كاران جوهر: التفكير في العمل التالي هو سر النجاح في صناعة السينما
عبدالرحيم الشافعي
الفشل علّمني والنجاح حفّزني
في بيت سينمائي خاف على أبنائه من غواية الشاشة، وُلد المخرج والمنتج الهندي كاران جوهر ليجد نفسه أمام جدار عائلي صلب يرى في السينما حقل ألغام لا يجب المشي فيه. هذا المنع كان الوقود السري الذي أشعل فتيل ثورته الفنية، من تسلله خفية إلى قاعات العرض المظلمة هربا من رقابة الأب، إلى تربعه على عرش بوليوود كصانع للأحلام وبطل للحكايات الوجدانية، يروي لنا جوهر في هذا الحوار الشفاف لـ”العرب” كيف حولت الصدفة وكيمياء الصداقة مع شاروخان الفتى الخائف إلى أيقونة سينمائية.
خصّ المخرج والسيناريست والمنتج الهندي كاران جوهر صحيفة “العرب” برواية دقيقة لمسار صعوده داخل بوليوود خلال مشاركته في فقرة حوارات بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وكشف في حديث شفاف كيف تشكّلت تجربته من خوف عائلي وشغف مبكر وصدفة صنعتها السينما، ليصبح اليوم أحد أبرز صناع الصورة الهندية المعاصرة.
انطلق جوهر في حديثه من طفولته الأولى داخل بيت يرى السينما مجالا محفوفا بالمخاطر، رغم أن والده كان أحد كبار منتجي السينما في الهند. وروى كيف جذبت تفاصيل الديكور والألوان والأزياء انتباهه منذ سنواته المبكرة، وكيف شكّلت الأغاني الكلاسيكية هويته الأولى، لتصبح بوابه السري إلى عالم كان الأب يرفض أن يقترب منه خوفا على ابنه من مستقبل غامض.
واعترف المخرج الهندي بأنه كان يتسلل خفية إلى قاعات السينما هربا من القيود المنزلية التي كانت تخشى عليه من عالم بوليوود، موضحا أن كل خطوة سرية كانت تزيد اقتناعه بأن السينما قدره المحتوم، وأن المنع الذي واجهه في بيئته كان الوقود الذي أشعل بداياته، ودفعه إلى اختبار حدود حريته الفنية منذ الصغر، بينما قادته الصدفة إلى اللحظة الحاسمة في مساره حين عمل مساعد مخرج في أحد الأفلام، وهناك التقى لأول مرة بالنجم شاروخان.
خصوصية السينما الهندية تقوم على التجربة الوجدانية، وهو ما جعل بوليوود مدرسة معزولة ومميزة داخل السينما العالمية
وروى لـ”العرب” كيف تحولت مهمة بسيطة في اختيار الملابس إلى بداية علاقة مهنية وإنسانية غيّرت كل مسار حياته، مؤكدا أن الكيمياء التي نشأت بينهما صنعت شراكة أطالت عمرها السينما نفسها، إذ وجّه جوهر حديثه نحو محطة 1998 حين أخرج فيلمه الأول “شيء ما يحدث”، وبيّن أنه لم يكن يتوقع أن يتحول العمل إلى قطيعة فنية مع السائد وإلى نجاح صنع مفاجأة حتى لصانعه، وروى كيف دفعته صدمة النجاح للسفر إلى لندن هربا من الضجيج، قبل أن يدرك لاحقا أن هذا الفيلم رسم بداية طريقه الحقيقي نحو القمة.
وأكد كاران أن خصوصية السينما الهندية تقوم على التجربة الوجدانية لا على سرد الأحداث فقط، وأن المشاهد الغنائية تتطلب وقتاً طويلاً ودقة في التفاصيل قد تعيد الفريق إلى نقطة الصفر بسبب خطأ بسيط، كما بيّن أن هذه الصيغة الفنية القائمة على الإحساس هي ما جعل بوليوود مدرسة معزولة ومميزة داخل السينما العالمية.
وشرح المخرج والمنتج الهندي أسلوبه في تكثيف المشاعر داخل الأفلام عبر اللجوء إلى مشاهد تحت المطر أو في فضاءات عامة تضاعف قوة التعبير، معتبرا أن الجمهور الهندي يبحث عن التجربة الكاملة، لا عن الاختصار، لذلك يرى في الفيلم الطويل عملاً مكتملاً، وفي العمل القصير فيلماً غير ناضج لا يعبّر عن روح بوليوود الحقيقية.
وتناول محطات حساسة من مساره، مثل فيلم “لا تقل وداعا أبدا”، وذكر كيف تردد شاروخان في تجسيد شخصية رجل يخون زوجته خوفا من صدمة الجمهور، مشيرا إلى أنه شجعه على خوض التجربة، مؤكداً له أن الجمهور سيتقبله لأنه شاروخان، قبل أن يتحول الفيلم لاحقاً إلى واحدة من محطاته الجريئة. كما استعاد تجربة فيلم “العيش بدونك مستحيل يا قلبي”، وأقرّ بأنه ساعده على تجاوز جراح عاطفية حقيقية، ومنحه القدرة على إعادة ترتيب مشاعره، وأن السينما، في لحظاتها تلك، تحولت إلى علاج داخلي يعيد بناء توازنه الشخصي ويمنحه قدرة أكبر على الاستمرار.
وعبّر جوهر عن امتنانه للمغرب ولمراكش بشكل خاص، مؤكداً أنه وجد عام 2025 الحفاوة ذاتها التي استقبلته بها المدينة الحمراء خلال زيارته الأولى سنة 2012. وقال لـ”العرب” إن الارتباط العاطفي الذي وجده في المغرب يعزز شعوره بأن السينما لغة تعبر الحدود وتصل إلى القلوب دون الحاجة إلى وسطاء.
ولخص المخرج مسار حياته في عبارته التي ختم بها الحوار قائلا “الفشل علّمني، والنجاح حفّزني”. وأوضح أنه لا ينشغل كثيرا بالإرث الذي سيتركه، بل يهتم بالمشروع المقبل وبكيفية الموازنة بين الإبداع والمال، مشددا على أن الدرس الأهم هو الاستفادة من كل إخفاق، ثم مواصلة الطريق دون خوف، لأن الحركة هي السر الوحيد للنجاة داخل عالم السينما.
وُلد كاران جوهر في مومباي بالهند، ونشأ في بيئة فنية بفضل والده المخرج ياش جوهر مؤسس شركة إنتاج معروفة. تأثر منذ طفولته بالسينما الهندية، ما جعله يقتدي بالمخرجين والفنانين الكبار مثل ياش شوبرا وراج كابور. كوّن علاقات وطيدة مع النجم شاروخان وزوجته غوري خان والفنانة كاجول، وهو ما ساعده على الانخراط في الوسط الفني بسرعة. تعلم مبكرًا أسرار التمثيل والإنتاج والإخراج، واهتم بتطوير قدراته الفنية على جميع الأصعدة. وأضافت هذه الخبرات إلى شخصيته رؤية واضحة وأسلوبًا متميزًا في التعامل مع الفن. وأصبح منذ شبابه شخصية محورية في صناعة السينما الهندية.
بدأ مسيرته الفنية كممثل في فيلم رومانسي شهير من إخراج أديتيا شوبرا، وشارك في كتابة قصة الفيلم أيضًا. جذب الفيلم انتباه الجمهور بسرعة، وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا. اتجه بعد ذلك إلى التأليف والإخراج، مستفيدًا من خبرته في التمثيل وكتابة السيناريو. وقدم برنامجًا ناجحًا بعنوان “قهوة مع كاران”، وحقق شهرة واسعة عبر مواسمه المتعددة. صمم أيضًا أزياء بعض الفنانين، بمن في ذلك شاروخان، لإضفاء لمسة فنية على أعماله. واستمر في تطوير مسيرته عبر العمل في مجالات متعددة، ما جعله شخصية بارزة في بوليوود.
كاران أخرج فيلمه الأول بعد تشجيع صديقه شاروخان الذي ضمن له دور البطولة، وحقق الفيلم نجاحًا جماهيريّا كبيرًا
أخرج فيلمه الأول بعد تشجيع صديقه شاروخان الذي ضمن له دور البطولة، وحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا كبيرًا. تابع إخراج أفلام شهيرة بمشاركة نجوم كبار مثل شاروخان وأميتاب باتشان وكاجول وكارينا كابور، وحقق كل فيلم منها صدى واسعًا لدى الجمهور. أخرج فيلمًا سلط الضوء على العنصرية ضد المسلمين وأثار ضجة كبيرة، كما قدم فيلمًا آخر بمشاركة الفنانين الشباب. وساهمت هذه الأعمال في ترسيخ مكانته كمخرج متميز قادر على تقديم قصص مختلفة ومؤثرة. واصل تقديم أعماله متنوعة بين الأعمال الرومانسية والاجتماعية وأعمال الدراما، مع الحفاظ على جودة الإنتاج والأسلوب الفني.
قدّم كاران أعمالا إنتاجية عديدة أشرفت على أفلام ناجحة بمشاركة نجوم معروفين، وترك أثرًا كبيرًا في صناعة السينما. جمع بين مهارات الإنتاج والتأليف والإخراج ليصبح من أهم صناع السينما في الهند. ساهمت خبراته المتعددة في تطوير أعماله وإنتاج أفلام متكاملة وناجحة جماهيريًا وفنيًا. وأسهمت إدارته للإنتاج في تعزيز صناعة السينما الهندية الحديثة وفتح المجال أمام المواهب الجديدة. ووسع نشاطه أيضًا ليشمل البرامج التلفزيونية والحوارية، ليعزز صورته كفنان متعدد الجوانب. وحقق من خلال هذه الأعمال توازنًا بين الجانب الفني والجانب الجماهيري.
نشّط وأنتج كاران برنامجًا تلفزيونيًا جمع بين الحوار والفن، واستمر في تقديمه عبر عدة مواسم، ما جعله علامة مميزة في الإعلام. أشرف أيضًا على مسابقات رقص تلفزيونية بمشاركة نجوم مشهورين، وساهم في تطوير برامج ترفيهية تجمع بين الفن والتسلية. ساعده هذا التوجه على توسيع نطاق تأثيره خارج مجال الأفلام التقليدية. وأصبح البرنامج منصة للكشف عن النجوم وأساليبهم الفنية، وعزز شعبيته بين الجماهير. واصل تطوير أسلوبه في تقديم البرامج بطريقة تجمع بين الجدية والفكاهة. وترك أثرًا كبيرًا على الجمهور والنقاد على حد سواء.
كتب كاران العديد من السيناريوهات الناجحة التي جمعت بين القيمة الفنية والجاذبية الجماهيرية، مع التركيز على القضايا الاجتماعية والإنسانية، إذ استند في كتاباته على خبراته السابقة في التمثيل والإخراج والإنتاج، وهذا أعطى أعماله تكاملًا وقوة درامية. وحافظ على التزامه بالجودة والإبداع في كل مشروع، وجذب جمهوره بانتظار أعماله الجديدة بشغف. أثبت قدرته على الجمع بين الجانب التجاري والفني بنجاح، وأصبح قدوة للفنانين الشباب. وساهمت أعماله في تطوير السينما الهندية وفتح آفاق جديدة أمام الإبداع. وواصل تقديم أعمال متميزة تجمع بين الرسالة الفنية والجاذبية الجماهيرية.صحيفة العرب
مجلة ايليت فوت ارات

