للفنان السوري:دلدار فلمز.تم إفتتاح معرضه “محو المسافة بين الكلمة واللون” في البحرين بغاليري“آرت كونسيبت”- تقديم: سيمون مورير .


افتتاح معرض “محو المسافة بين الكلمة واللون” للفنان السوري دلدار فلمز، في غاليري “آرت كونسيبت”
سيمون مورير
اللوحة المرفقة من أعمال الفنان السوري دلدار فلمز، وتُعرض في معرض له بعنوان “محو المسافة بين الكلمة واللون” المقام حالياً في غاليري “آرت كونسيبت” في المنامة (1 – 30 ديسمبر الجاري)
ينشر هذا النص بالتوازي مع افتتاح معرض “محو المسافة بين الكلمة واللون” في غاليري “آرت كونسيبت” في المنامة وصور العدد هي لأعمال من هذا المعرض:
يتناول فن الرسام والشاعر السوري دلدار فلمز ما يُشكّل العالم في عمقه وما يجمعه ويجعله قائماً ومتماسكاً، وأعني به الروابط بين الإنسان والحيوانات والطبيعة.
يُبرز دلدار بوضوح هذه الخطوط التي تربط بين البشر والحيوانات والطبيعة في لوحاته، فتظهر هذه الخطوط بنفس السواد العميق الذي يُصوّر به البشر عادةً، بشر بلا عيون ككيانات محدّدة بوضوح وسط محيطهم غير البشري، أما ما في داخلهم فلا يتدخل فيه وكأن ذلك شأن خاص جدًا بالنسبة إليه. إن احترامه لفرادتهم يجعله يترك دواخلهم بلا تدخل وغير ملموسين؛ مجرد مساحات سوداء ذات حدود واضحة، فهو يرى البشر من الخارج، وكل ما يجري في دواخلهم لا يظهر إلا عبر حركاتهم، وفي هذه الحركات هناك الكثير.
في الحالة المثالية، تكون الروابط بين البشر سليمة، أما هنا فيتدفق التواصل بينهم عبر الخطوط السوداء التي تربطهم، التواصل مصنوع من المادة نفسها التي يتكون منها الإنسان. إنه شيء إنساني تماماً، كما لو أن البشر يتبادلون دماءهم من خلال هذا التواصل.
في أعمال دلدار، يمكن للبشر حتى أن يندمجوا ويشكّلوا جسدًا واحدًا ويتشاركونه، ومن هذا الجسد يمكن أن ينمو رأسان أو أكثر، وما نسميه المجتمع يعمل بالطريقة نفسها وذلك عبر الروابط.
في فن دلدار فلمز – وللأسف أيضًا في عالمنا – لا تتواجد الحالة المثالية فحسب، بل هناك نقيضها: الكارثة. عندما تُقطع جميع خطوط الاتصال بين الكائنات وتحطم حين يُعزل الناس والحيوانات، حين يتركون وحيدين، يطاردون في هروبهم أو يحبسون ويعزلون.
الحرب هي الأسوأ بالنسبة للحيوانات”، هذا ما قاله لي دلدار وهو يرسم على جدران متحف “هيلمهاوس” في زيورخ حيوانين عملاقين أسودين بعينين حمراوين، يمتدان عشرة أمتار على طول الجدار، بألوان الأكريليك وبالقهوة أيضاً، حيث كانت اللوحة تفوح برائحة القهوة.
قال لي إنه لم ينم لليلتين، لأنه كان يعذب نفسه بالتفكير في الذي سيرسمه على تلك الجدران الهائلة. في النهاية اختار الحيوانات وقال: “لأنها لا تفهم ما هي الحرب. لذلك، الحرب ليست سيئة لأحد كما هي سيئة للحيوانات. الحيوان لا يعرف ما الذي يحدث حوله وهنا لا يبقى له سوى الغريزة وهي الفرار بعيدًا عنها، إذ إن البقاء أسوأ من الرحيل، هذا ما تقوله الغريزة”، وتلك الحيوانات التي يرسمها أيضاً هي رموز للبشر أنفسهم.
شهد دلدار كل هذا بنفسه، فهو لم يقرأ عنه في صحيفة أو كتاب، بل اختبره، فقد عاش السجن، والتهديد والعزلة مثل صديقه الكاتب فرج بيرقدار الذي ترجم دلدار قصائده إلى لوحات عرضها في مؤسسة “رويغ” في زيورخ.
يعيش دلدار الآن في شقة قرب زيورخ، في سويسرا، على بعد آلاف الكيلومترات من سورية، إنه بأمان هنا. الأمان هنا صامت تمامًا ولا شيء يحدث، صمت لا يخلو من القسوة، لأنه يضعه وجها لوجه أمام الماضي. هنا يرسم – ويتذكر؛ يتذكر الكوارث ويتذكر الاندماج الإنساني أيضاً.
يُظهر لنا دلدار فلمز كيف يعمل العالم. يود المرء أن يُسمّي ما يفعله “مسرح العالم”. لكن للأسف، المصدر الذي يستقي منه ليس المسرح، بل هو الواقع الذي يتكرر مرارًا وتكرارًا ، على الرغم من اتفاقيات السلام هنا وهناك، فلا يزال الناس يريدون المزيد، يريدون ما لا يملكونه، ما يملكه جارهم ولا يملكونه هم. يحسدونه عليه ويريدونه لهم أيضًا. يريدون أن يكونوا الأعظم.
درس دلدار فلمز عن العالم يتعلق بالكبير السياسي كما يتعلق بالصغير الشخصي. إنه يغطي الحياة كلها، الفردي وكذلك الجماعي. يُظهر دلدار العالم كجحيم، وفي الوقت نفسه يُظهر الدفء الإنساني كما نتوق إليه. إنه فن يمكن فهمه في كل مكان في العالم، لأنه يُظهر ما يجمعنا، أي المشاعر الجميلة والمدمرة.
لكن هذا الفن لا يُظهر فقط ماهية العالم، إنه يظهر طريقاً، إنه يقدم بوصلة، ويذكرنا بالقيم التي يمكن أن نسترشد بها، وأهم هذه القيم هو التواصل فيما بيننا عبر الاختلافات الثقافية وغيرها، الاحترام المتبادل، تقبل اختلافاتنا، لأن الشيء الوحيد الذي يجمعنا وهو أننا جميعًا مختلفون.
هذا الفن هو نداء متوقد ودافئ لأن تبقى خطوط التواصل مفتوحة وصامدة، متجاوزين كل صعوبات الفهم، لأنه ورغم كل شيء فإن المستقبل يحمل إمكانيات ويمكننا محاولة تشكيله، بالطريقة التي نريدها، إذا أردنا ذلك وإذا امتلكنا القوة للقيام بذلك.
فن دلدار فلمز يمنحنا الشجاعة والقوة للإيمان بمستقبلنا، لنأخذه بأيدينا، لنتكاتف معاً.
زيورخ 2025
سيمون مورير
ناقد فني سويسري ومدير متحف هِلمهاوس في زيوريخ

– مجلة أوكسجين الثقافية

أخر المقالات

منكم وإليكم