لا تتعامل دوريندا أوترام مع التنوير بوصفه شعارًا جاهزًا أو مرحلة مكتملة المعالم، بل كحقلٍ إشكالي مفتوح، تشكّل من الجدل بقدر ما تشكّل من الأفكار. في هذا الكتاب، لا تسأل الكاتبة: ما هو التنوير؟ بقدر ما تسأل: كيف عاشه الناس؟ وكيف اختلف معناه باختلاف المواقع الاجتماعية، والجندرية، والجغرافية؟ وهنا تبدأ زعزعة الصورة المدرسية البسيطة التي اعتادت اختزال التنوير في أسماء كبرى وأفكار مجردة.تُظهر أوترام أن التنوير لم يكن فكرة واحدة ولا مشروعًا متجانسًا، بل شبكة كثيفة من النقاشات والصراعات والتطلعات المتعارضة أحيانًا. لم يكن هو ذاته عند الرجال والنساء، ولا عند النخب الشعبية والعامة، ولا عند الأوروبيين وغير الأوروبيين. بل كان، في كثير من وجوهه، تجربة غير متكافئة، ووعودًا لم تتحقق للجميع بالطريقة نفسها، رغم اللغة الكونية التي أحاطت به.وتربط الكاتبة بين الفكر التنويري والتحولات الاجتماعية العميقة التي شهدتها أوروبا: بدايات التصنيع، نشوء الإمبراطوريات الاستعمارية، توسّع الجغرافيا المعروفة عبر الاكتشافات، وتحول أنماط العيش والعمل والمعرفة. التنوير هنا ليس محض ثورة عقلية صافية، ولا مجرد مقدمة آلية للثورات السياسية، بل عامل تاريخي معقّد، تداخل فيه النقد مع السلطة، والتحرر مع الهيمنة، والعقل مع المصالح.قوة هذا الكتاب تكمن في نبرته المتزنة؛ فهو لا يمجّد التنوير بلا تحفظ، ولا يدينه بوصفه مشروعًا استعماريًا صرفًا، بل يعيد وضعه في سياقه التاريخي، كحدث إنساني مليء بالتناقضات. بهذا المعنى، يصبح التنوير تجربة قابلة للفهم والنقد معًا، لا أسطورة تُعبد ولا خطيئة تُدان.ولعل ما يمنح هذا العمل راهنيته الخاصة هو صلته غير المباشرة بأسئلتنا العربية المعاصرة: أسئلة النهضة، والعقل، والقطيعة مع الماضي، وحدود الاقتباس من التجارب الغربية. فقراءة هذا الكتاب لا تعني النظر في تاريخ أوروبا فحسب، بل التفكير في مصائرنا الفكرية نحن، وفي الكلفة التي ندفعها حين نختزل الأفكار الكبرى أو نستعيرها بلا مساءلة.إن التنوير، كما تقدّمه دوريندا أوترام، ليس محطة أُغلقت في الماضي، بل سؤالًا مفتوحًا حول العلاقة بين العقل والحرية، بين المعرفة والسلطة، وبين الوعد الإنساني وحدوده الواقعية.🔗 رابط التحميل https://www.facebook.com/share/1KP74Y3BTZ/#التنوير #دوريندا_أوترام #الفكر_الحديث #تاريخ_الأفكار #الحداثة #نقد_التنوير #التاريخ_الأوروبي #العقل #صفحة_الفلسفة_كنمط_للعيش#مجلة ايليت فونو ارت