحتياً متنوعاً، مستخدماً خامات مثل خشب الزيتون والرخام والمعدن،

واشتُهر بمشاريعه التي توثّق الذاكرة الحضارية السورية، كالسفن الفينيقية وتماثيل رمزية للمرأة والتاريخ.

أقام الفنان العديد من المعارض الفردية والمهرجانات الثقافية، كما شارك في فعاليات فنية محلية ودولية،

منها مهرجان “انترادوس” في طرطوس، وملتقى للنحت، وملتقيات أخرى داخل وخارج سوريا.

نال خلال مسيرته عدة تكريمات رسمية تقديراً لإبداعه الفني ودوره في توثيق الذاكرة البصرية السورية،

من بينها تكريمه في مهرجانات فنية مخصصة لدعم أسر فقيرة،

بالإضافة إلى إشادات نقدية من فنانين ومثقفين اعتبروا أعماله نموذجاً للإيقاع البصري والتوازن التشكيلي العميق.

أنا علي نفنوف فنان تشكيلي وكاتب وصديق لهذا المجنون الجميل لا أكتب عنه بعيون ناقد خارجي بل بعيون من كان يراقب، يتأمل، ويتعلم في صمت خاشع.

النحت على الحجر حين يصير الألم شامخا:

لنبدأ من الصخر من مادة التحدي الأولى حين واجه علي بهاء معلا صمت الحجر لم يكن يرغب في تطويعه بل كان يبحث عن الحوار مع قسوته:

في ملتقى النقيب بطرطوس أنجز عملا بارتفاع مترين ونصف لإمرأة سورية مكلومة بأبنائها

لكنها واقفة ظهرها مستقيم رأسها مرفوع نحو السماء تتضرع تناجي لكنها لا تنكسر.

كان هذا التمثال علامة تعجب شاهقة:

هل هو من صنع البشر
أم من رحم أنجبته

كنا نظنه عبثا لكن حين اكتمل أدركنا أن العبث كان فينا نحن

هذا العمل المنحوت على حجر إيطالي لا يقتصر على تمثيل حزن ما بل يجسد تاريخا وحضارة وكرامة.

وقد كانت منحوتات أخرى تملأ شوارع طرطوس ومدخل جديدة البحر تتكلم عن إنسان هذه الأرض دون أن تنطق بكلمة واحدة.

الخشب موسيقى الذاكرة:

من الحجر إلى الخشب اختار الفنان علي معلا شجرة الزيتون لا عبثا بل لأنها مباركة ومقدسة عند السوريين ولأنها تمتد في الجذور

كما يمتد هو في المعنى
كان لا ينحتها فقط بل يعزف عليها.

لم يكن نحاتا فحسب بل عازفا صامتا يحمل إزميلا كما يحمل المايسترو عصاه
كان الخشب عنده حكاية وكان الخشب ينطق عندما تلمسه يداه،

كتب عن الفقر والقهر، كتب عن الموسيقى ومقامات العزف، كتب عن مسيرة الضوء.

وكان يستفيد من عرق الزيتون وخطوطه فيرغمها أن تسير كما يشاء هو لا كما تشاء هي:

*سألته مرة هل تذهب إلى المنحوتة أم هي التي تأتي إليك
فقال:

مرات أذهب إليها فتأخذني كما تشاء،
ومرات تأتي إلي فأمضي بها حيث أشاء.

تلك العلاقة لم تكن بين صانع ومادة بل بين فكر وفكر
بين روح تحاور أخرى،
بين كائنين يشتركان في خلق شيء لا يموت.

آلة القانون حين تصبح التحفة صوتا:

ثم جاء القانون الآلة التي نعرفها كرمز موسيقي عربي لكن علي بهاء معلا رأى فيها ما هو أوسع من النغم،

رآها ككائن بصري كنصب موسيقي لا تعزف فحسب بل تقرأ وتتأمل

طورها وشكلها وجعلها تنتمي إلى الفن أكثر من كونها أداة

وأنا كصديق كنت أزورها في مرسمه لا لأعزف بل لأقف أمامها كأنني في متحف
أتأمل منحوتة تنبض بالصوت حتى وهي صامتة.

العود وتر الروح:

ومن القانون إلى العود، لم يكن عودا رنانا فقط،كان عودا خالدا من خشب الورد والجوز والأبانوس.

كانه يعزف على ذاكرة المنطقة،وكان لا يصنع العود ليعزف عليه،
بل ليحب ليحتفى به ليصير حكاية.

وفي لحظة لا تنسى زارني في بيتي:

رأى طفلتي الصغيرة تنظر إليه بعينين فيهما فضول الموهبة
فأهداها كمانه الشخصي،

ضبط أوتاره على اسمها وقال لها بلغة العطاء هذه لك ابدئي من هنا.

فصارت هي عاشقة للكمان، وحاملة لقطعة من قلبه من فنه من إنسانيته.

السفن الفينيقية الذاكرة العائمة:

لم يكتف بالحجر والخشب،بل أراد أن يوثق البحر أيضا،

هذا البحر الذي غمره الملح وتجاهله التاريخ،أراد أن يكتبه بلغة النحت،فأعاد صنع السفن الفينيقية،

لم يصطد لها صورا من شط مهجور،بل غاص إلى أعماق الذاكرة،

اكتشف حطامها خططها صورها،وأعاد تشكيلها كأنها خرجت الآن من قلب التاريخ،

وأنا كإعلامي وفينيقي أعلم أن ما فعله علي معلا

في هذا المجال
ليس عملا توثيقيا فقط بل عملا إحيائيا أعاد للبحر صوته المفقود.

النحت على الجلد في الإمارات:

وفي مرحلة ما انتقل إلى الإمارات وهناك أدهشني بما لم أتوقعه أبدا ، لم ينحت الحجر ولا الخشب بل بدأ بالنحت على الجلد.

النحت على الجلد إبتكار خاص به:

هذه الخامة الغريبة التي لم أر أحدا يعاملها كأنها صفحة للفن
صنع منها وجوها وأقنعة،

ملامح لشخصيات بارزة في تاريخ الإمارات الثقافي والقيادي والإنساني.

أنجز عددا هائلا من الوجوه
كلها تحمل ملامح من الحياة والعمق والتاريخ،

رأيت في عمله هنا بصمة لا تتكرر لم أرها عند فنان سواه

سيد الفراغات:

وفي كل هذه التجارب
ثمة ملاحظة لا تغيب عني
علي بهاء معلا لا يحب العمل المغلق.

هو فنان يكره أن تحبس الفكرة داخل الكتلة
كان بارعا في خلق الفراغات

الفتحات الالتواءات الدوامات التي تجعلك تدور وتدور
ثم تعود إلى النقطة الأولى لا كما خرجت بل محملا بأسئلة لا تنتهي

لم أر نحاتا قبله يجعل من الفراغ جزءا من الحكاية بهذا الشكل

هو اختص هذه الرؤية لنفسه
وأنا اختصصت بالنظر إليها
وتساءلت بدهشة لا تخفى

ماذا تراك فاعلا بعد الآن أيها الفنان لقد تجاوزت الكتلة
وصرت أنت بحد ذاتك سؤالا مفتوحا في فضاء النحت.

*خاتمة يد الله على الأرض:

وأخيرا ختامها كما يقول العرب
مسك وسيرة عاطرة لفنان سوري فينيقي نزق مجنون رائع ذو فلسفة خاصة.

كان علي بهاء معلا يضرب خد الحجر ليقول من دمعته قصيدة
يكتب الشعر على الصخر
ويعزف الموسيقى على الخشب
ويحكي الحكاية على القانون
ويقُص القصة على العود
ويغازل الجلد كأنه يخرج الحكاية من مسام البشر

كأنه خرج من جلد الأرض نفسه ليقول لنا
انظروا..يد الله على الأرض…هي يد الفنان علي بهاء معلا..

بقلم : علي نفنوف

وندلف للقول أخيرا بأن الفنان  السوري المبدع :

بالدهشة علي بهاء معلا.النحات الذي كتب التاريخ بإزميله.- بقلم: علي نفنوف

*******************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

أخبار فن التصوير

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً