يتابع :هادي ياسين تعريفنا بفيلم ( الحب في زمن الكوليرا Love in the Time of Cholera ).عن رواية ماركيز.

فيلم ( الحب في زمن الكوليرا Love in the Time of Cholera )
الكاتب هادي ياسين
( منذ اللحظة التي ثبّتُ فيها عينيّ عليكِ .. حتى الآن ، أكرر من جديد عهدي اليكِ بالإخلاص الدائم و بالحب الأبدي )
طوال 3 سنوات كانت المفاوضات تجري بإلحاح مع الروائي الكولومبي ” گابريل گارسيا ماركيز ” كي يوافق على تحويل روايته الشهيرة ( الحب في زمن الكوليرا ) الى فيلم سينمائي حتى اقتنع ، فباع حقوق نشر الفيلم مقابل ثلاثة ملايين دولار أمريكي ، فبدأ التصوير في شهر أيلول ـ تشرين الأول 2006 في كولومبيا ليكون الفيلم جاهزاً للإصدار في تشرين الثاني ـ نوفمبر 2007 بميزانيةٍ كلّفت 50 مليون دولار ، ولكن شباك التذاكر جاء بأقل من 32 مليوناً .
كان رفضُ ” ماركيز ” مبنياً على قناعةٍ مفادُها أن السينما تـُـفقِـد الرواية ، أيَّ رواية ، قيمتَها الأدبية عندما تتحول الى فيلمٍ سينمائي . من حق ” ماركيز ” أن يحرص على عمله الأدبي الذي استغرق زمناً من السهر و التفكير و الكتابة ( صدرت الرواية عام 1985 ) ، ولكن ليس كل ما يقوله صحيحاً دائماً ، غير أنه يتوافق مع المتلازمة التي اعتاد بعض النقاد على إطلاقها في نقدهم لأي فيلم اعتمد على رواية : ( الفيلم شوّه الرواية ) . إنهم يريدون من المخرج أن يتخلى عن خياله السينمائي و يمشي على وقع خطى الخيال الأدبي لدى الكاتب ، غافلين عن حقيقة أن المخرج إنْ هو إلا مؤلف ثانٍ . فمهمة الكاتب تنتهي مع انتهائه من وضع اللمسة الأخيرة على روايته و خروجها الى القراء ، أما المخرج فتبدأ مهمته مع اللقطة الأولى و تنتهي مع اللقطة الأخيرة و عرض الفيلم للمشاهدين ، فإذا جاء الفيلمُ غيرَ موفقٍ فذلك لا يعني أنه ( شوّه ) الرواية . فتلك مهمة الكاتب الأدبية و هذه مهمة المخرج السينمائية ، و من غير الصحيح دائماً تقييم العمل السينمائي بمقارنته مع النص الروائي ، ذلك أن لكل منهما لغته و أدواته . فإذا فشل الفيلم فالفشل يبقى في حدود الفيلم و لا يعبر الى الرواية ، و في هذه الحالة فإن المخرج هو الذي يتحمل مسؤولية فشله ، و علينا أن ننظر إلى الفيلم كعمل مستقل استند في مضمونه على رواية .
هناك آراءٌ ترى أن فيلم ( الحب في زمن الكوليرا ) لم يرتقِ الى مستوى الرواية ، و هذا صحيح ، لأن الرواية كانت عملاً أدبياً مذهلاً من الصعوبة أن يأتي مخرج و ينقل روحها الى الشاشة ، ولكن الفيلم كان مغامرةً و كانت له جرأة التجريب مع هذا العمل الأدبي الفذ الذي لم يُكتب عمل روائي في القرن العشرين ، و ربما ماقبله و مابعده ، يرتقي الى مستواه في تناوله لموضوعة الحُب .
ولكن وَفقاً لمجلة ( ريڤيستا سيمانا ) الكولومبية فأن ” ماركيز ” صاح ( براڤو ) و ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة بعد انتهائه من مشاهدة النسخة النهائية من الفيلم التي عرَضها عليه المُنتج في المكسيك . غير أن النقاد استقبلوا الفيلم بجفاء ، وخصوصاً النقاد الإنگليز ، و هذه عادتهم في كونهم لا يعجبهم العجب ، و يتذكر الجميع موقفهم السلبي من فيلم ( المريض الإنگليزي ) ، حتى أنهم سخروا من عنوانه في برنامجٍ تلفزيوني ، ولكنه فاجأهم بترشيحه لإثنتي عشر جائزة أوسكار . ولكن مع ذلك ، فأن ثمة حقاً للنقاد المنتقدين ، لأن رواية ( الحب في زمن الكوليرا ) روايةٌ عظيمة و لا يليقُ بها غيرُ فيلمٍ ملحمي يرتقي الى مصافها .
عندما كتب ” ماركيز ” رواية ( الحب في زمن الكوليرا ) كان الجميع في العالم بانتظارها ، و ما أن ظهرت ، بلغتها الإسپانية ، حتى سارع المترجمون الى ترجمتها الى لغاتهم ، و منها العربية التي نقل الرواية اليها المترجمُ القدير الراحل ” صالح علماني ” الذي ترجم العشرات من روايات أمريكا اللاتينية أيضاً و منها رواية ” ماركيز ” الشهيرة ( مئة عام من العزلة ) و التي أحدثت إنعطافةً في فن الرواية العالمية و أسست لِما اصطُلِح عليه باسم ( الواقعية السحرية ) ، و لفتت الإنتباه الى آداب أمريكا اللاتينية ، المُهمَلة أو المركونة أو المنسية ، و هي الرواية التي أسست لشهرة ” ماركيز ” و نال عنها جائزة نوبل للآداب عام 1982.
يمكن اعتبار رواية ( الحب في زمن الكوليرا ) أفضل رواية حبٍ كُتبَت في القرن العشرين . إذ ما من مثقفٍ و أديبٍ و قاريءٍ في العالم لم يقرأها ، و ما من أحدٍ قرأها و لم يقع تحت تأثير سحرها ( شخصياً ، أمضيتُ نحو شهرٍ لم أقرأ كتاباً بعد أن قرأتها للمرة الأولى .. كي لا أُفسِدَ مُتعةَ الأيام الثلاثة التي أمضيتُها في قراءتها ) .
تبدأ أحداثُ الرواية في نحو عام 1880 و تنتهي عام 1930 ، و هي فترة نصف القرن التي كان قلبُ ” فلورنتينو أريثا ” ( لعب دورَه ” خافيير باردم ” ) ينبض فيها بحب ” فرمينا داثا ” ( لعبت دورَها ” جيوڤانا ميزوگيورنو ” ) ، و لم يستطع نصفُ القرن هذا أن يمحو صورتها من ذاكرته و لا وجودَها من حياته ، رغم تقلبات الحياة و الحروب و الأزمات و الأمراض المتفشية و تقدم العمر ، و قد بلغ كلٌ منهما السبعين من عمره . السبعون من العمر يعني الولوج في مرحلة الشيخوخة ، يعني اليأس من الأحلام ، يعني تناثر الآمال على جانبي طريق ما تبقى من العمر ، و هذه هي الحصوة التي التقطها ” فلورنتينو ” و رماها في بحيرة ” فرمينا ” الساكنة ، ليوقظ فيها حنيناً الى الشباب ، و يوقظ معنىً خفياً للحياة المتسربة إسمهُ الحب في السبعين من العمر . يقول لها بعد مراسيم توديع زوجها المتوفى : ( فرمينا ، لقد انتظرتُ هذه الفرصة منذ واحدٍ و خمسين عاماً و تسعة أشهر و أربعة أيام . هذا هو عمرُ حبي لكِ ) . و هذا البوحُ الصادق كان وحدَهُ كافياً لأن يدفعنا الى التفكر في عمق هذا الحب ، و الذي يدفعنا الى وضع كل قصص الحب في التاريخ ، التي قرأناها أو سمعنا عنها ، جانباً . هذا البوحُ مفتاحٌ لتأمل حبٍ نادرٍ ، يكاد يكون خرافياً ، إبتكره ” ماركيز ” ــ وَحدَهُ ــ بخياله الأدبي العبقري ، لذلك فقد كان يمتلك الكثير من الحق في حرصه على أن لا يلوث أو يحرّف أحدٌ تحفته الأدبية المذهلة ، أكان في السينما أو المسرح أو أي ميدان إبداعي آخر .
يبدأ الفيلم بمشهد غير موفق من حيث السيناريو ، و غير مُقنع من حيث التمثيل .. و لا حتى التصوير ، حتى أستقام الأمرُ ابتداءً من مشهد التشييع . لقد استحضرالمخرج ” مايك نويل ” كل جهده في أن يَخرج من العمل الروائي بعمل سينمائي مقبول ، ولكن يبدو أن الخلل كامنٌ في السيناريو الذي كتبه ” رونالد هاروود ” و الذي يبدو أنه اقتصر على الوصف العام في الرواية و لم يسعَ الى التغلغل في نفوس أبطالها لينقل روح الرواية الى السيناريو ، و قد فاته أن ” ماركيز ” إنما يكتب رواياته بذهنية سينمائية ، و هي في الأساس تشكل أرضيةً لأي كاتب سيناريو يعمل على نقل رواياته الى السينما . و في الوقت الذي كان بإمكان التصوير أن يمنحَ زخماً للفيلم إلا أن كاميرا المصور البرازيلي ” أڤونسو بياتو ” إقتصرت على اللقطات الضيقة و لم تمنح المَشاهد أفقاً مريحاً لعين المُشاهد إلا في لقطات واسعة قليلة في نهاية الفيلم ، و هو المصور الذي لديه رصيدٌ جيدٌ من تصوير الأفلام منذ عام 1965 . ولكن على الرغم من هذه الملاحظات فمن غير الصحيح أن نقول أن الفيلم قد شوّه الرواية ، لكن يمكننا القول أنه لم يرتقِ الى مستواها ، و ذلك ليس أمراً سهلاً ، فالمخرج خاض المغامرة سينمائياً في التجريب مع روايةٍ زئبقية من حيث السرد . و كان موفقاً في ختم الفيلم بما كانت روح ” فلورنتينو أريثا ” تبوحُ به :
( بعد 53 عاماً و 7 شهور و 11 يوماً و ليلة
أصبح قلبي في النهاية راضياً
و اكتشفتُ ــ لفرط سعادتي ــ
أن الحياة ، وليس الموت ، هي ما لانهاية لها )
و يمضي الفيلم الى خاتمته مرفقاً بصوت ” شاكيرا ” :
( كلَّ يومٍ أفكرُ فيك
أفكر فيك أكثرَ قليلاً
أمزقُ عقليَ أشلاءً
و أستمرُ في التفكير بك
و أستمر في التفكير … ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اضغط على الرابط التالي لمشاهدة الفيلم غير مترجم للعربية لان النسخة المترجمة للعربية لم اجدها في نفس المنصة
https://ok.ru/video/2232946657819

أخر المقالات

منكم وإليكم