مارغريت آتوود” في رواية( عالم جلعاد) التي تحولت لمسلسل تلفزيوني.
في عالم جلعاد، وبسبب أزمة الخصوبة العالمية، لم تعد المرأة إنساناً. تم اختزال وجودها بالكامل في “وظيفتها البيولوجية”.
المسلسل يطبق بشكل مرعب مفهوم “السياسة الحيوية” (Biopolitics)؛ حيث لا تكتفي الحطومات بحكم الأرض والحدود، بل تحكم الأجساد والوظائف الحيوية.
جون (Offred) هي “رحم ذو ساقين”. الزي الأحمر هو “غلاف المنتج” الذي يشير إلى وظيفتها. عندما تصبح الدولة هي المالكة لجسدك، يصبح الحمل ليس خياراً شخصياً، بل واجباً وطنياً، ويصبح الإجهاض أو منع الحمل “خيانة عظمى”. هنا، تُلغى المسافة بين “الشخصي” و”السياسي” تماماً.
لماذا يُجبرن على تغيير أسمائهن؟ (Offred) تعني حرفياً (Of Fred) أي “مِلكٌ لفريد”.
في علم النفس والاجتماع، الاسم هو جوهر الهوية. عندما تنتزع السلطة اسمك، فهي تقطع صلتك بماضيك، وبتاريخك، وبإنسانيتك.أنتِ لستِ كياناً مستقلاً؛ أنتِ ملحق بكيان. هذه التقنية استُخدمت تاريخياً في العبـ.ـ.ـودية وفي المعـ.ـ.ـتقلات؛ تحويل الإنسان إلى “رقم” أو “صفة” لكسـ.ـر روحه وتسهيل السيطرة عليه.
الشخصية الأكثر تعقيداً وإثارة للجدل هي “سيرينا جوي”. هي التي ساهمت في كتابة قوانين هذا النظام، لتجد نفسها لاحقاً ضحـ.ـية له (ممنوعة من القراءة والكتابة التي كانت تمتهنها!).
سيرينا تمثل الفئة التي تضحي بحرية جنسها مقابل “وهم السلطة” أو “الحماية”. لكنها تكتشف متأخرة أن السـ.ـ.ـجـان قد يكون سجـ.ـ.ـيناً أيضاً في الـ.ـزنزانة التي بناها. النظام الأبوي المـ.ـتطرف لا يستثني أحداً، حتى من ساعدوا في بنائه.
التحية الرسمية في جيلياد هي تذكير دائم بالمراقبة. ليس فقط مراقبة الله، بل مراقبة الجواسيس (العيون).
هذا يذكرنا بنظرية “البانوبتيكون” (Panopticon) للفيلسوف ميشيل فوكو؛ السجـ.ــن الذي يرى فيه الحارس كل السجـ.ـناء دون أن يروه. في جيلياد، الخـ.ـوف من أن يكون جارك، أو صديقتك، أو السائق جاسـ.ـوساً، يجعل الجميع يمارس “الرقـ..ـابة الذاتية”. السلطة هنا لا تحتاج لضربك كل يوم، يكفي أن تزرع “شرطياً صغيراً” داخل عقلك يمنعك من التفكير في التمرد.
رغم السواد الحالك، المسلسل هو نشيد للمقاومة. لكنها ليست مقاومة بالسيوف، بل مقاومة بالذاكرة.
حين تحفر جون عبارة Nolite te bastardes carborundorum (لا تدع الأوغاد يطحنونك)، أو حين تهمس باسمها الحقيقي في الظلام، هي تعلن: “أنا ما زلت هنا.. أنا أملك عقلي”.
الدرس الأهم يمكنهم امتلاك الجسد، يمكنهم تقييد الحركة، لكن المساحة الوحيدة التي لا يمكن لأي ديكتـ.ـ.ـاتورية احتلالها بالكامل هي “الوعي الداخلي”، طالما حافظ الإنسان على ذكرياته…
أكثر جملة مرعـ.ـبـ.ـة قالتها مؤلفة الرواية “مارغريت آتوود” هي: “لم أضع في الكتاب أي شيء لم يحدث بالفعل في مكان ما وزمان ما في التاريخ”. جيلياد ليست خيالاً محضاً؛ هي تجميع لأسـ.ـ.ـوأ ممارسات البشرية عبر العصور.
✍️ Beyond Fiction


