اللون والرمز وصادق غالب. أربعة عقود من حوارات مع اليمني السعودي.

اللون والرمز وصادق غالب.

صادق غالب: أربعة عقود من حوارات اللون والرمز

د. عصام عسيري

في المشهد التشكيلي العربي، يبرز الفنان اليمني صادق غالب كأحد الأسماء التي استطاعت أن ترسم مسارًا متفردًا، محافظًا على هوية بصرية خاصة، وفي الوقت نفسه منفتحًا على التجريب والتجديد. مقيم في جدة المملكة العربية السعودية منذ سنوات، ويمتلك خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود، جعلت منه شاهدًا وفاعلًا في تحولات الفن العربي من الحداثة للمعاصرة؛ لما تربطه من علاقات وطيدة مع كافة أجيال الفن وحركاته بالسعودية وخارجها.

السيرة والمسار الفني: وُلد صادق غالب في اليمن، حيث تشكّلت ملامح انحيازه المبكر للفن التشكيلي وسط بيئة غنية بالموروث البصري، من الزخارف المعمارية والأسواق الشعبية إلى الفنون التقليدية وحياة الناس والرموز الثقافية. منذ بداياته، أبدى اهتمامًا استثنائيًا بالتشكيل باللون والخط كأدوات للتعبير، قبل أن ينتقل إلى السعودية، التي كانت بمثابة فضاء أرحب للتجريب والانخراط في الحراك التشكيلي النشط.

على مدى أكثر من 40 عامًا، شارك غالب في معارض فردية وجماعية داخل المملكة وخارجها مع جيل الرواد، شملت عواصم كبرى، وترك بصمته في الفعاليات الكبرى، من معارض ومهرجانات الفن التشكيلي. كما حصل على جوائز وتكريمات متعدّدة، تقديرًا لإسهاماته وإبداعاته منها جائزة عكاظ.

الأسلوب الفني واللغة البصرية: ينتمي صادق إلى التجريد التعبيري الروحي، لكنه يمنحه بُعدًا ثقافيًا ورمزيًا، فيمزج بين العفوية والانضباط، وبين تدفق اللون وخطوطه المتحكمة. أعماله ليست مجرد مساحات لونية، كأنها معزوفات سيمفونية أو نصوص بصرية تحمل دلالات عن الهوية، الذاكرة والروح، والتحولات الإنسانية.

تظهر في لوحاته تكوينات هندسية وأشكال عضوية حرة تتجاور مع خطوط قوية وتفاصيل دقيقة، وكأنها حوار بين البنية والانفعال. اللون داخل المساحات المتنوعة عنده ليس تزيينيًا، بل عنصرًا بنيويًا يعكس حالات شعورية؛ فالأحمر يتوهج كطاقة وحيوية، والأزرق يمنح إحساسًا بالعمق والتأمل، بينما الأصفر يشيع دفئًا ورمزية، يستثمر جماليات التناغم في فصاحة الحوار اللوني وبلاغة الخطاب البصري.

تحليل الأعمال: في اللوحات التي يقدمها بشكل مستمر، والتي برع فيها بالكلاسيكية والطبيعية والتأثيرية والتجريدية الروحية، يمكن قراءة نزعة إلى البناء البصري متعدد الطبقات، حيث تتداخل الخامات والألوان والرموز في مشهد واحد. ففي إحدى أعماله، يندمج اللونان الأحمر والأخضر في تفاعل ديناميكي، تتخلله نقاط وخطوط سوداء تفرض حضورًا بصريًا قويًا. وفي أعمال أخرى، تظهر مربعات الشطرنج كإشارات بصرية، ربما ترمز إلى لعبة التوازن بين الصدفة والتخطيط في مسار الحياة.

هناك أيضًا ملمح واضح لتأثير العمارة والموروث البصري العربي الجنوبي وشفافية روح الآنسان في بعض أعماله، وإن جاء هذا التأثير متخفيًا خلف الحضور القوي للزهد والتجريد، كما لو أنه أثر خفيّ من ذاكرة بعيدة يعيد الفنان صياغته بلغة معاصرة.

المكانة الثقافية: لا يقتصر إسهام صادق على إنتاج اللوحات، إنما يمتد إلى دوره كجسر ثقافي بين اليمن والسعودية، وبين التراث العربي والفن المعاصر. تجربته تمثل نموذجًا للفنان الذي يحافظ على صلته بجذوره، وفي الوقت نفسه يتفاعل مع أسئلة العصر وهمومه. له حضور واضح في المعارض في جدة والرياض والملتقيات الفنية سمبوزيوم المدينة ومعرض الباحة الحالي، وعلى مدار سنوات طويلة شارك في تنطيم المعارض وتقديم الدورات التعليمية لأساسيات الرسم والتلوين.

لقد أصبح صادق غالب أحد الأسماء التي يشار إليها عند الحديث عن الهوية البصرية في الفن السعودي واليمني والعربي الحديث، لما يقدمه من أعمال تحمل بعدًا روحيًا وفكريًا وجماليًا، وتفتح أفقًا للتأمل في علاقة الإنسان بمحيطه وتحولاته المستمرة بحوار لوني جميل.

ختامًا: يمثل مشوار صادق غالب رحلة كفاح فنية متواصلة لأربعة عقود، تتسم بالصدق والبحث الدائم، وبقدرة على مزج الحسي بالروحي والمرئي. في عالم سريع التغير، يظل فنه مساحة للتأمل والدهشة، ودعوة إلى قراءة الذات والعالم من خلال حوارات اللون والرمز.

*********

معرض الصور:

**************************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

fotoartbook

elitephotoart

 

اترك تعليقاً