المهندس:حسن داود.قيدوم الثقافة البصرية المصرية في (التشكيل.التصوير.العمارة) – بقلم: فريد ظفور.

حسن داود: سيرة هندسية للضوء واللون

في البدء كانت الكلمة..

صديقي الفنان حسن داود:
صديق ذكي ،مروض الفنون،السمعية والبصرية ،ارق من النسيم،غريب الأطوار حاد الطبع ، مُرْهَفُ الحس ، عصبي المزاج ، قويُّ الشَّكيمة ، وعلى جانب عظيم  وعال من العلم والثقافة والإطلاع، وطيب السريرة ، إذا صادفته ، قلت : إنه الليث المستفز من الجوع أو الغضب ، وإذا لقيته راضيا، قلت : إنّه الحَمَلُ الوديع في مروج المحبة والروض الغناء،فهو لايساوم ولا يجامل، ولا يجادل..فسؤاله جواب وجوابه سؤال..يولد الفكرة منك كما سقراط الحكيم..يأخذك إلى نبع الماء ويعيدك عطشان بذكاء وعبقرية نادرة.يأخذ مايريد ويتركك في بحر من التساؤولات.
  .. وأنت لا تدري كيف يسحرك بدماثة خلقه ولباقته وفصاحة لسانة،فلا يغضبك ولا يجعلك تثورُ..لان له مغناطيسية وجاذبية إنسانية خاصة، ومتى يرضى ويطمئن إليك..يجعلك صديق دربه ومخزن اسراره وإنه كذلك تراه يعيش ، وله حشد كبير من الزملاء الفنانين والفنانات التشكيليين والفوتوغرافيين والمعمارين ولفيف لابأس به من الوسط الثقافي في مصر وخارجها..فهو رفيق تقي ورع يحب الخير للجميع .وقنوع لما له في الدنيا …على مبدأ: (أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا وإعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا).

فهو يكره الرياء والكذب والتصنع  والتملق والتزلف والمداهنة والمجاملة ، والتبرج والنفاق والثرثرة والنَّميمةَ والإغتياب والغرور ، وحب الظهور ، يكرهها جميعا ، لأنها تؤذيه في عينيه ،و أذنيه ،و أنفه ، يُحس بروائحها الكريهة ، ويشمها كما يشم روائحها النتنة والعفنة ، كما يتخيل ويُحسّ أنَّ لها أشواكاً تخزه في كل جزء من أجزاء جسمه وجِلْدِه .
* يحب ركوب المخاطر وإدمان السهر الجاد،وإصطحاب السفر والترحال وكثرة التجواب في المعارض والمتاحف والابنية المعمارية الاثرية،فهو يكثر التامل والنظر والنقد.وإعمال الحوار والفكر، عاشق اللون الاحادي،بديع بتوظيف الإضاءة،قناص اللحظة الجميلة في توثيق كبار الفنانين والادباء.
إِنَّهُ يتعشق البساطة والتواضع،ويحب الصدق عاريا من البهرجة والزخرفة،ويريد اصدقاؤه سافرين،دون حجاب او قناع،يريدهم وقلوبهم في اكفهم..وأياديهم نظيفة.

مقدمة:

في حيّز لا نهائي بين الخط والفراغ، بين دقّة المهندس وحرية الفنان، تُولد الرؤية. هنا، عند نقطة الالتقاء الفريدة بين العقل التحليلي للعمارة والروح الحالمة للفن، يقف حسن داود – ليس مجرد فنان، بل ظاهرة إبداعية متعددة الأوجه. إنه المهندس المعماري الذي يبني عوالمًا على قماش اللوحة، والمصور الضوئي الذي يمسك بجوهر اللحظة بإحساس تشكيلي عميق، والفنان التشكيلي الذي يسبك الموروث البصري بروح العصر.

داود هو ابن القاهرة العريقة، المدينة التي تنام على تاريخ من الفنون وتستيقظ على همس الحداثة. حاملاً شهادة بكالوريوس العمارة منذ 1983، لم يكتفِ بتشييد الجدران، بل انطلق ليشيد عمارة بصرية خاصة في ذهن المتلقي. مسيرته، التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، هي رحلة استكشاف مستمرة للعلاقة الجدلية بين الشكل والوظيفة، بين الواقع والتخييل، بين الذات والمكان. فهو لا يلتقط الصور فحسب، بل يحفر في طبقاتها النفسية والجمالية؛ ولا يرسم المشاهد فقط، بل يخططها كما يخطط لفراغ معماري، حريصًا على التوازن والإيقاع والضوء.

في هذا الملف الفني، نتتبع مسار فنان حوّل خلفيته الهندسية إلى قاموس بصري غني، وجعل من غاليريه الخاص في حي الدبلوماسيين بالمقطم منصة حوار فني، وارتقى بأعماله لتمثّل مصر في أبرز المحافل الدولية، حاصدًا جوائز مرموقة من وارسو إلى دلهي. حسن داود: حكاية إبداع لا تُختزل في تقنية، بل تُقرأ كسيرة للجمال المصرّف بإتقان.

الجذور التأسيسية: هندسة الروح..

لم يكن تخرّج حسن داود مهندسًا معماريًا عام 1983 مجرد محطة أكاديمية، بل كان ولادةً لرؤية فنية فريدة. العمارة، بوصفها فن تنظيم الفراغ والكتلة والضوء، منحته أدواته الأولى: إحساسًا دقيقًا بالتناسب، وعينًا مدربة على تقطيع المشهد إلى عناصره الأساسية، وفهمًا عميقًا للعلاقة بين الإنسان والمكان. هذه المهارات لم تبقَ حبيسة المخططات الإنشائية، بل هاجرت بسلاسة إلى عالمه البصري، لتصبح اللغة السرية التي يتحدث بها في لوحاته وصوره الفوتوغرافية.

في أعماله التشكيلية، يظهر حس الهندسة جليًا في ترتيب العناصر، وتوازن الكتل اللونية، وتأطير الفراغات لتحمل دلالات نفسية. أما في التصوير الضوئي، فتبدو عين المهندس في اختياره للزوايا، وبناء التكوين، ولعبه بالخطوط والأشكال الهندسية الكامنة في البيئة الحضرية أو الوجوه الإنسانية. إنه لا يسجّل الواقع، بل يعيد هندسته وفق رؤيته الجمالية.

المحترف المتعدد: بين التشكيل والعدسة..

الفنان التشكيلي:

يمثل المشروع التشكيلي لحسن داود امتدادًا طبيعيًا لفكره المعماري، لكنه امتداد محرر من قيود الوظيفة والمواد. عبر الرسم والتلوين، يستكشف عوالم داخلية وفلسفية، غالبًا ما تعكس تأملاً في الهوية والذاكرة والوجود. أسلوبه، رغم جذوره الأكاديمية، لا يخشى التجريب، مازجًا بين التقنيات الكلاسيكية ولمسات معاصرة، في حوار خلاق بين الأصالة والحداثة.

المصور الضوئي المحترف:

هنا يبرز داود بقوة كأحد أبرز الأصوات في التصوير الفوتوغرافي المصري المعاصر. عدسته لا تبحث عن اللحظة العرضية، بل عن اللحظة الحاملة للقصّة والمشاعر. سواء كان موضوعه شخوصًا في محيطهم اليومي، أو تفاصيل معمارية، أو مشاهد طبيعية، فإنه يعالجها بعين فنان تشكيلي. الضوء عنده ليس مجرد عنصر إضاءة، بل هو شخصية رئيسية في العمل، يُحاك به ليكشف عن المكنون ويلوّن المزاج. إنه يصوّر الروح الكامنة خلف الأشياء.

الغاليري: منصة حوار ومشروع ثقافي..

لا يقتصر دور داود على الإنتاج الفردي، بل يمتد إلى التأسيس لمساحة حوار جماعي. فغاليريه الفني الخاص في القاهرة ليس مجرد مكان لعرض أعماله، بل تحول إلى منصة ثقافية ناشطة. هذا الفضاء، الذي يديره بفكر هندسي وفني معًا، يستضيف معارض لفنانين آخرين، وينظم فعاليات وورش عمل، ساعيًا لخلق حوار بين المبدعين والجمهور، وتعزيز التلقي النقدي للفن. إنه امتداد لرؤيته التي تؤمن بأن الفن ظاهرة مجتمعية وحوار مستمر.

الرؤية الفنية: نحو وعي بصري جديد..

يمكن تلخيص رؤية حسن داود الفنية في سعيه الدؤوب لخلق وعي بصري متطور. من خلال دمج الحرفية العالية في التصوير والتشكيل مع العمق الفكري، يسعى لتحدي الإدراك البصري التقليدي لدى المشاهد. أعماله تدعو للتأمل، لا للمشاهدة العابرة. وهي غالبًا ما تتناول قضايا إنسانية واجتماعية، وتستكشف الهوية المصرية في عصر العولمة، من دون أن تقع في فخ التسطيح أو الخطابية المباشرة. الفن عنده وسيلة لفهم العالم وتعقيداته، وليس مجرد زينة.

مسار عالمي: معارض وجوائز..

تُظهر سجل معارض داود تنوعًا جغرافيًا وثقافيًا لافتًا، يؤكد حضوره كفنان عالمي المنزع:

· انطلاق محلي وإقليمي: بدأ من القاهرة (أتيلية القاهرة، المركز الثقافي الروسي) ثم امتد إلى المملكة العربية السعودية (الرياض، جدة) مرورًا بأبوظبي وبغداد.

· انتشار دولي: شارك في محافل عالمية مرموقة مثل المؤتمر العالمي للفنون التشكيلية في براغ (2008)، ومعارض في كولن الألمانية (2010، 2017)، وحصل على تكريمات في قارات متباعدة.

· جوائز محورية: توج مسيرته بجائزتين دوليتين رفيعتين:

  · جائزة صالون التصوير في دلهي بالهند (2013).

  · الجائزة الأولى في مسابقة التصوير المفاهيمي بمتحف وارسو الوطني في بولندا (2015) – وهي جائزة تثبت قدرته على نقل الفكرة المجردة إلى صورة قوية، وترسخ مكانته في فن التصوير المفاهيمي العالمي.

· تكريم مهني: بلغت ثقة الوسط الفني المصري فيه ذروتها بدعوته ليكون عضو لجنة تحكيم في المعرض العام بالقاهرة (2021)، وهو موقع يشهد على احترامه كحكيم وخبير.

مدخل لابد منه..

في عالم الفن البصري، حيث تلتقي الرؤى والتقنيات لتخلق لغةً كونيةً تفوق حدود الكلمات، تبرز مسيرة الفنان حسن داود كتجربة غنية تستحق القراءة والتأمل. يمثل داود نموذجاً متميزاً للفنان الذي يؤسس رؤيته الجمالية على خلفية أكاديمية صلبة في العمارة (بكالوريوس 1983)، ليتحوّل منها إلى فنان بصري شامل، يجمع بين دقة التصوير التشكيلي وحدّة عدسة التصوير الفوتوغرافي الاحترافي. ليست سيرته مجرد قائمة معارض وجوائز، بل هي خريطة طريق لتطور مشهد فني عربي معاصر، يحفر مساره محلياً وعالمياً بثبات وجدارة.

الجذور والتكوين: من هندسة الفضاء إلى فضاء اللوحة

تخرج حسن داود في مجال العمارة عام 1983، وهو تخصص يمنح خريجه فهماً عميقاً للفراغ والضوء والنسب والتركيب. هذه المبادئ الأساسية تحوّلت إلى أدوات رئيسية في مشروعه الفني اللاحق. ففي لوحاته التشكيلية، يبدو واضحاً حس الهندسة والبناء والتأطير، بينما ينقل في صوره الفوتوغرافية نظرته المعمارية للتفاصيل والإطارات البشرية والحضرية. إنها حالة اندماج خلاق بين التخصص الأكاديمي والممارسة الحرة، حيث لم يهجر الأول بل استخدمه لإغناء الثانية.

مسيرة عطاء: معارض محلية وإقليمية ودولية

شكّلت القاهرة، بعمقها الثقافي، المنصة الأولى لانطلاق داود، حيث شارك في معارض جماعية بمحترف (أتيلية) القاهرة والمركز الثقافي الروسي في منتصف التسعينيات. لكن بصمته سرعان ما تجاوز الحدود، فكانت المملكة العربية السعودية (الرياض، جدة) مسرحاً مهماً لمعارضه الفردية والجماعية منذ 1999، مما يشير إلى حوار فني ثري بين المصرية والخليجية.

لم يتوقف أفق داود عند المنطقة العربية، بل امتد ليصبح فناناً عالمياً بحق. فمن أبوظبي إلى براغ، ومن بغداد إلى كولن الألمانية، وصولاً إلى دلهي ووارسو، نسج شبكة من المشاركات الفاعلة التي قدّم من خلالها رؤيته الفنية للعالم. تُظهر قائمته تنوعاً لافتاً: من المعارض الجماعية في مؤتمرات عالمية إلى معارض فردية في مؤسسات مرموقة كالجامعة الأمريكية بالقاهرة، مما يعكس مرونة فنية وقدرة على الحضور في سياقات ثقافية متنوعة.

تتويج التميز: جوائز عالمية وموقع مهني رفيع

لم تكن المشاركات مجرد حضور، بل كانت تتويجاً بجوائز عالمية معتبرة. ففي 2013، حصل على جائزة صالون التصوير في دلهي بالهند، لتأتي الذروة مع فوزه بالجائزة الأولى في مسابقة التصوير المفاهيمي بمتحف وارسو الوطني في بولندا عام 2015. هذه الجائزة، تحديداً، تضع اسمه ضمن مصاف الفنانين المفاهيميين العالميين، وتمنح فكره البصري بعداً فلسفياً ونقدياً.

وصل التكريم المهني ذروته محلياً عندما تمت دعوته ليكون عضو لجنة تحكيم في المعرض العام بالقاهرة عام 2021، وهي خطوة تشير إلى المكانة الاحترامية التي يحظى بها بين أقرانه، وثقته المؤسسية في حكمه الفني وخبرته الطويلة.


 رحلة  حسن داود الفنية بين العمارة والتصوير  الفوتوغرافي.والتشكيل.

يعد الفنان المصري حسن داود من الأسماء البارزة في المشهد الفني البصري والتكويتي العربي المعاصر، حيث استطاع أن يدمج بين مهاراته المعمارية والفنية الموسيقية والضوىية والتشكيلية ليخلق لغة بصرية فريدة تتناغم فيها الفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي. ولا غرابة على حفيد الخضارة الفرعونية حسن داود ابن  مصر ام الدنيا، الذي حقق شهرة واسعة على مستوى مصر والعالم العربي، وحيث تتراوح أعماله بين التصوير الفوتوغرافي المعاصر والفن التشكيلي، بالإضافة إلى تخصصه في الهندسة المعمارية التي أثرت في طريقة رؤيته للمكان والتفاصيل.

إن مسيرة الداود الفنية لا تقتصر على المعارض الفردية والجماعية التي أداها بنجاح، بل تمتد لتشمل العديد من الجوائز الدولية التي تميزت بها أعماله الفوتوغرافية. فكان له حضور دائم في المعارض الدولية المرموقة، ليشارك في إبراز الفن العربي المعاصر على الساحة العالمية.

*مقدمة لإبن الداود:

في حوارية صامتة بين الخط واللون والضوء، وحيث تلتقي هندسة المكان بشاعريّة اللحظة، يقف الفنان المصري حسن داود كحالة استثنائية في المشهد البصري العربي المعاصر. إنه ليس مجرد فنان تشكيلي أو مصور ضوئي فحسب، بل هو مهندس معماري استطاع أن يترجم قوانين الفراغ والكتلة والنسبة إلى لغة جمالية تحمل في طياتها روح الفلسفة والتأمل الإنساني.

تخرّج داود حاملاً بكالوريوس العمارة عام 1983، محملاً بتلك الرؤية التحليلية للعالم التي تميز المهندس. غير أن عدسته وريشته اختطتا مساراً موازياً، مساراً لا ينفصل عن جذوره بل يتغذى منها. فمن ورشة المهندس التي تحسب كل سنتيمتر، انطلق إلى مرسم الفنان الذي يطلق العنان للخيال، حاملاً معه إدراكاً عميقاً للبنية والتكوين والعلاقة بين الظل والنور. لقد حوّل داود العمارة من مهنة إلى رؤية، ومن تخصص إلى منهج بصري يضبط إيقاع لوحته وصورته الفوتوغرافية على حد سواء.

مسيرته، التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، هي شهادة على أن الإبداع الحقيقي لا يعرف حدوداً مصطنعة بين الفنون. إنه الجسر المتين بين الدقة الرياضية للعمارة ورشاقة التعبير التشكيلي، وبين واقعية العدسة الشعرية للمصور وتجريديّة رؤية الرسام. في أعماله، لا نعرف أين تنتهي هندسة المباني لتبدأ هندسة المشاعر، وأين يتوقف رسم اللوحة ليبدأ رسم الضوء على أسطح الواقع. داود يصوغ عالماً مركباً، هو بمثابة “واجهة معمارية” للنفس البشرية وعلاقتها المعقدة بالزمان والمكان.لانه هو فلسفة للوجود .فالجزء في الكل والكل في الجزء..فتعالوا نقدم لكم رؤية نقدية سريعة..

أولا: التشكيل والتصوير.. ثنائية متلاحمة

لا يمكن فصل المصور الضوئي في حسن داود عن الفنان التشكيلي؛ فهما وجهان لعملة إبداعية واحدة. في مشاريعه الفنية، يندمج الاثنان ليقدما لغة بصرية مركبة. فصوره الفوتوغرافية لا تسجل اللحظة فحسب، بل “ترسمها” من جديد باستخدام الضوء وكأنه فرشاة، وتتعامل مع التفاصيل اليومية – وجوه الناس، شوارع القاهرة، تفاصيل الطبيعة – على أنها عناصر تشكيلية في لوحة أكبر.

أسلوبه الفني يتميز بعمق استكشافي، فهو لا يكتفي بالسطح، بل يحفر في طبقات المشاعر والدلالات. تركيزه الحاد على التفاصيل الدقيقة، ولعبه المتقن بين الإضاءة والظلال، يحوّل المشاهد العادية إلى أساطير بصرية تحمل أسئلة فلسفية عن الوجود والهوية والذاكرة الجمعية. إنه يصوغ “عمارة للمشاعر” تبنى من لقطات ومساحات لونية.

ثانيا: العمارة: الحبل السري للرؤية

لم تكن خلفية داود المعمارية مجرد مؤهل في سيرته الذاتية، بل هي البنية التحتية لفكره البصري. هذه المعرفة تمنح أعماله حساً هندسياً فذاً في التكوين (الكادر)، سواء في اللوحة أو الصورة. نرى اهتماماً واضحاً بالإطارات، وتناغم الكتل، وتوازن العناصر، وتوظيف الخطوط الكنتورية لقيادة عين المتلقي في رحلة داخل العمل الفني. إنها عين المهندس التي ترى الجمال في التناسب والدقة، وتعيد إنتاجهما في سياقات جديدة غير متوقعة.

ثالثا: الغاليري: منصة للحوار وقلب نابض للمشهد

لا يقتصر دور حسن داود على الإبداع الفردي، بل امتد ليكون راعياً ومحفزاً للمشهد الثقافي. فأتيليهه الخاص في حي الدبلوماسيين بالمقطم ليس مجرد مكان لعرض أعماله، بل تحول إلى منصة ثقافية حيوية وملتقى للمبدعين. هذا الفضاء، الذي يديره بروح الفنان والمهندس، يستضيف معارض متنوعة لفنانين مصريين وعرب، ويُنَظِّم فعاليات وورش عمل، محولاً نفسه إلى خلية نحل للإبداع وحوار الأفكار، مما يساهم في تشكيل وتطوير الوعي الجمالي لدى الجمهور والنخبة على حد سواء.

رابعا: بصمة عالمية وجوائز مرموقة

لم تكن رحلة داود محلية فحسب، بل حملت فنه إلى أربعة أركان العالم، مؤكدة على عالمية لغته البصرية. من المعارض الجماعية الأولى في أتيليه القاهرة والمركز الثقافي الروسي في منتصف التسعينيات، إلى العروض الفردية والجماعية في الرياض وجدة وأبوظبي، وصولاً إلى منصات دولية مرموقة في براغ وبغداد وكولن الألمانية.

وتأتي الذروة في التتويج الدولي مع حصوله على جائزتين كبيرتين: جائزة صالون التصوير في دلهي بالهند (2013)، والأهم، الجائزة الأولى في مسابقة التصوير المفاهيمي بمتحف وارسو الوطني في بولندا (2015). هذه الجائزة الأخيرة ليست تكريماً تقنياً فحسب، بل اعترافاً بأعماق فكره المفاهيمي وقدرته على تحويل الفكرة الفلسفية إلى صورة قوية ومؤثرة، مما يضعه في مصاف الفنانين المفاهيميين العالميين.

خامسا: الموقع الاحترافي والتأثير

بلور هذا المسار الطويل من العطاء مكانة رفيعة للفنان، تجسدت في دعوته ليكون عضو لجنة تحكيم في المعرض العام بالقاهرة (2021)، وهي مهمة تختصر ثقة المؤسسة الفنية الرسمية وخبرته التي تراكمت على مدى عقود. يؤكد داود، من خلال هذا التنوع والعمق، على دور الفنان المعاصر كفاعل ثقافي شمولي: يبدع، ينظم، يحكم، ويساهم في صياغة معايير الجمال والنقد في محيطه.

في نهاية هذا المسار الزاخر، يظل القيدوم أو المايسترو: حسن داود نموذجاً ملهماً للفنان-المفكر، الذي رفض أن يحبس نفسه في قفص التخصص الضيق. لقد حول تعددية مهاراته إلى قوة نادرة، جعلت منه مهندساً للجمال، ومصوراً للروح، وتشكيلياً للفكرة.

يقف داود في مرسمه-غاليريه، على تلة المقطم التي تطل على القاهرة، ليس بمعزل عن العالم، بل كحارس لأصالة الرؤية وجسر متين نحو العالمية. سيرته هي إثبات على أن الإبداع الأصيل ينبت من جذور راسخة (الهوية، الحرفة، الانضباط) ولكن بأجنحة تتسع لكل آفاق المعرفة والتجريب. إنه يُرَسِّخ فكرة أن الفنان الحقيقي هو ذلك القادر على تحويل تراكم خبراته – حتى تلك التي تبدو بعيدة مثل الهندسة – إلى طين خصب يُشَكِّل منه عوالم جديدة، تثير الفكر وتلمس القلب، وتخاطب الإنسانية في كل مكان.

وبهذا يحق لنا القول بأن:

الفنان حسن داود هو مثال حي على قدرة الفنان العربي المعاصر في الدمج بين التخصصات المختلفة، والتأكيد على أهمية الفنون البصرية في نقل رسالة ثقافية وحضارية للعالم. من خلال معارضه وجوائزه الدولية، أصبح حسن داود واحدًا من أبرز الفنانين في مشهد الفن المعاصر، وساهم في إبراز الفن المصري والعربي في المحافل الفنية العالمية. إن أعماله تعتبر إرثًا فنيًا يشكل نقطة مرجعية لأولئك الذين يسعون لفهم العلاقة بين الفنون البصرية والهندسة المعمارية وكيفية خلق لغة بصرية جديدة تؤثر في المتلقي وتثيره.وتحرضه على الإبداع.

لماذا فنان المرحلة والجسر الثقافي:

يختصر حسن داود، من خلال مسيرته التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، صورة الفنان العصري المنفتح. فهو الجسر بين التخصص الدقيق والفن الحر، بين المحلي (القاهرة) والعالمي (وارسو، براغ، كولن)، بين التشكيل التقليدي والتصوير الضوئي المعاصر، وأخيراً بين الممارسة الإبداعية والنقد والتحكيم.

يقف داود في مرسمه الخاص بحي الدبلوماسيين في المقطم، ليس بمعزل عن العالم، بل كنقطة وصل نشطة. تمثّل سيرته دعوة لأجيال الفنانين الشباب للجمع بين الجذور الراسخة والأفق الواسع، وللإيمان بأن اللغة البصرية المتمكنة يمكنها أن تتحدث باسم هويتها وأن تصل بصوتها إلى أقصى أركان الخريطة الفنية العالمية. إنه نموذج للإصرار على التميز، يثبت أن الفن رسالة لا تعترف بالحدود، وأن الفنان الحقيقي هو من يصنع لنفسه مساراً فريداً، ضابطاً إيقاع رحلته بين أصالة الفكرة وحداثة الوسيط.

  • رحلة فنية عابرة للتخصصات من عمارة الواقع إلى فضاءات التخييل.

حسن داود هو فنان بصري ومصور فوتوغرافي مصري، بالإضافة إلى كونه مهندسًا معماريًا. يجسد في أعماله الفنية تقاطعًا فريدًا بين الهندسة والفن البصري، حيث تتجسد رؤيته المعمارية في أعماله الفوتوغرافية والتشكيلية. يتمتع حسن بقدرة استثنائية على التقاط التفاصيل الدقيقة للأماكن واللحظات التي تعكس الحياة اليومية بأسلوب فني مميز.

مسيرته الفنية تتميز بالتنوع والابتكار، فقد عمل على دمج تقنيات التصوير الفوتوغرافي المعاصر مع العمارة لخلق تجارب بصرية تُحاكي الإحساس المكاني والزمني. فخلال معارضه الفردية والجماعية، أظهر قدراته الفائقة في استخدام الضوء والظل لخلق صور حية تنقل الانطباعات العميقة عن البيئة والإنسان.

مهندس الجمال وسفير الضوء..

في مسك الختام، تمثل مسيرة حسن داود أكثر من مجرد نجاح فردي؛ إنها نموذج إلهامي للفنان المثقف والعالِم بحرفيته. لقد أثبت أن التخصص في العمارة يمكن أن يكون جذعًا شجرة فنية مثمرة، تفرعت إلى فن تشكيلي حكيم وتصوير ضوئي عميق. هو جسر بين الانضباط الهندسي والتحليق الإبداعي، بين العمق المحلي والحضور العالمي.

داود، من مرسمه في المقطم، لا يزال يرسل رسائله البصرية إلى العالم: رسائل تذكرنا بأن الفن الحقيقي ينبع من رؤية واضحة، وحرفة متقنة، وإنسانية صادقة. إنه فنان بمعنى الكلمة: صانع للجمال، وباني للوعي، ومهندس لعوالم الضوء التي تبقى في الذاكرة طوًلا بعد أن تنتهي من مشاهدتها. في سجله الحافل، وفي بصمته على تلاميذه ومتابعيه، يُكتب اسم حسن داود كفصل مضيء من فصول الفن المصري والعربي المعاصر، فصل يروي قصة الانسجام الخلاق بين العقل والروح، بين القلم والفرشاة والعدسة.

بقلم: فريد ظفور.

12/12/2025

*********

أخر المقالات

منكم وإليكم