التدقيق اللغوي والتصحيح النحوي قبل نشر ديوان الشعر

يُعَدّ التدقيق اللغوي والتصحيح النحوي من أكثر الإشكالات التي تواجه الشاعر، ولا سيما من لم تُتح له دراسة معمّقة لقواعد اللغة العربية، أو اقتصر تعليمه على أساسياتها فقط. فالعثور على مدقّق لغوي موثوق، يجمع بين المعرفة العميقة والذائقة الأدبية، ليس أمرًا يسيرًا كما يتصوَّر البعض.كثيرٌ من الشعراء يرسلون نصوصهم ودواوينهم إلى المراجعة مرة بعد أخرى، ومع ذلك يُفاجَؤون بعد النشر بوجود أخطاء لغوية أو تعبيرية كان من الممكن تلافيها لو حظي النص بتدقيق أمين ودقيق. وهذه المشكلة لا تخص بلدًا بعينه، بل تكاد تكون ظاهرة عامة في معظم الأقطار العربية.

وتتضاعف الإشكالية حين تتعامل بعض دور النشر مع التصحيح اللغوي بوصفه بندًا شكليًا لا أكثر، يُضاف إلى تكلفة الطباعة دون أن يقابله عمل حقيقي. فجلّ الاهتمام ينصبّ على إخراج الكتاب ماديًا، ما دامت تكاليف النشر قد استوفيت سلفًا من الكاتب، أما جودة النص وسلامته اللغوية فغالبًا ما تأتي في مرتبة ثانوية، إن لم تُهمَل تمامًا.وعندما يُنشَر ديوان شعري أو نص أدبي، قد يتصدّى له بعض النقّاد بلهجة قاسية، لا تخلو من سخرية أو تشكيك في موهبة الكاتب، دون إدراكٍ لحجم الجهد الذي بذله في سبيل إخراج نصه خاليًا من العيوب، أو للظروف التي حالت بينه وبين مراجعة لغوية موثوقة تحفظ له نصَّه ومكانته.والحقيقة التي يغفل عنها كثيرون أن الكاتب، مهما بلغت خبرته أو مستواه العلمي، يظلّ بحاجة إلى من يراجعه ويُدقّق عمله؛ فالنصّ، بعد طول المعايشة، قد تُعمي ألفته صاحبه عن بعض هناته. ولذا لم يكن وجود المراجع اللغوي في رسائل الماجستير والدكتوراه ترفًا أكاديميًا، بل ضرورة علمية.

وينسحب هذا الأمر على الإبداع الأدبي أيضًا، حتى لو كان الكاتب خريج قسم اللغة العربية، إذ إن علوم العربية واسعة، وتعدّد مستوياتها ومذاهبها أمر معلوم.والمفارقة المؤلمة أن بعض المتخصصين أنفسهم قد يقفون حائرين أمام تراكيب لغوية معيّنة، فيختلف الحكم عليها باختلاف المدارس النحوية (البصرية والكوفية) أو الذائقة اللغوية، فيُقبلها فريق ويرفضها آخر، دون تقديم بديل واضح أو تفسير مقنع.

ولعلّ أشدّ ما يبعث على الأسى أن يُسلِّم الكاتب نصًا سليمًا إلى مدقّق لغوي، ثم يكتشف لاحقًا أن بعض الأخطاء التي نُسبت إليه لم تكن سوى نتيجة تدخّلٍ غير موفق من المصحّح نفسه، فيتحمّل الكاتب وزر ما لم يقترفه، ويُساء إلى نصٍّ كان في الأصل صحيحًا على السليقة.

بقلم الشاعر عبد الواسع السقاف

أخر المقالات

منكم وإليكم