هل يمكن للآلة أن تفهم؟ فتغنشتاين وحدود الذكاء الاصطناعيفي زمنٍ تتسارع فيه وعود الذكاء الاصطناعي، ويُروَّج لفكرة أن الآلة ستفكّر يومًا كما يفكّر الإنسان، يعود سؤالٌ فلسفي قديم ليطرح نفسه بإلحاح: هل التفكير مجرّد معالجة معلومات؟أم أن الذكاء الإنساني أعمق من أن يُختزل في خوارزميات؟يقدّم الفيلسوف النمساوي #لودفيج_فتغنشتاين إجابةً مغايرة للتصوّر الشائع، إذ يرى أن الذكاء لا يمكن أن يكون «اصطناعيًا» بالمعنى الإنساني للكلمة، لأن الفهم لا ينشأ من الحساب، بل من اللغة بوصفها ممارسة حيّة داخل نمط حياة مشترك.#الذكاء الاصطناعي: وهم التشابه مع الإنسانتفترض مشاريع «الذكاء الاصطناعي الشامل» أن العقل البشري يعمل كحاسوب متقدّم، وأن التفكير ليس سوى معالجة للبيانات وفق قواعد. لكن هذا التصوّر، كما يرى فتغنشتاين، يقوم على سوء فهم لطبيعة العقل واللغة.فاللغة ليست نظام إشارات يُحيل إلى العالم فحسب، بل هي نشاط إنساني: أمرٌ، طلبٌ، وعدٌ، سخرية، ألم، مزحة، غضب… وكلّ هذه الاستعمالات لا يجمعها تعريف جوهري واحد، بل تتشابك كما تتشابك ملامح العائلة الواحدة. وهنا يقدّم فتغنشتاين مفهومه الشهير: الألعاب اللغوية.#الألعاب اللغوية ونمط الحياةنحن لا نفهم الكلمات لأنها تُطابق أشياء في العالم، بل لأننا نستخدمها داخل سياقات حياتية مشتركة.فاللغة لا تُفهم خارج «نمط الحياة» الذي نشأت فيه.ولهذا قال فتغنشتاين عبارته الشهيرة:«لو تكلّم الأسد، لما فهمناه»ليس لأن الأسد عاجز عن النطق، بل لأن عالمه، وحاجاته، وتجربته، تختلف جذريًا عن عالمنا.وينطبق الأمر ذاته على الآلة: فحتى لو حاكت اللغة البشرية بدقة مذهلة، فإنها لا تشاركنا نمط الحياة الذي يمنح اللغة معناها.#هل تتبع القواعد يعني الفهم؟قد تستطيع الآلة توليد جُمل صحيحة، والرد بطريقة مقنعة، وربما اجتياز اختبار تورينغ، لكن هذا لا يعني أنها تفهم.فالفرق كبير بين اتباع القواعد وإدراك معناها.هذا ما أكّده لاحقًا جون سيرل في تجربة «الغرفة الصينية»: يمكن تنفيذ التعليمات دون أي فهم حقيقي.وبمنطق فتغنشتاين، الفهم ليس حدثًا داخليًا في الدماغ، بل ممارسة علنية تُكتسب داخل اللغة.#الذكاء ليس في الدماغ وحدهلا ينكر فتغنشتاين دور الدماغ، لكنه يرفض اختزال الذكاء فيه.فالذكاء الإنساني ينشأ من اللغة المشتركة، من العيش مع الآخرين، من المعايير، والتقاليد، والسياقات، والتاريخ.ولهذا فإن مقارنة الذكاء الاصطناعي بالذكاء البشري تشبه مقارنة الطائرة بالعصفور:الطائرة تطير، لكنها لا تعرف الطيران كما يعرفه العصفور؛ لأن الطيران جزء من نمط حياة العصفور، لا مجرّد وظيفة.ماذا يعلّمنا فتغنشتاين اليوم؟لا تُخبرنا فلسفة فتغنشتاين أن نتوقف عن تطوير التكنولوجيا، بل تُنبهنا إلى خطرٍ أعمق:أن نفهم الإنسان فهمًا ناقصًا.حين نعتقد أن العقل مجرّد آلة، فإننا نُفرغ التجربة الإنسانية من معناها، ونختزل اللغة، والوعي، والفهم، في حسابات صمّاء.أما فتغنشتاين، فيذكّرنا بأن الذكاء ليس شيئًا نملكه، بل طريقة نعيش بها مع الآخرين داخل اللغة.وهنا بالضبط، يتوقّف الذكاء الاصطناعي… ويبدأ الإنسان.#كهف الفلسفة#مجلة ايليت فوتو ارت


