بقلم د.علي خليفة
للكاتب الأيرلندي الإنجليزي جورج برنارد شو”1856 – 1950″تقع هذه المسرحية في أربعة فصول، وتدور في إطار كوميدي، وتحكي عن أبيفينيا الشابة المليونيرة التي ورثت عن أبيها ثلاثين مليون جنيه إسترليني، وأوصاها أبوها أنها عندما ترغب في الزواج فعليها أن تعطي لمن ستتزوجه مائة وخمسين جنيهًا، وعليه قبل زواجه منها أن يستطيع الوصول بها لخمسين ألف جنيه خلال ستة أشهر، وتقدم إليها ألاسكا الشاب الرياضي الملاكم، ويأخذ منها المائة والخمسين جنيهًا، ويستطيع عن طريق مشاركته لشخص أمريكي أن يخرجا مسرحية، ويكسبا من ورائها مبالغ كبيرة، ويأخذ منها الخمسين ألف جنيه، ويقدمها لأبيفينيا ويتزوجها، ولكنه يكتشف بعد زواجه منها أنها متسلطة سليطة اللسان، وكانت تجيد الملاكمة، وعند اشتداد الخصومة بينهما يتعاركان ويضربها ضربة قاضية ترديها أرضًا، ولكونه لم يسترح معها فقد أحب فتاة أخرى هي بتريشيا الهادئة العاقلة.وأبيفينيا أيضًا تتسلى بعلاقتها بشخص نهم للطعام هو أدريان.ويجتمعون تباعًا في الفصل الأول في مكتب المحامي سجامور، وكانت أبيفينيا قد وصلت أولاً تطلب إلى المحامي أن يكتب لها وصيتها، وتتنازل فيها عن كل أموالها لزوجها، فقد قررت أن تنتحر، وتظن أن هذا المال عندما سيرثه زوجها سيفسده، وحين دخول زوجها وصديقته باتريشيا تتشاجر معهما، وخلال عصبيتها تكسر أحد المقاعد، فتهدأ وتقول للمحامي: إنها ألغت وصيتها التي كانت تعزم على كتابتها عنده، ومن الواضح أن زوجها وصديقته كانا قد جاءا للمحامي ليسألاه عن إجراءات الطلاق من أبيفينيا، ويدخل عليهما أدريان وينسى في نهاية الجلسة السبب الذي من أجله جاء للمحامي.وتخرج أبيفينيا مع أدريان، ويذهبان لفندق قديم قدم لهما طعامًا رخيصًا لم يعجب أدريان، فأبدى غضبه، واتهم أبيفينيا أنها بخيلة تمجد أباها الساذج الذي أضاع كثيرًا من ثروته في أوهام، وهنا تغضب، وتكيل له اللكمات، فيقع صريعًا، ويأخذه سائق عربتها للمستشفى، ويكون من قاطني هذا الفندق البسيط طبيب مصري مسلم يسمع الاستغاثة، فيقبل ويرى أبيفينيا ويسألها عما حدث، فتخبره أنها مريضة، وتحتاج أن يكشف عليها، ويهتم بها ويخبرها أنها بخير، ونعرف منه أنه شخص يهتم بالفقراء، ويساعدهم، ولا يسعى للثروة بل لرضا الله عنه، وتعرض عليه أبيفينيا أن تتزوجه بعد أن تطلق زوجها، وقبل أن تعرض عليه شرطها الذي أوصاها به أبوها يعرض عليها هو نصيحة أمه له حين يرغب في الزواج، وهي أن يعطي لمن يتزوجها مبلغًا بسيطًا من المال، ويرى كيف ستعيش به وبأمثاله فترة من الزمن، وتقبل شرطه، وتعطيه المائة والخمسين جنيهًا. وتذهب لمشغل بسيط، وتكره أصحابه بقوة شخصيتها أن تعمل فيه، وتطوره للأفضل، ولكنها لا تحسّن حالة العاملات البسيطات فيه، وتشتري الفندق الذي ضربت فيه أدريان وتطوره للأفضل.وفي الفصل الأخير يتلاقى في كافتريا ذلك الفندق ألاسكا وباتريشيا، ثم يأتي المحامي وأدريان الذي يبدو به إصابات كثيرة، ويحاول إقناع المحامي برفع قضية تعويض على أبيفينيا، ولكن المحامي ينصحه بعدم رفعها؛ لأن القاضي لن يصدق أن أبيفينيا الجميلة قد ضربت مثله بهذا الشكل، ثم تدخل عليهم أبيفينيا، وترفض دفع تعويض لأدريان، ثم توافق على دفع مبلع عشرة جنيهات في حين أنه صرف مئات الجنيهات في علاجه، ويدخل الطبيب فتقول له: لقد نجحت وعشت بمبلغ قليل في الفترة السابقة، وعملت ماسحة أطباق في هذا الفندق، ثم اشتريته وطورته، وكذلك اشتغلت في مشغل بمبلغ زهيد ثم طورت العمل فيه، ويفاجئها الطبيب بأنه أنفق المبلغ الذي أعطته إياه في مساعدة زوجة أستاذه الذي مات واحتاجت لمن يعينها، وأنه أيضًا طلب إلى الهيئة التي تنفذ اختراع أستاذه أن تعول زوجته وبالفعل عاونتها، ثم يواجهها بحقيقتها، فهي لم تساعد أحدًا، وإنما تركت العمال في بؤسهم واحتالت حتى اشترت الفندق بدون رضا من أصحابه، فهي – كما صورها برنارد شو – مثال للرأسمالي الذي لا قلب لديه.وعلى الرغم من الفروق الكثيرة بين أبيفينيا والطبيب فقد عزمت على الزواج منه، وقالت له: سأطالب الهيئة التي تنفذ اختراع أستاذك بمبلغ كبير؛ لأنك وقفت مع زوجته، وبهذا يتحقق شرط أبي في أنك حولت المائة والخمسين جنيهًا لخمسين ألف جنيه أو أكثر، والغريب أن الطبيب يوافق على رغبتها في الزواج منه؛ لأنه أحبها. ونهاية المسرحية غير مقبولة، فكيف لشخص طيب اعتاد العطاء أن ينجذب لهذه المليونيرة السليطة اللسان التي لا تقدم معروفًا إلا إن كان وراءه منفعة لها!وقد اعتمد شو في بث الكوميديا في هذه المسرحية على شخصية المليونيرة السليطة اللسان التي تستثار بسهولة، وحينذاك تقذف سبابها في وجوه كل من يعترضونها، وهي مع ذلك قوية تستخدم يديها وقدميها في الضرب والركل، ويضاف لهذا أنها ذكية، ولها شخصية قوية.وأيضا صور لنا شو أدريان شخصًا نهمًا للطعام، ويغضب أشد الغضب حين تصطحبه أبيفينيا لفندق طعامه ردئ، ومع هذا فالكوميديا في معظم هذه المسرحية وقورة، أي: أننا غالبًا ما نبتسم في مشاهد منها، ولكننا لا ننفجر بالضحك، كما هو الشأن عند مشاهدتنا أو قراءتنا بعض مسرحيات موليير، وهكذا كوميديات برنارد شو الكوميديا بها فيها قدر من الوقار، وربما كان من أسباب هذا ما في هذه المسرحيات من نقاشات كثيرة عن القضايا التي كان يثيرها فيها برنارد شو.وأخيرًا فقد كانت صورة الآخر فيها – وأعني به الطبيب المصري المسلم – هي المثال للشخص صاحب الفضيلة الذي يواجه طغيان بعض الرأسماليين في الغرب بنقائه وحبه للخير، هذه هي صورة المصري المسلم أو المسلم بشكل عام عند برنارد شو في النصف الأول من القرن العشرين، وهي صورة مشرقة نأمل أن نعيد بريقها في عقول المفكرين والأدباء الغربيين وعند كل إخواننا في الإنسانية بإذن الله.


