⊙ حكايات من فصط حلب ☆ مرايا حلبية 101
🎭 وسائل التسلية أيام زمان .. خيال الظل وصندوق الفرجة والعجائب 🎭
📢 تنبيه: المنشور طويل، وهو يناسب فقط هواة القراءة واستعادة ذكريات أيام زمان 😉😆
💣🔥💣
🎭 زمان.. قبل اختراع وسائل الترفيه والتسلية مثل السينما والراديو والتلفزيون، كان الناس يمضون أوقات الفراغ في السهر في البيوت أو في المقاهي، حيث يلتقون ويتبادلون الأخبار والحكايات..
🎭 كانت بلاد الشرق بيئة غنية بعدد لا يحصى من الخرافات والأساطير والحكايات الخيالية التي يؤمن بها كثيرون، ويعتقدون أن الحياة يتحكم فيها الجان والقوى الخفية والأرواح الشريرة.. ولهذا فهم مولعون بسماع الحكايات والقصص الخرافية التي يرويها الحكواتية والقصاصون مثل ألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة عبلة، وسيرة سيف بن ذي يزن وكثير من السير الشعبية..
🎭🎠🎭🎭🎠🎭
👿 خيال الظل (كراكوز وعيواظ 👿
🎭 خيال الظل (مسرح العرائس) هو فن شعبي أصله من بلاد الشرق البعيدة (الصين والهند)، واشتهر به العصر المملوكي على وجه الخصوص.. ويعتمد هذا الفن على دمى من الجلود المجففة ذات الألوان المتباينة، تتراوح أطوالها بين ثلاثين وخمسين سنتيمترًا، ويتم تحريكها بعصًا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضّوء، مما يجعل ظلها هو الّذي يبرز للمشاهدين.. ويُعرَفُ محرك الدّمى: باسم: (المخايلي)، أو (محرك الشُّخوص)..
● وخيال الظل عبارة عن شاشة قماشية، وراءها سراج يضيئ الشاشة، ثم تُحرّك وراء الشاشة أشكال لنساء ورجال مصنوعة من الجلد، يتحكّم فيها المخيلاتي بواسطة الخيوط.. ويقوم المخيلاتي بسرد الحكايات والتعليق والغناء، وذلك بالتلاعب بصوته وتغييره من شخصية لأخرى..
وفي أثناء التمثيل يُلقي محرّك الأشكال حواراً، مُلوّناً صوته بما يناسب الشخوص، وقد يساعده أحد معاونيه في ذلك..
● كان يرافق (الخيالاتي) أثناء العرض ثلاثة عازفين هم (عازف عود، وعازف ناي، وضارب إيقاع: طبل أو دربكة)، ويبدأ في كل فصل أو بابة؛ كما كانوا يسمونه، بضربتين على العود معلنين رفع الستارة والسكوت.. ثم يرافق (الخليلاتي أو الكراكوزاتي)، كما كان يسميه أهل حلب، بعض المقطوعات الموسيقية بين حين وآخر..
● وفصول الكراكوز السوري ترتبط بالواقع ارتباطاً قوياً من خلال تصويرها لجوانب من الحياة اليومية، ولا سيما في العهد العثماني، وهي تقدم دائماً الشخصيتين الثابتتين المعروفيتن: (كراكوز وعيواظ)، اللتين تحملان في الفصول كلها، الأبعاد نفسها، لكل واحدة منهما..
● فمن شخصيات هذه اللعبة التي اشتهرت في مدينة حلب بوصولها إليها، وخلال الفصول الثلاثين التي وصلت إليها رواياتها، هؤلاء:
- قره كوز وعيواظ: (بعد تحريف اسمه إلى ايواز بالتركية؛ ثم إلى عيواظ بالعربية)..
- المدلل: وهو الغلام الذي يقوم على خدمة (قره كوز، وعيواظ)، فيبعثانه إلى السوق في حاجاتهما، أو لجلب المومس إلى البستان، أو لجلب غلام ممن يتعاطون اللواطة، فيعـود خائباً معلناً أسفه لأنه (الممحونين) قد أصبحوا شرطة عند فرنسا.. والمدلل هذا يتمتع بحمايتهما وبعطف الجمهور الحلبي..
- وسعه زاده، وهو الأفندي المختص بتدبير الأمور في سراي الحكومة وفي رشوة المسؤولين..
- قشقو كفكيرة: قبضاي من قبضايات الينجارية قوي البنية، يحمل العصا الغليظة القصيرة (الهراوة)، ضعيف التفكير، تركي، يراد من ورائه الهزء به والهزء من السلطة التنفيذية..
- أم كركوز: وهي زوجة قره كوز، سليطة اللسان، غيورة، يحرضها عيواظ دوماً على زوجها، ويختلق لها أفعالاً ينسبها إليه كذباً..
- كركوز، (وبالساحل السوري يدعى سبركوز)، وميمون (ويعني بالتركية قرداً) هما ولدا قره كوز..
- سكسوان، شربقان (امرأتان) دقاميقو (رجل)..
- معوظة وعواويظ بنت وابن عيواظ..
- قريطم: تاجر تركي يقع ضحية لمقالب قره كوز، وعيواظ فيسخرهما بتجارة فيتلفان ماله..
- فرنجون: حكيم أجنبي (طبيب)، ما هو في الحقيقة إلا عيواظ نفسه الذي يتظاهر وكأنه طبيب فرنجي ليغش ويهزأ بزوجة قره كوز؛ التي لا تؤمن إلا بالاستطباب لدى حكيم فرنجي دون الأطباء الوطنيين..
- بكري مصطفى: السكير العربيد المتظاهر بالقوة، والجبروت، إلى درجة مضحكة تدعو إلى السخرية..
- طرمان: وهو لوطي اشتهر بضخامة مبالغ فيها كثيراً في ذكره، فضرب به المثل أحياناً في حديث العامة.. وهو في التمثيلية يركب حجر الطاحون على ذكره، ويديره بسبب كسر عموده..
- أبو الشباب، رجل قبضاي، أو عكيد، أو زكرت، من زعماء الأحياء..
- عزورا اليهودي، صراف يهودي يتعاطى الربا، يقوم بالأفعال الخسيسة..
- عنتر – عبلة – شيبوب – عمارة – قشقو كفكيرة … أبطال قصة عنترة..
- القحبة، وهي المومس التي يجلبها المدلل إلى البستان، فتأتيهم كبسة العسكري..
- الفرنجية، سيدة من الروم أو الفرنجة..
- العسكري: جندي نظامي لدى الوالي..
- الشيطان: الوسواس الخناس الذي يغري قره كوز بارتكاب المعاصي..
- الحمار – الجمل – السبع – الكلب – القط – من حيوانات القصص..
● والمعروف والمشهور؛ أن جميع تمثيليات الفصول كانت بذيئة اللسان من غير حرج على اللاعب، فالفن للفن، فلا اعتراض، وهي محشوة بأسماء الأعضاء الجنسية مهما كان موضوعها ومناسبتها.. ولهذا كان آباؤنا يحظرون علينا حضور سهرات (قره كوز)، فبقينا نشعر بهذا الحرمان حتى كبرنا وشببنا عن الطوق..
● من المفيد أن نشير إلى أن الخيالاتي لم يكن ليتعرض إلى الأمور الدينية أو المذهبية.. ولما كانت الحياة الاجتماعية، والحوادث اليومية بذاتها مصدراً من مصادر الأدب الشعبي، فكان لا بد لحوادث قره كوز وعيواظ من أن تدخل الأدب الشعبي.. ونقصد بالأدب وسائل التعبير، والتشبيه، والمبالغة، والحكم، والأمثال.. وما يسمونه في البلاغة (مراعاة النظير).. فإذا جاءهم رجل متكبر سخيف متعجرف، قالوا: “اجاقشو”.. وإذا سمعوا عن اجتماع رجال أشقياء، أو من السفلة يشربون الخمر ويسكرون، قالوا: “لم يكن ينقصهم إلا المدلل ليأتيهم بالبنت”.. وإذا تلكأ عامل أو شغيل عن عملة بحجة عدم توفير صاحب العمل مواد العمل له، قالوا له: “لا تتحجج، ماذا يلزمك؟ هذه هي الخيمة وهذا هو السراج”..
● إن (عيواظ)، كما يظهر في معظم الفصول، ذكي مخاتل خبيث جريء، يحيك دائماً المقالب لزميله (كراكوز).. أما (كراكوز) فهو رجل بسيط، ساذج طيب القلب، يصدق كل ما يُقال له، ودائماً يقع في المقالب، ويتورط في المشاكل، ويكون نصيبه الضرب والركل والرمي إلى الخارج، وهو أقرع، أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يجيد عملاً ما، ويكاد يكون أبله مغفلاً..
وإذا اختلف كل من كراكوز وعيواظ في شيءٍ من الذكاء والمعرفة والفهم، فلقد اتفقا في كثير من الفقر والبؤس والشقاء، فكلاهما لا عمل له، وهما دائماً يتضوران جوعاً، ويبحثان عن عمل فلا يجدان..
ويبدأ عيواظ الحوار بقوله: “أهلاً وسهلاً وميت السلامات بأخي كراكوز ابن الحلال عند ذكره ببان”..
فيجيبه كراكوز: “أهلاً وسهلاً بهالدقن الكويسة.. خير إن شاء الله كمان؟”..
فيرد عليه عيواظ: “متل ما بتعرف، هي هيه الدفة، وهي الخيمة، وهي السريج.. وهي كلمات ترحيبية حلبية..
● وفصول الأراكوز كوميدية تُقدَّم باللغة المحكية، وهي ماجنة، وتتناول السياسة والقضايا الاجتماعية بالنقد، لذا كثيراً ما كانت الشرطة في العهد العثماني تُلاحق فناني الأراكوز، وتُصادر أدواتهم أو تكسرها..
● كانت عروض الكراكوز التي تسمى فصولاً، تُقدَّم في المقاهي، وأحياناً في الدور.. ومن المتعارف عليه ألا تُقدّم إلا مساءً، وفي أيام معروفة من الأسبوع/ ربما كانت الخميس أو الأثنين..
● كانت تقام عروض خيال الظل مساءً؛ وخاصة في شهر رمضان المبارك، وتزداد رواجاً في فصل الشتاء، وهذه الفصول كانت تعرض على فئتين من المشاهدين للصغار والكبار، ولكل فئة مستوى معين من أسلوب العرض ومضمونه.. إذ يجلس المشاهدون على كراس صغيرة من الخشب لا مسند لها، أو على حصير يمدها صاحب المقهى على الأرض، ويدفع الرواد ما شاؤوا في نهاية العرض، أو بدايته مبلغاً صغيراً من المال..
● ومن أشهر الفصول التي كانت تقدم آنذاك: فصل الحماّم، فصل الحكيم، فصل بدي خرجية، فصل أجير الحلواني، فصل الكلاب، فصل عجيب وغريب، فصل ابن الترك، فصل الخشبات، فصل الحمار والجورة، فصل الشحادين، فصل الفرنجي، فصل حرب السودان، فصل الليمون، فصل التمساح، فصل التأهيل، فصل الهرة، فصل الميتم والضائع اليتيم.. وغيرها.. والواقع أنه يوجد ما يزيد عن المئة فصل أو بابه..
● وفي فصل (أجير الحلواني)، يُخبر عيواظ كراكوز أنه سمع امرأة في السوق تخبر صديقتها أن زوجها قد أوصى الحلواني ليصنع لها بعض الحلوى، وأن أجير الحلواني سيمر بها في البيت ليأخذ بضع صينيات فارغة، ويقترح عيواظ على كراكوز أن ينتحل شخصية أجير الحلواني، على حين ينتحل هو شخصية الحلواني نفسه، ليذهبا إلى المرأة، ويظفرا منها بالصينيات، ثم يقومان ببيعها.. ويوافق كراكوز، ويمضيان إلى المرأة، ويبدأ كراكوز بمحادثتها وهي وراء الباب، ولكن المرأة تطيل الحديث، ثم تكشف في النهاية أن الحلواني كان قد سرق منها في العام الماضي بعض الصينيات، وأنها تريد أن تقتصّ منه، وعندئذٍ يدفع كراكوز بصاحبه عيواظ إلى المرأة ويقدمه بصفته الحلواني، فيكون نصيبه الضرب ثم يُقذف إلى الخارج..
● الأراكوز: عُرف لاعبه في حلب باسم (الخليلاتي)، محرفة عن المخيلاتي، والمٌخيِّل هو فنان خيال الظل، وهو الذي يُحرك جميع الدمى في الخفاء بعيدان طويلةٍ، ويُدير الحوار بنفسه مقلداً أصواتها بتغيير نبررات صوته.. وأكثر مقاهي حلب القديمة كانت تُقدّم فيها عروض الأراكوز، كقهوة جاموس، وقهوة أبي منصور في الكلاسة، وقهوة ساحة بِزِه، وقهوة زقاق دقلي في السفاحية، ومقاهٍ كثيرة في قسطل الحرامي وباب النصر وباب الحديد وباب جنين.. وكان من أشهر لاعبي خيال الظل في مدينة حلب هو السيد «محمد الشيخ»؛ وهو عامل نول في قيصرية الماوردي، وقد عرف بأبي أحمد..
● بقي أن نذكر أشهر المقاهي التي كان يعرض فيها خيال الظل وكراكوز وعيواظ، وهي - مقهى البليط: ويعرف بمقهى البرتقال حالياً، ويقع في شارع السجن القديم – سوق الموازين..
- مقهى النصر: ويعرف بمقهى حمو، ويقع في باب النصر، وحل مكانه الآن محلات صناعية
- مقهى قسطل الحرامي..
- مقهى قسطل المشط
- مقهى جقيص: ويقع في حي المشاطية؛ شارع قارلق
- مقهى أبو عمشة: ويقع في برية المسلخ قرب حديقة (القباقيب)..
🎭🎠🎭🎭🎠🎭
🎭 كانت المقاهي في بلاد الشام، تخصّص فقرة من فقرات سهرتها لخيال الظل، وكانت شخصيتا (كراكوز وعيواظ) من أحبّ الشخصيات الشعبية.. وكانت لشخصيات خيال الظل دور هام في حياة الناس، فعلى لسان شخوصها، يستمع المتفرجون لآخر الأحداث التي تجري في البلاد، وتنقل ما يهم العباد, وتروي النوادر والحكايات، وتطرب سامعيها بالغناء.. وكان (كراكوز) ينال بلسانه اللاذع بعض الشخصيات بالنقد والتجريح والسخرية المريرة..
● وكثيراً ما يقوم (المخيلاتي) بدور الصحافي، فقد كان يدخل إلى المحاكم، ويسترق السمع، ويتابع الأحداث، ثم يقوم بسرد هذه الأحداث بلسان شخصياته على مسامع المتفرجين..
● ومن أشهر الروايات، التي كان يجسدها المخيلاتي في خيمته, حكايات الوزير الخائن والضرتين، وحكايات أخرى تبعث البهجة والسرور في نفوس الصغار والكبار..
● كان محركو الظل يعرضون فصولهـم أو باباتهم الممتعة مساءً في المقاهي، فما إن ينتهي وقت صلاة العشاء حتى تزدحم المقاهي بروادها؛ يتوزعون في أماكنهم المعتادة، فالأولاد أمام الستارة مباشرة على كراس صغيرة من الخشب والقش، والشباب خلفهم على كراسي من نفس النوع ولكن لها مساند للظهر، وأمام كل منهم طاولة خشبية، وفي صدر المقهى يجلس كبار السن؛ وقد عمروا نرجيلاتهم، وتبدأ سحائب الدخان بالانتشار فوق الرؤوس، ويتحرق الجميع شوقاً للآتي على تلك الستارة السحرية..
● وكان العوام يسمون خيال الظل (قره كوز)، وكان في أول القرن الماضي من أشد العوامل في تهذيب الأخلاق وتقويمها، بعبارات يلقيها الخيالاتي مليئة بالانتقاد، ويصور في كلامه العادات السيئة المتفشية في عصره، ويظهرها في قالب ينفر الناس منها، ويصور ظلم الحكام وأصحاب النفوذ وأغلاطهم، في بطريقة ظريفة مقبولة..
●○●◎●○●
● كان للسلطان «محمود الثاني»، على عادة ملوك الزمان، مهرج خاص يقدم له وسائل التسلية والضحك.. وكانوا يسمونه بالتركية هاجي أوز أي الحاج عوض باللغة العربية، ثم نقل اللفظ إلى العربية مشوهاً بتعريب سخيف فصار: (عيواظ).. وقد اشتهر بمكره وبرودة أعصابه ومقالبه وإيقاعه بالناس، فلما تعب من عمله لدى السلطان، استأذن سلطانه «محمود» بأن يسمح له باصطحاب رجل (قشمر) آخر يلعب معه بعد أن وصف له صفاته المناقضة لصفاته هو، فسمح له، فذهب إلى إستنبول التي يعرف فيها رجلا عصبي المزاج، مضحكاً، خفيف الحركة، أطباعه على نقيض من أطباعه هو، فجاء به إلى المابين السلطان، وصار الأثنان عند السلطان (الثنائي المهرج) و(القشمر) الثاني اسمه (قره كوز) (والكاف تلفظ كلفظ الجيم المصرية)، ومعنى الكلمتين من اسمه: العين السوداء..
إن الحاج عوض (عيواظ)، بعدما أتى ﺑقره كوز من استنبول إلى بورصة، أخطأ هو وزميله في إحدى المرات؛ إذ تكلما بكلام بذيء أمام حرم السلطان، فأمر السلطان «محمود» بكجي باشي، بإخراجهما وطردهما، فسأله عما يفعل بهما بعد ذلك؛ فقال: “اقطع رأسيهما”.. قال ذلك وهو غاضب، ولم يكن للبكجي باشي أن يعصي أمره، فذهب برأسيهما.. وفي ساعة من ساعات سروره، افتقد السلطان مهرجيه، فأمر بإحضارهما، فقال له البكجي باشي: “لقد أمرتني بقطع رأسيهما يا مولاي”.. فأجابه السلطان: “من يقطع رأسيهما ألحقت رأسه بهما، اذهب وائتني بهما”.. خرج الرجل لا يلوي على شيء مذعوراً، فشاهده الشيخ «عبد الله الششتري».. فقصّ عليه مأساته، فأمر بإحضار جلود فقصها على هيئتي (قره كوز) و(عوض)، وعلمه كيف يقوم بتشغيلها وتحريكها وتلعيبها وتقليد صوتيهما.. وكان ذلك.. وعرض للسلطان أنهما قد حضرا ولكنهما يخجلان من مواجهته بعد هذا الغياب غير المسوغ، وأنهما سيظهران له من خلف حجاب ليحدثاه.. حتى إذا قبل السلطان ظهرت صورتهما، كخيالين، خلف شاشة انفتحت في الجدار، وهما يلعبان ويتبادلان مزاحاً ونكات، فسر السلطان، وأمر بدخولهما عليه، فأغلقت الشاشة وجاء البكجي باشي بالصور، مع الشيخ «عبدالله الششتري»؛ الذي كان مقرباً من السلطان، وقص عليه القصة بعد أن استنطقه بلفظ العفو، قائلين: “هذا هو قره كوز، وهذا هو الحاج عوز، لن يحرمك الله منهما”..
واستمر السلطان في مشاهدة المهرجين من خلف الشاشة، إلى أن جاء يوم طلب فيه الشيخ الششتري من السلطان أن يأذن له في تلعيب هذين الخيالين في أسواق بورسه؛ بعدما كان قد أذن له بتلعيبهما في قصر الحرملك، فأذن بذلك، فعمّت اللعبة الأسواق والساحات العامة والمقاهي، وتعددت حكاياها وأبطالها مع الإبقاء على شخصيتي قره كوز وعوض..
●○●◎●○●
● نتوقف اليوم مع حكاية لطيفة من حكايات خيمة كراكوز؛ لنستمتع بها كما كانت أيام زمان: (سراية عيواظ)
عيواظ نائم، يشخر بأصوات متفاوته، زوجه تذرع الخيمة جيئةً وذهاباً.. - الزوجة: عيواظ… عيواظ!..
- عيواظ: هم مممم..
- الزوجة: ولك عيواظ… عيواظ!..
•عيواظ: شوبك؟ - الزوجة: عيواظ.. ولك فيء بئا قعود بدي أحكي معك.. (ينهض عيواظ متاففاً)..
- عيواظ: وهي أعده، شوبدك؟
- الزوجة: أنا امبارح كنت معزومة عالعرس..
- عيواظ: وخير انشا الله!..
- الزوجة: كل النسوان بيجي أكثر من ميت مرة، كل واحدة منن لابسه صيغة شيء بيمزء الئعل، إلا أنا مرت عيواظ مالي لابسة برئبتي ولا بأصابيعي أطعة دهب..
- عيواظ: وشوبدي أعمل لك، على قد فراشنا منمد اجرينا.. وعلى هوا السوء منسوء..
- الزوجة: أنا كنت امبارح مضحكة.. وكل النسوان صاروا يتغامزوا علي، وصاروا يئولوا إنو مرت عيواظ مالا لابسة ببرغوت دهب (وحدة نقد عثمانية) صيغة.. استحيت وطلعت من العرس وما كفيت السهرة..
- عيواظ: وشوبدك هلأ؟
- الزوجة: اليوم في عرس معزومة عليه.. هلأ هلأ بدك تصيغ لي خمسين مخمس بسنسال دهب، بدي ألبسهن وروح عالعرس، واقلع عيون اللي صارو يضحكوا علي بسهرة امبارح..
- عيواظ: ومنين بدي جبلك خمسين مخمس، كل مخمس بخمس نيرات دهب؟
- الزوجة: مابعرف.. دبر حالك.. وما بتفوت عالبيت إلا وهنه معك ..ثم تلقي به إلى الخارج يبكي ..يذهب عيواظ ويطرق الباب على كركوز..
- كركوز.. أخي كركوز.. ولا أخي كركوز..
- كركوز: إيه.. إيه جايه..
- عيواظ: أوام الله يخليك..
(يخرج كركوز).. - كركوز: شوباك عم تبكي؟
- عيواظ: من هيه.. الأربع واء إلا ربع (تعبير شعبي يعني الزوجة)..
- كروكوز: مرتك؟..
- عيواظ: إيه نعم مرتي..
- كروكوز: شوباها؟..
- عيواظ: آل بدها صيغة..
- كركوز: ومنين لك يامعتر؟..
- عيواظ: والله مالي عرفان..
- كركوز: وشوبدها؟..
- عيواظ (وهو يبكي ): بدها خمسين مخمس بسنسال دهب..
- كركوز: وليش عما تبكي؟..
- عيواظ: ألعتني من البيت، وآلت إنو ما إرجع إلا وهنن بإيدي..
- كركوز (يفكر): إذا شرت عليك هالشور بتعملو؟..
- عيواظ: إذا شورك منيح منعملو، ليش لا؟..
- كركوز: روح اشتري لك شئفه مرسة (حبل)، وشحمها منيح وطلاع لبرات البلد وعلىء حالك على شي شجرة، شي ربع ساعة زمان وبتجي.. بعدين انا بشور عليك شو تعمل..
- عيواظ: ولا كركوز الله لا يوفئك (لا يوفقك)، شوبدك ياني موت حالي؟!!
- كركوز: لكان اللي بدو يكون راكبتو مرتو، لازم يئبر حالو.. عجبك هالشور؟..
- عيواظ: لاوالله..
- كركوز: لكان لح بشور عليك كمان شور تاني..
- عيواظ: هات لنشوف..
- كركوز: بيتك ملكك ولا بالكرى؟ (بالأجرة)..
- عيواظ: الملك لله.. والله ملكي..
- كركوز: فيه تحتاني وفوآني؟..
- عيواظ: إيه.. تحتاني فيه مربع إلو يوك (مكان موضع الفراش واللحف)، وكتبية، وليوان، وأرض ديار، ومطبخ بوجاء، وكانون، وششمة حشا السامعين.. وفوآني فيه فرنكتين ومشرئة..
- كركوز: ايه، لكان: بتهبط التحتاني وبتخلي الفوآني، وبعدين بتبيع الحجار والخشبات، وبنشتري بحئهن لمرتك يلي بدا اياه، منيح هيك؟..
- عيواظ (يفكر:) ولا كركوز.. أنا شورك عجبني.. بس ما إلتها عالمظبوط ..لو آلتلي هبط الفوآني، وخلي التحتاني كانت الشغلة أضبط..
- كركوز: والله يأخي عيواظ ألت لحالي بلكي وإنت عما تهبط التحتاني بيطبئ الفوآني عليك وعلى مرتك، وبتستريح من هالبلا..
- عيواظ: ولا كركوز.. هلأ مو وئت مزح..
- كركوز: لكان هبط الفوآني..
- عيواظ: ايه.. لنروح نشاور المرا..
- الزوجة: وين.. وين.. تعا لهون.. وين الخمسين مخمس وسنسال الدهب مانهن بايدك؟..
- عيواظ: اصبري شوية يا مرا، أخي كركوز شار علينا شور..
- الزوجة: وشو هالشور؟ قول لنشوف..
- عيواظ: آل إنو نهد الفوآني من هالبيت.. ونبيع هالحجار والخشبات.. وشو بيجيبوا.. منشتري لك فيهن مخمسات..
- الزوجة: لكان هبط الفوآني والتحتاني، بس جيب لي المخمسات والسنسال.. حتى روح فيهن عالعرس..
- عيواظ: إيه .. ياالله.. (يود الخروج) يا ميسر..
- الزوجة: وين رايح؟..
- عيواظ: لنجيب فعالة لحتى يهبطوا..
- الزوجة: مابدها فعالة ومعالة يارجال.. أنا وانت منحمل محفارين ومنهبط، وأجرة الفعالة منوفرها، ومنشتري مخمسات..
هذه إحدى حكايا كركوز وعيواظ، والتي تبعث الانشراح في النفس، وتثير الضحك لدى الحضور أيام زمان قبل انتشار الراديو والتلفزيون.. أتمنى ان تكون هذه الحكاية قد فتحت ذاكرتكم على نوافذ التاريخ..
●○●◎●○●
● عرس كركوز - البنت: مساء الخير ياعمي عيواظ..
- عيواظ: أهلين وسهلين، ياعين عمك عيواظ، وينشد:
بلبل الروض غنى بنواحينا *** والله ياأوم (قوم) شرفتوا نواحينا
طرابلس.. نابلس.. سبع براج عالينا *** بيروت ست الملاح، صيدا تسلينا
رحنا عالشام النا الشام تكيفنا *** جارت علينا الليالي.. بعنا طوائينا - البنت: أهلين بآمتك عمي عيواظ..
سألت المكارم بأين حلت *** وكل الناس دلوني عليكا
سألتك لا تخيب فيك ظني *** لاني اليوم محسوبة عليكا - عيواظ: بريه.. (مرحى) بريه عليكي.. أولي كمان أولي..
- البنت: ياعمي عيواظ.. (بدلع)
- عيواظ: يا… عيووون عم… عم….. عمك… عيواظ..
- البنت: هلأ أنا بشعة شيء؟..
- عيواظ: لك أحلى من هيك ما بيصير؟.
- البنت: طويلة.. مشولحة شي؟..
- عيواظ: لأ..
- البنت: أوامي (القوام)؟..
- عيواظ: مثل أضيب (غصن) الخيرزان..
•البنت: وجبيني؟.. - عيواظ: هلَّة شعبان..
- البنت: وعيوني؟..
- عيواظ: عيون الغزلان..
- البنت: وصدري؟..ـ
- عيواظ: أمان جانم.. أمان.. فسحة ميدان..
- البنت: ياعمي عيواظ..
- عيواظ: ياعيون عمك..
- البنت: وبطني؟..
- عيواظ: آه.. آخ جانم… جن جانم… بالهوى جن جناشي.. مخمر عجان..
- المدلل: معلمي.. معلمي..
- عيواظ: (يدفع المدلل) روح من خلئتنا.. حلّ عنا.. (يتابع مع البنت) وسع دكان..
- المدلل: معلمي..
- عيواظ: لك شوباك؟..
- المدلل: ستي زبئي (أكلة شعبية دمشقية) طرية على سنانك.. جبلك صحن من عند أخوك كركوز؟..
- عيواظ: ليش مانك مزوزة (متزوجة)..
- البنت: لأ..
- عيواظ: وما حدا تئدم (تقدم) لك؟..
- البنت: خطبوني كثير، بس أمي حالفة يمين ما بتزوزني أبل ما تتزَوَز (تتزوج).. دبرني الله يخليك ياعمي عيواظ..
- عيواظ: إذا دبرت لك عريس، بتاخديه؟..
- البنت: ومين هالعريس؟..
- عيواظ: بتاخدي اريطم (يمر اريطم)؟..
- البنت: يوه.. يوه.. شوبدي ساوي فيه.. هاد ختيار مصوفن.. لأ لأ دخيلك ياعمي عيواظ..
- عيواظ: بتاخدي اشئو آغا (يمر اشئو)؟..
- البنت: لأ هادا عصملّي، ما بفهم عالساني..
- عيواظ: احترت والله حيرني معك.. ايه.. بتاخدي المدلل؟ (يمر المدلل متشخلعا)..
- البنت: كتّر خيرك.. هلأ ما لئيت لي غير هالفصعون الزغير شو بدّي ربي ولاد ياعمي عيواظ؟..
- مالك غير شيخ الشباب بكري مصطفى..
- البنت: لأ لأ .. الله يخليك.. هادا شيخ الشباب بيضّل سكران وبيئتلني (يقتلني).. (يظهر شيخ الشباب وهو ينده على بعض اصدقائه بالتركي)..
- شيخ الشباب: براد ياريم.. براد ياريم.. أبو الشباب، سبع اسكيدار، دوله ياريم.. يخاطب الجمهور: سامعين يا شباب؟..
- الجمهور: قووول.
شيخ الشباب يغني موال :
شابت من الصدّ والهجران لامتنا (من اللوم)
ياما لبسنا لحرب هواك لامتنا (لم نمت)
خضنا بحور الأحبة مانكضنا العهد (نقض)
نحنا عالمودة مانخون العهد
وألوبنا حافظات العهد ولو متنا
ياياباي… ياياباي….
وحياة أبضة (مقبض) سيفي، فيه واحدة أنا بحبها كثير، وهيه بتحبني، برمت عليها البلد ما لئيتها .. والله إن لئيتها عند اريطم لاشنوء عيواظ، وإن شفتها ببيت كركوز لخوزء عيواظ، وإن خبّاها الصبي دورني زادا لأوصّ عيواظ، وإن شفتها ببيت عيواظ لاخنوء عيواظ.. لأنو مثل البرد أساس كل علة (يخرج شيخ الشباب).. - عيواظ: ولي على آمتي .. لك شو عامل له عيواظ..
- البنت: (ترتجف) يامو..
•عيواظ: ايه.. ايه لا تخافي، هادا فلتانه معه.. - البنت: وهّلأ شو بدي ساوي بحالي؟.. دبرني الله يخليك..
- عيواظ: شو بدي دبّر فيكي.. مالو عاجبك العجب ولا الصيام برجب.. أما شغلة.. ما بآ حدا بالخيمة غيري.. بتاخديني؟
- البنت: (تسكت)..
- عيواظ: وشو بدنا نساوي بأمك؟..
- البنت: دبرها.. دبر لها عريس من اريبو..
- عيواظ: هه.. وئفي دبرتها، دبرت لها عريس فطايسي، بياخدها ولو انو عمرها ميتين سنة..
- البنت: ومين هوّه؟..
- عيواظ: اخي كركوز.. لحا بعمل لك فيه فصل، ابليس ما عملو.. وينك.. انتي بتروحي عالبيت، وانا بهندزو وبجيبو معي عباب بيتكن، بتوئفي من ورا الباب.. أنا بسألك كم سؤال، وانتي بتعملي حركات، منعمل الحكي عليكي وكتب الكتاب والدخلة على أمك.. وبعدين باخدك على كتاب الله وسنة رسوله..
وهيك انحلت المشكلة، وتجوزت البنت من عيواظ، وكركوز تجوز الأم، وشرب المئلب..
🎭🎠🎭🎭🎠🎭
🎭 صندوق الفرجة.. عالم سحري مدهش 🎭
صندوق عجائب الدنيا، أو صندوق الفرجة، هو سينما أيام زمان المتنقلة في حارات وساحات المدينة القديمة أيام زمان..
● يعود تاريخ صندوق الحكايا الى أواخر القرن السابع عشر بعد ظهور مسرح خيال الظل الذي انتشر في المقاهي الموجودة في أحياء مدن بلاد الشام القديمة، ولكنه لم يكن بتلك الأهمية التي كانت لمسرح خيال الظل.. وكان لصندوق الدنيا جمهوره من الأطفال وبعض العوام، فقد كان الرجل صاحب الصندوق يحمله على ظهره بواسطة حزام عريض ويحمل بيده الأخرى القاعدة التي يضعه عليها، ويتنقل في حارات المدينة القديمة، ويتوقف في ساحة من كل حارة..
● ظهر صندوق الدنيا في الوطن العربي في فترة متأخرة من أواخر القرن التاسع عشر، وبخاصة بعد ظهور الطباعة الملونة، وعرفناه باسم (عجايب غرايب) أو صندوق الدنيا.. ولم يكن ظهوره مقصوراً على بلاد الشام، فقد عرفته غالب الأقطار العربية..
● وفي أيام رمضان والعيدين، كان رجل يتجوّل في الأسواق، حاملاً على ظهره صندوقاً كبيراً، وفي يده كرسي عالٍ ذي أرجل طويلة متصالبة، وعندما يصل إلى ساحة السوق المكتظّة بالمارة، يضع صندوقه على الكرسي، ويطلب من الولد الراغب بالفرجة بضعة غروش..
● وكان الأطفال ينتظرون أن يُنزل صاحب الصندوق أعجوبته عن ظهره، يضع مقعداً خشبياً أمامها كمقاعد المقاهي أو المدارس، فيهرع الصبية إليه جماعات وفرادى يصطفون على المقعد متدافعين، ويحتضن كل واحد منهم دائرة زجاجية (يفرغ) فيها عينيه.. تُكَّبر له الصور التي ينظر إليها، وشريط الصور الثابتة بألوانها الزاهية اللمَّاعة؛ يبدلها صاحب الصندوق بخفة ورشاقة معلقاً على كل صورة لعنترة وعبلة، أو الزير سالم، أو الملك سيف بن ذي يزن، أو الظاهر بيبرس، أو حمزة البهلوان، أو علي الزيبق: “تعا تفرج يا سلام؟ على عبلة أم سنان.. تعا تفرج، تعا شوف، هادا عنتر بزمانو.. كان راكب على حصانو.. هادي هيا الست بدور.. قاعدة جوا سبع بحور.. الأركيلة كهرمان والتخت من ريش نعام.. شوف حبيبي.. كمان وكمان عالم ملون بالألوان”..
● كان مشهد الرجل وهو يحمل الصندوق على ظهره، والقاعدة في يده الأخرى، لا يغيب عن ذاكرة الأطفال، وينتظرونه بفارغ الصبر لما يحمله إليهم من حكايات وقصص جديدة..
وكان هذا الصندوق ينشط في أيام الأعياد بشكل كبير؛ حيث يتراكض الأطفال إليه وهم يحملون العيدية ويقدمونها للرجل مقابل أن يشاهدوا قصصاً وصوراً جميلة تمتعهم وتسرهم في العيد..
● وعادة ما يكون الأطفال من سن 6 سنوات ولغاية 12 سنة هم الزبائن، وأحياناً ممن هم فوق 12 و15 سنة.. وكان ثمن الفرجة آنذاك فرنك سوري (5 قروش)، من يدفعها يجلس على الدكة ( مقعد خشبي طويل بدون ظهر)، ومن يدفع بيضة أو رغيف (يعني اقل) لصاحب الصندوق، يتفرج عالواقف وهو منحني، وطبعاً الفرجة بالدور حسب عدد الفتحات..
● وكان صاحب الصندوق في بعض الأحيان يتقاضى أجراً من الأطفال بيضةً، أو رغيفاً من الخبز، أو مكيالاً من القمح أو الذرة، لقاء الفرجة، وكانت العملة نادرة و(الفرنك) عزيزاً، ولكن في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كنا ندفع فرنكاً، مقابل هذه الفرجة الجميلة..
● وكنا نعلم بوصول الصندوق للحارة من نداء صاحبه:
قـــــرب قـــــرب قـــــرب … قـرب شوف واتفرج قـرب
وصــل صندوق العجـــايب والحكـــواتي أبـــو رجــــب
معـانــا ابو زيد الهلالي .. اللـــي سيفــه بيــلالــــــي
معانــا عنتــر العبســـــي … عدوه يصبـــح ما يمسـي
● كانت الصور التي يعرضها الصندوق تروي حكايات وقصص مختلفة، ولكي ينجذب الأطفال لهذا الصندوق ينشد الرجل بعبارات قريبة من الشعر الشعبي وبلهجة شامية ويقول :
( تعا تفرج ياسلام على عجايب الزمان.. أو على صندوق الأحلام..
رح ورجيكن عجايب ماشفتوها بالمنام.. هي اسطنبول العالية، وهذا جسر الدردنيل..
وهاي فاطمة المغربية، وهذا عنتر بن شداد وحبيبته عبلة )..
تعا تفرخ ياحباب ….طلع قدامك وشوف
ترى كل العجايب….في بلاد الغرايب
هي فطوم المغربية….كحلتها نص وقية
شوف شعرها هالمجدول…شوف عيونها اللوزية
● كان على الناظر على الفتحة الأخيرة أن ينتظر حتى يرى الصورة التي رآها قبله ناظري الفتحات الأولى وهنا تعلو الأصوات: وينه يا عمو؟ … مالنا شايفينه ولا شايفين حصانه !
فيرد عليهم: انخمد أنت وإياه واسكتوا .. هلأ بيوصل لعندكم، اشو زوجتكم أمي بها الفرنك ؟
أما الولد المنحني والذي يصاب بحول من هذا الوضع تسمعه يقول: آه والله شايف اثنين أبو زيد واثنين حصان أيوه أيوه اقتله أبو زيد صفي دمــه بها السيفين اللي بايدك 😁
ويظل ينشد حتى يكتمل أربعة مشاهدين على عدد فتحات الصندوق، ويبدأ العرض بتحريك تلك العصي التي تحمل الصور، ثم يبدأ الرجل بالسرد ويروي للأطفال القصص والحكايات..
● وكان الأطفال يستمتعون بهذه الصور والقصص، حيث كان هذا الرجل يتفنن في سرد القصص، ويغير بنبرات صوته حسب موضوع الصور التي تعرض، فتارة يتكلم بنبرة الحزن، وتارة بنبرة الفرح أو الغضب، ومرة يجعلها على شكل مقالب ونوادر تضحك الأطفال، ومرة تكون القصص من وحي خياله، ومرة يكون لها أساس في التاريخ كقصة عنترة والزير سالم وغيرها..
● وعند نهاية العرض يخرج الراوي دمية لها اسم متعارف عليه بين الأطفال وهو “أبو حشيش” وعند ظهورها يعرف الأطفال أن العرض قد انتهى، ويجمع الرجل منهم اجرة العرض والفرجة، ثم يذهبون إلى بيتهم ويروون لأخواتهم البنات وللجدات وللامهات ما رأوه في صندوق العجايب من صور، ويقصون عليهن ما سمعوه من قصص وحكايات..
🎭 أيضاً من بعض النداءات التي كان ينادي بها الحكواتي وهو يتجول بين الحارات:
شـــوف تفــرج آه يـــا سلام … شــوف أحــــوالك بالتمــــام
شــوف قــــدامك عجـــــايب … شـــوف قــــدامك غـــــرايب
شوف الأميرة بنت السلطان … ليتهـــا عيــونهــا مــا تبـلى … وشفــافهـــا رق الفنجــــان
وأيضاً:
تعا تفـــرج يا ســلام .. على عبلة أم سنــــان
هــادا عنتــر زمانــو .. راكب على حصانو
هادي هيّ الست بدور .. قاعدة جوا سبع بحور
الأركيلة كهرمان .. والتخت من ريش نعام
شوف ياعيني … كمان وكمانشوف وتفرج يا سلام .... شوف أحوالك بالتمام شوف ادامك عجايب ... شوف ادامك غرايب عجايب عجايب قرب وتفرج يا سلام حكايا النسايب والقرايب وقصص العشق والغرام قرب يا سلام الدنيا أفراح ومصايب والصلح سيد الأحكام عجايب عجايب قرب وتفرج يا سلام معنا صندوق الفرجة قصص مليانة حكمة قرب وتفرج يا سلام عنتر والزير سالم ، ابو زيد الهلالي ... والسندريلا والاقزام وسيف بن ذي يزن، وقصص المردة والجان● والصندوق ذو ثلاثة عيون، يجلس كل طفل إلى عين من هذه العيون، ويغطس بوجهه داخل هذه العين ليتفرّج على العجائب والغرائب..
يحتوي بداخله على بكرتين، تلتفّ حول أحدهما مجموعة متصلة من الصور الغريبة المثيرة، وتتصل بالبكرة الأخرى بمحور يُدار من قبل صاحب الصندوق، الذي يرفع عقيرته ويقول: “اتفرج يا سلام على البطل الهمام.. شوف عنتر وحبيبته عبلة.. شوف الزناتي خليفة.. شوف بلاد الهندستان.. شوف فاطمة المغربية!!”.. وعند البدء بعرض الصور, يغني صاحب الصندوق ويقول: “تعا اتفرج يا حباب.. طلّع قدّامك وشوف.. ترى كل العجايب في بلاد الغرايب.. هي فطوم المغربية كحلتها نصف وقية.. شوف شعرا هالمجدول شوف عيونا اللوزية.. تعا اتفرّج على عنتر راكب على حصانو الأبجر.. سيحب سيفو في الميدان وعالأبطال بيتمخر.. تعا تفرّج على عبله ريت عضاما ما تبلى.. رشاقة وعيون غزلان ما في أجمل ولا أحلى.. شوف أبو زيد الهلالي سيفو دايماً بيلالي.. ما بيقبل ذل وهوان وريفع راسو بالعالي.. شوف الأميرة ذات الهمّة حلوه كتير ومحتشمه.. همكت بجيوشا الرومان وما فارقت تمّا البسمه.. تعا اتفرّج على شيبوب أخو عنتر هالمحبوب.. دايماً بتشوفو سارح وريكب حمارو عالمقلوب!!”..
وعند انتهاء شريط الصور وانتقاله من البكرة الأولى إلى البكرة الثانية، يتوقّف صاحب الصندوق عن الغناء والتعليق، ثم يبدأ اللعبة من جديد.. وعند الانتهاء من عرض الصور، يضع صاحب الصندوق قطعة كرتون على كل فتحات الصندوق، معلناً نهاية العرض..
● لم يكن شكل صندوق الدنيا مألوفاً فهو مصنوع من معدن خفيف، ولونه غالباً سماوي، وهناك ألوان أخرى.. هو صندوق، وشكله نصف دائري، وله أربعة عيون زجاجية مكبرة لا يتعدى طوله متران، وارتفاعه متر بعمق لا يتجاوز 60 سم، مزركش برسومات ملونة بكل ألوان الطيف، وفيه 6 – 10 فتحات دائرية بقطر لا يتجاوز 15سم مغطاة بزجاجة مكبرة لكي يتسنى للناظر أن ينظر من خلالها داخل الصندوق.. وفي داخل الصندوق يوجد بكرة على كل طرف من أطراف الصندوق، مثبت عليها لفة ورق عليها صور، تماماً مثل وضع الفلم داخل الكاميرا، ويقوم صاحب الصندوق بلف البكرة لتظهر الصور.. صورة تلو الأخرى أمام الناظرين، وهو يعلق على كل صورة، ويسرد تفاصيلها ضمن اطار القصة العام بلغة عفوية شيقة..
وعند بدء العرض يقوم الرجل بتدوير العيدان، وتمر الصور أمام المشاهدين الذين يضعون أيديهم أيضاً منعاً للضوء..
🎭🎠🎭🎭🎠🎭
✦✿✦ مسرح الشعب .. مسرح عيدو السواس وعيدو التنكجي ✦✿✦
🎭 عندما كانت حلب خاضعة للحكم العثماني، كانت الحركات الفنية الشعبية خاضعة للرقابة والقوانين الصارمة.. فلم يكن فيها عروض شعبية مسرحية، اللهم إلا ما يسمى بـ: خيال الظل (قركوز و عيواظ)؛ الذي أخذ ينتشر بسرعة، في أواخر العهد العثماني، حتى عم أكثر المقاهي في حلب..
● في تلك الفترة ظهر في مدينة الفن حلب، الثنائي الفني ( عيدو ) والمؤلفة من شخصين حمل كل منهم اسم عيدو ..
● عيدو الأول : وكانت مهنته الأصلية بيع العرق سوس، يحمله في قربة من الجلد معلقة خلف ظهره، يرتاد بها شوارع حلب العديدة فيسقي المارة من عرقسوسه، وبذلك يكسب قوته وقوت عياله، ولهذا عرف باسم : عيدو السواس..
● أما عيدو الثاني، وكانت صنعته الأساسية هي: صنع سطو الماء والأباريق والأقماع والمباشر والمزاريب وغيرها، من مادتي الصفيح (التنك) والقصدير (التوتياء).. وعلى ذلك فقد عرف باسم : عيدو التنكجي..
● تعرف عيدو السواس بعيدو التنكجي، ونجم عن ذلك أنهما اتفقا معاً على تأسيس فرقة تمثيلية ( كوميدية ) تقدم عروضاً مسلية باللغة العامية..
● وكانت عروض الفرقة الهزلية لا تخلو من التوجيه، والنقد للطبقة البرجوازية، والمجتمع الفاسد ومساؤى الاحتلال..
● كانت العروض التي تقدمها الفرقة تقام في صحون الدور الكبيرة وإيواناتها بدعوة من بعض كبار أغنياء حلب، وبأجر يتفق عليه مسبقاً، وكان أصحاب الدور من أولئك الأغنياء، هم الذين يقومون بتوجيه رقاع الدعوة، إلى أقربائهم وأصدقائهم للحضور إلى دورهم..
● ومع الأيام، تراجع الإقبال عليهما من قبل الأغنياء، وكان من الضروري أن يفكر الثنائي عيدو، في إيجاد وسيلة جديدة، تضمن لهما استمرار العمل..
● وكانت هناك دار كبيرة – قرب السبع بحرات حالياً- وكان يسكن غرف هذه الدار المطلة على صحن كبير، عدد من الأسر الفقيرة.. كل اسرة في غرفة ! وعلى هذا فقد عرض الثنائي عيدو، على أصحاب هذه الدار، استئجار صحنها في مناسبات تحدد مسبقاً.. واتفق على أن يكون الأجر عن الحفلة الواحدة: مبلغ مجيدي فضة واحد..
● وهكذا، استقرت فرقة عيدو، وصار لها مكاناً محدداً، وأصبحت تملك جمهوراً من الشعب لا ينتهي، واسماً جديداً عرفت به وهو: فرقة نجمة سورية..
وهكذا سار العمل في هذه الفرقة، التي تعتبر بحق النواة الأولى للفن المسرحي بحلب…
منقول (بتصرف) من صفحة الموسوعة التاريخية لأعلام حلب
۞۞۞۞۞۞
⭐ ملاحظة:
⊙ قد لا يكون لبعض الصور علاقة بالموضوع، ولكنها تصور البيئة والمكان والزمان
⊙ تم جمع المعلومات من مصادر عديدة..
⊙ ما رأيك بالمنشور ؟ اكتب وعلق وشارك من فضلك 😊
✿✦✦●○●○●○●☆●○●○●○●✦✦✿
💟 أعد هذا المنشور وكتبه لكم: أحمد فؤاد المصري 💟


