من لوثر الى نتيشه الكاتب جان إدوار ستبله، في قراءة للفكر الالماني

الفكر الألماني من لوثر إلى نيتشه – جان إدوار سبنله
La pensée allemande de Luther à Nietzsche – Jean-Édouard Spenlehauer

يرسم هذا الكتاب مسارًا فكريًا كثيفًا لتكوّن الروح الألمانية، في تلك المسافة الممتدّة بين لوثر ونيتشه، حيث لم تكن الأفكار مجرّد تأمّلات نظرية، بل قوى تاريخية أسهمت في تشكّل القومية الألمانية واكتشافها لمقوّماتها الخاصة. هنا يولد الفكر لا في عزلة الفلسفة، ولا في هوامش الأدب، بل في تلك النقطة العميقة التي تنبثق منها الأسئلة الكبرى قبل أن تتخصّص في حقولها المعروفة.
لا يقدّم سبنله تأريخًا تقليديًا للفلسفة الألمانية، ولا دراسة أدبية أو سوسيولوجية بالمعنى الصارم، بل يشتغل على المستوى التأسيسي الذي سبق هذه التقسيمات. إنّه بحث في المنابع الأولى للفكر، في اللحظة التي كان فيها العقل الألماني يبحث عن صوته الخاص وسط أوروبا تموج بالتحوّلات.
يركّز الكتاب على مرحلتين حاسمتين.
الأولى هي المرحلة الكلاسيكية (l’époque classique / Aufklärung)، حيث كانت ألمانيا واقعة تحت التأثير القوي للفكر الفرنسي وروح ثورة 1789. في هذه المرحلة، يظهر التنوير الألماني وهو يحاور العقلانية الفرنسية، ويعيد صياغتها ضمن أفق أخلاقي وتربوي خاص.
أمّا المرحلة الثانية فهي الرومانيتيكية (Romantisme)، حيث تنقلب ألمانيا على النموذج المستورد، وتكشف عن ذاتها الفكرية العميقة: الاحتفاء بالذات، بالطبيعة، بالتاريخ، وبالبعد الروحي الذي ميّز تجربتها الثقافية.
في هذا السياق، تمرّ أسماء كبرى لا بوصفها محطّات معزولة، بل كعُقد داخل نسيج واحد: لوثر بوصفه مفجّر العلاقة الجديدة بين الفرد والضمير، فيخته وهيغل في إعادة بناء العقل والتاريخ، ماركس في نقد الحداثة من داخلها، وصولًا إلى نيتشه الذي دفع الفكر الألماني إلى أقصى حدود المساءلة والقطيعة. وإلى جانب الفلاسفة، يحضر الشعر والموسيقى بوصفهما تعبيرين متكاملين عن الروح نفسها، مع جوته وفاغنر، حيث يتحوّل الإبداع إلى فلسفة ناطقة.
قيمة هذا الكتاب لا تكمن فقط في غناه المعرفي، بل في وضوحه وقدرته على الإمساك بالخيط الناظم لهذه التجربة الفكرية المركّبة، ما يجعله مرجعًا أساسيًا للمثقّف، وأداة ثمينة للطالب الجامعي الباحث عن رؤية شاملة غير مجزّأة. والأهم من ذلك، أنّه يضع القارئ أمام المشكلات الكبرى التي فجّرها الفكر الألماني، ويفتح له مسالك جديدة للتفكير في الإنسان، والتاريخ، والمعنى.
إنّه كتاب لا يكتفي بأن يشرح كيف فكّر الألمان، بل يلمّح إلى كيف يمكن للفكر الإنساني، في كل زمان، أن يعثر على صوته الخاص وهو يصارع تراثه وحداثته في آن واحد.

رابط تحميل الكتاب
https://book-shadow.com/files/fhrst12/449.pdf
الفلسفة كنمط للعيش
مجلة ايليت فوتو ارت

أخر المقالات

منكم وإليكم