مقال الأستاذة عباسية مدوني على صفحات جريدة / الجديد اليومي.
في ضوء إبداع أدب الطفل مع الكاتبة ” أميمة إبراهيم ” من سوريا
رابط المقال :
https://drive.google.com/file/d/1VmgDRvgTj9TZA_dBfwj4X93usLNeEtSY/view?usp=drivesdk
نص المقال :
أميمة إبراهيم من دمشق : رحلة الإبداع والخيال في أدب الأطفال
في عالم أدب الأطفال العربي، تبرز الكاتبة " أميمة إبراهيم " كأحد الأصوات المميزة التي استطاعت أن تجمع بين البساطة الأدبية وعمق الرسالة الإنسانية ، حيث ومنذ بداية مسيرتها الإبداعية، وجدت" أميمة إبراهيم" نفسها مندهشة من قدراتها على التواصل مع الأطفال، لتنتقل بسلاسة من الشعر إلى القصة، مكتشفة أن الحكاية هي الوسيلة الأمثل للوصول إلى خيال الطفل وإشعال روح الفضول والاستكشاف فيه.
تتميز كتاباتها بالاعتماد على ذكريات الطفولة، الأحلام، والخيال الواسع، مع لغة تراعي مستوى فهم الأطفال لكنها تتجاوز حدود العمر أحيانًا لتغذي التفكير وتعزز الإبداع ، كما ساعدها عملها التربوي في فهم عالم الأطفال، والتعرف على قاموسهم اللغوي ومفرداتهم، مع إدخال مفردات جديدة تفهم ضمن السياق العام للنص، مما يجعل القصة جسرًا بين الواقع والخيال، وبين التعليم والمتعة.
إحدى السمات البارزة في أعمالها هي حرصها على التفاعل مع القارئ الصغير، من خلال عرض النصوص في منتديات وأصبوحات خاصة للاستماع إلى ملاحظات الأطفال وآرائهم ، ذلكم التفاعل يمنح النصوص بعدًا حيويًا، ويجعل كل قصة تجربة مشتركة بين الكاتبة والقارئ، حيث يشعر الطفل بأن الحكاية تخصه شخصيًا، وأن صوته مسموع.
ومن أبرز مجموعاتها القصصية تذكر :
- كيف صارت الأحلام حكايا
تتألف من 13 قصة، وتعكس ذكريات الطفلة الحالمة التي كان الحلم سلاحها وصديقها ، ناقلة عالم الطفل الداخلي، حيث تتلاقى الأحلام مع الواقع في مشاهد يومية، مثل اللعب في الطبيعة أو مواجهة المخاوف البسيطة.
القصص تعتمد على لغة شاعرية واضحة، وتتيح للطفل أن يختبر مشاعره ويعبّر عنها من خلال متابعة شخصية الطفلة الحالمة في مواقفها المختلفة. - أسرار الأم والقمر
تضم 10 قصص مفعمة بسحر الذكريات، حيث تشكل العلاقة بين الأم والطفل محور كل قصة ، تركز هذه المجموعة على الجانب العاطفي والنفسي للطفل، وتقدم مفاهيم مثل الحب، الرعاية، والأمان بطريقة سلسة ومباشرة. - على جناح قوس قزح
مجموعة من 11 قصة تمزج بين الخيال والواقع، مع نصوص مثل “وطن” التي تقدم مفهوماً للحرية والانتماء بطريقة شاعرية، تمكن الطفل من تصور عالم خالٍ من القيود والأعداء، عالم يتسع للأحلام والتفاؤل . - غيمة وأغنية
تضم 14 قصة، وتستهدف الأطفال من سن 10 إلى 12 سنة، وتعتبر الأكثر نضجًا من حيث اللغة والمحتوى ، من أبرز النصوص “نصف برتقالة”، الذي أدرج في منهاج الصف الخامس الأساسي، حيث تعكس هذه القصص قدرة الكاتبة على مزج الخيال مع القيم الوطنية والاجتماعية بطريقة طفولية وواضحة. - لسنا صغارا
تتألف من ثلاث قصص رئيسية وعدد من القصص القصيرة، موجهة للأطفال الناضجين فكريًا والذين عاشوا ظروف الحرب أو التحديات الاجتماعية. تركز هذه المجموعة على التغلب على الحزن ونبذ اليأس من خلال الحب، العلم، الطبيعة، والوطن. كما تقدم للأطفال أدوات نفسية للتعامل مع المشاعر المعقدة، وتعلمهم أن القوة الحقيقية تكمن في التفاؤل والعمل والإبداع. - القصص المصورة
أصدرت الكاتبة قصصا مصورة تتميز بالمتعة البصرية والسرد الهادف، منها “الرسام الصغير”، “الشجرة المدهشة”، “من حكايات جدتي”، “القمر ينسج كنزة”، و”قريبتي ساحرة” ، وهي تجمع بين الرسم الجذاب واللغة السهلة، لتمنح الأطفال تجربة متعددة الحواس تعزز الفهم والخيال في الوقت نفسه.
السمات الفنية واللغوية في قصصها
تتميز أعمال” أميمة إبراهيم” بعدة سمات فنية ولغوية تجعلها فريدة في أدب الأطفال منها :
شخصيات محدودة لكنها عميقة: غالبًا طفل واحد أو مجموعة أصدقاء، مما يسمح لكل قارئ أن يجد نفسه في القصة.
لغة شاعرية وواضحة: تراعي قدرات الطفل على الفهم، لكنها غنية بما يكفي لتغذية الخيال وتعزيز التفكير.
الخيال الواقعي: تمزج الأحداث اليومية مع عناصر خيالية تجعل النص ممتعًا وشيقًا.
القيم الإنسانية: تعكس النصوص قيم الحق والخير والجمال، وحب الوطن والطبيعة، والصداقة، والمساواة.
تجربة تفاعلية: عبر أصبوحات وورش عمل للأطفال، حيث يشارك القارئ الصغير في تقييم النصوص والتعبير عن مشاعره، مما يجعل القصة حية ومؤثرة.
تمنح نصوص ” أميمة إبراهيم” الطفل مساحة للاكتشاف والتأمل، وتساعده على فهم ذاته والعالم من حوله ، فكل قصة ليست مجرد حكاية، بل تجربة تربوية متكاملة ، أين يكتشف الطفل الخيال، يتعلم قيم التعاون والحب، ويتعامل مع مخاوفه بطريقة آمنة وممتعة. كما أن النصوص تدفع الأطفال إلى التفكير النقدي والإبداع، وتغرس فيهم حب القراءة منذ الصغر.
و عليه ، ” أميمة إبراهيم” لم تكتب للأطفال فحسب، بل صنعت لهم عوالم كاملة تنبض بالحب والجمال والخيال ، من خلال مجموعاتها القصصية وقصصها المصورة، أين استطاعت أن تجمع بين الذكريات والخيال، بين التعليم والمتعة، وبين القيم الإنسانية والترفيه الأدبي ، حيث تقدم للطفل تجربة متكاملة تساعده على النمو الفكري والعاطفي، وتفتح أمامه آفاقًا للحلم والاستكشاف والتأمل في الحياة والوطن والحب.
ومنه ، تعتبر ” أميمة إبراهيم” مثالًا حيًا على قوة القصة في تشكيل عوالم الطفل، حيث تتلاقى الأحلام بالواقع، وتصبح الكلمات جسورًا نحو فهم الحياة بكل جمالها وتعقيداتها. إن أعمالها تبقى مرجعًا مهمًا لكل من يسعى لفهم عالم الطفولة، والإبداع في أدب الأطفال العربي، مما يجعلها إحدى الشخصيات الأدبية البارزة التي تستحق الدراسة والتأمل في سياق أدب الطفل العربي الحديث. بقلم : عباسية مدوني


