في ذلك الحين لم يكن الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو (1867 – 1936) قد وصل بعد إلى تلك السنوات التي توصف بأنها أرذل العمر وتتيح لصاحبها أن يكتب نصاً أدبياً – وهنا بالتحديد نصاً مسرحياً – لا يتوانى فيه كاتبه عن الخوض في تلك المسائل الأخروية التي يكون الموت وما بعده موضوعها وميدانها. لكن صاحب “6 شخصيات تبحث عن مؤلف” والليلة نرتجل” وغيرها من مسرحيات علمت حداثة القرن العشرين، فعل ذلك بل فعله في مزج مدهش بين الحس الفجائعي والبعد الهزلي.
وكان ذلك في مسرحيته غير المعروفة بما يكفي، مقارنة بنصوصه الأخرى، “عند بوابة الخروج” التي كتبها خلال الحرب العالمية الأولى لتقدم في عرضها الأول في العام 1916 في وقت لم يكن كثر من الناس مهتمين بحضور مسرحيات من هذا النوع. من دون أن يفوتنا هنا أن باب الخروج الذي يشير إليه العنوان إنما هو ذاك الذي يفترض الكاتب أنه يأخذ من يسلكون دربه إلى الأبدية.
فهو باب يؤدي إلى المقبرة العامة التي لا بد للموتى من أن يمروا بها قبل الوصول إلى ما يؤول إليه مصيرهم في الآخرة. وعند مدخل المقبرة ذاك حيث تجري مشاهد المسرحية والحوارات التي تدور فيها، يتكون الحوار الرئيسي وعلى الأقل خلال القسم الأول من المسرحية بين شخصين لن نتعرف إليهما إلا من خلال اسم يوصف به كل واحد منهما: الفيلسوف والرجل السمين.
إنما الحياة وهم
ومنذ الحوارات الأولى المتبادلة بين هذين الشخصين ندرك أنهما لم يكونا عارفين بعضهما بعضاً قبل ذلك. كل ما في الأمر أنهما يجتمعان هنا كما تجمع صدفة الموت المتزامن كثراً من أشخاص آخرين يتعارفون في ما بينهم بغية تزجية الوقت، في انتظار حدث معين، وهنا بالتحديد، ريثما تحل نهاية كل واحد منهما الحقيقية، أي انتقاله الحتمي من “المطهر الفاصل بين الحياة والموت”.
وذلك لأن الكائنات التي انتهت حياتها للتو، هي هنا فقط حيث سيدرك كل واحد منها، وكما سنفهم بالتدريج، أن نهايته الحقيقية لن تحل إلا حين يتم التحقق من أن كل ما رغب فيه الواحد منهم في حياته الحقيقية، يجب أن يتحقق بشكل أو بآخر قبل أن تصبح مغادرته الحياة الدنيا موثقة ومتحققة.
نقلاً الاستاذ ابراهيم العريس/ اندبندنت عربية
بتاريخ: 18 ديسمبر 2024


