معرض“فليكن اللون..وليتنفّس العالم”لوحات حداثية تحرر المشاعر الإنسانية.بريشة التشكيلية الاردنية: هبة صويص.


لوحات حداثية تحرر المشاعر الإنسانية بريشة هبة صويص

رسم صادق للطبيعة
عمّان – يمثل معرض “فليكن اللون.. وليتنفّس العالم” انعطافة في مسيرة الفنانة التشكيلية الأردنية هبة صويص، التي اتجهت إلى استثمار قوة اللون للتعبير عن السلام الداخلي الذي يمكن أن يمرره اللون إلى المشاهد، محولةً أسطح لوحاتها إلى ما يشبه الحوار الصامت بينها وبين المتلقي، ومستثمرةً قدراتها في الفن التعبيري الحديث للموازنة بين إحساس اللون وجماليات التشكيل.
ويعكس المعرض المقام في غاليري دار الأندى فلسفة الفنانة التي تقوم على فكرة أن للّون في حد ذاته وجودًا وتأثيرًا، فهو قادر على أن يمنح العالم طاقة للحياة، لذلك نقرأ في تقديم الفنانة لمعرضها ما يعبّر عن هذه الرؤية: “في لحظة ما، تتفتح الرؤى على اتساعها.. تمتد السماء بأزرق الياقوت وبرتقالي الغروب، وتتنهد الجدران الرمادية برمل الصحراء ولهيب متدرج.. للصمت طيف، وللظل خفقة قلب، وللوجود ما لا يُلمَس.”
ويشتمل المعرض على الأعمال التي تتنوع موضوعاتها بين الطبيعة والمناظر الساكنة والبورتريه، وفيها استخدمت الفنانة المزج بين الألوان الزيتية والأكريليك، كاشفة عن نهلها من ذاكرتها البصرية ومن مخزونها الشخصي ورؤيتها الذاتية للمشاهد، ما منح أعمالها سمة الطابع الحداثي التعبيري، حيث أعادت صياغة الطبيعة لا من منظور موضوعي، بل بوصفها انعكاسًا للشعور الإنساني، وحرصت على رسم خطوط وألوان تعبّر عن الحركة الداخلية والتناغم الخلّاق بين الفوضى والتنظيم، وهذا ما جعل من اللوحات أشبه بمقطوعات موسيقية ذات نسيج درامي تصاعدي.
معرض يعكس فلسفة الفنانة التي تقرّ بأن للّون في حد ذاته وجودا وتأثيرًا، فهو قادر على أن يمنح العالم طاقة للحياة
ويتضح هذا الاشتغال في اللوحات التي تناولت مشاهد الأشجار ذات الأغصان المتشابكة على نحو بديع، أو الجبال التي تتراصّ جنبًا إلى جنب بينما تخترقها الوديان بإيقاع لوني منسجم، حيث تركز على مشاهد جمعية للطبيعة، بمعنى أنها لا تتناول مفردة واحدة كشجرة مثلًا؛ إنما مجاميع من الأشجار، ومجاميع من الأزهار ومن المسطحات البانورامية، وهو ما يمنح المتلقي شعورًا بعظمة المشهد وقوة اللون.
بكلمات شعرية تقدم الفنانة هبة صويص لمعرضها، حيث تقول “هذا المعرض هو محاولة لإعادة إنتاج البدايات، حين كان اللون أول ما نطقه الضوء.” وتضيف “الفنّ بالنسبة إلي حرية، فأنا أمارس حرّيتي الفكرية من خلال اللوحة. بينما يعبّر الشاعر عن أحلامه وهواجسه وتطلعاته إلى الحياة بقصيدة شعر، تكون الألوان حروف لوحتي. اللون هو لغتي التي تعكس ما يدور في داخلي.”
وحول علاقتها مع الطبيعة تقول “ليس هناك أصدق من رسم الطبيعة لتمثل النفس البشرية والشعور الإنساني. وجدت أن حالة النفور والانسجام للإنسان تشبه الطبيعة إلى حد بعيد،” وترى أن الحداثة في التشكيل والفنون البصرية عامةً، ما هي إلا إصرار على الابتكار والتجديد الدائم، حتى لو انطلق ذلك من المفاهيم المحلية ومحمولها الفكري والثقافي، وتشدد على علاقة لوحتها بالطبيعة والعلاقة الشعورية التي تربط الإنسان بالبيئة وكل ما فيها من تجليات جمالية.
وتعتبر الفنانة التشكيلية هبة صويص أن “الفنّ حرية”، وأن اللوحة هي وسيلتها لممارسة هذه الحرية، حيث دعت اللون ليكون “حرفًا” ينطق بما في داخلها كما ينطق الشاعر بقصيدته، من هنا يمكن قراءة العلاقة المتينة التي شيدتها الفنانة بين لوحاتها والطبيعة كشريك ومرآة للنفس البشرية، إذ تؤمن بأن المشاعر الإنسانية تتماهى مع العناصر الطبيعية، وأن الحداثة الفنية تتجلى في قدرات التجديد والابتكار حتى وإن انطلقت من جذور محلية ومن مشاهد مألوفة. ولعل الملفت في أعمالها المعروضة ذلك الطابع العميق الذي يستكشف بهدوء تفاصيل المشاهد الدقيقة ويتأمل فيها مشيرًا في الوقت نفسه إلى مواطن العمق والجمال في أكثر الأشياء رقة وهشاشة.

وهبة صويص فنانة تشكيلية من مدينة الفحيص الأردنية، تحمل شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال بالإضافة إلى دبلوم في الفنون الجميلة من المعهد العالي للفنون التابع لوزارة الثقافة الأردنية. بدأت رحلتها الفنية بمعرضها الشخصي الأول “اعترافات لون” عام 2016، الذي احتضنه غاليري “وتر” في الفحيص برعاية الأميرة رجوة بنت علي، وتميز هذا المعرض بجمالية خاصة استخدمت فيها الفنانة الألوان والضوء للتعبير عن مشاعرها الداخلية. ثم كان لها تعاون فني وتعليمي مع الفنان الراحل سعيد حدادين، ولاحقًا قدمت معرضا بعنوان “منحوتات الشجر” عام 2022 في موقع أثري بالفحيص، ركّز على أشجار الزيتون النادرة في الأردن، مازجةً بين الفن والتراث الطبيعي المحلي.
وتؤمن الفنانة بأن الفن هو مساحة للحرية والتعبير الشخصي، وتعتبر اللون أداة تعبيرية تتجاوز الشكل، حيث تصف الألوان بأنها “حروف لوحتي” التي تنقل الأحلام والهموم والانفعالات الإنسانية. وتتمحور رؤيتها الفنية حول تقديم “وجوه النساء” كرموز للانفعالات الصامتة والرسائل غير المنطوقة. وتتأرجح أعمالها بين الألم والأمل، الواقع والخيال، وتدعو المشاهدين إلى قراءة الوجوه لا بالنظر فقط، بل بالاستماع إلى ما تخبئه من حكايات. واليوم تمثل هبة أحد الأصوات التشكيلية المؤثرة في المشهد الثقافي الأردني، وتُسهم بشكل فعّال في إغناء هوية الفحيص كمدينة ثقافية وفنية.
صحيفة العرب




أخر المقالات

منكم وإليكم