كيف يبدو الكومبارس (أشخاص بلا ملامح ولا أسماء) بين المشاركة الصامتة والإلغاء التكنولوجي..
الكومبارس: بين المشاركة الصامتة والإلغاء التكنولوجي
لا يخلو فيلم من مشاهد يظهر فيها أشخاص بلا ملامح واضحة ولا أسماء بهدف ملء فراغات مكانية مثل شارع أو محل تجاري أو مطعم أو قاعة محكمة أو معسكر للجيش. ويحمل هؤلاء الأشخاص اسم الكومبارس وهي كلمة مأخوذة من الإيطالية وتعني في أصلها التشارك أو الظهور ثم أصبحت تطلق على كل من يؤدي في الأفلام دورا ثانويا جدا أو صامتا بلا شخصية واضحة.
ارتبط وجود الكومبارس ببدايات السينما في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما وجد المخرجون أنفسهم في حاجة إلى استخدام جموع لإعطاء صبغة واقعية ومقنعة لأماكن عامة أو عند تصوير مشاهد الحروب والمعارك والاحتفالات الضخمة.
لو عدنا إلى تاريخ السينما منذ نشأتها لوجدنا بأن هناك عددا من الأفلام لجأت إلى استخدام أعداد كبيرة جدا من الكومبارس ومن أهمها فيلم “الوصايا العشر” إنتاج 1956 وفيلم “بن هور” إنتاج 1959 عندما اضطر المسؤولون إلى استقدام آلاف الأشخاص لمنح بعض المشاهد قوة ولتعزيز تأثيرها على المتفرجين. وكان فيلم الوصايا العشر هو صاحب الرقم القياسي في عدد أفراد الكومبارس الذين استخدمهم إذ تراوح بين 14 و 15 ألف شخص بالإضافة إلى أعداد هائلة من الحيوانات. هذا بالنسبة لسينما هوليوود، أما أعلى عدد من أفراد الكومبارس تم تسجيله عالميا فهو من نصيب الفيلم الهندي “فيرا بانديا كاتابومان” إنتاج 1959 حيث شارك فيه ما لا يقل عن 20 ألف شخص. هناك أيضا فيلم “غاندي” إنتاج 1982 إذ شارك 300 ألف شخص في مشاهد التشييع ولكن هؤلاء كانوا متطوعين ولم يستلموا أي أجور بل أرادوا طوعا الظهور في هذا المشهد.
يُذكر هنا أن بعض الأفلام اضطرت إلى الاستعانة بخدمات جنود فعليين من جيوش حقيقية كما حدث في فيلمي “واترلو” و “سبارتاكوس”. في “واترلو” إنتاج 1970 ظهر ما بين 15 إلى 17 ألف جندي سوفييتي ككومبارس بعد تدريبهم على مدى أشهر على طرق القتال وكيفية سير المعارك في عصر نابليون بونابرت. وفي فيلم “سبارتاكوس” إنتاج 1960 جرت الاستعانة بخدمات أعداد كبيرة من جنود الجيش الإسباني عند تصوير مشاهد المعركة النهائية بين جيش العبيد والجيش الروماني ومن المقدر أن المخرج ستانلي كوبريك استخدم ما يتراوح بين 8 إلى 10 آلاف جندي إسباني ككومبارس لضمان الانضباط وواقعية التشكيلات العسكرية الرومانية. وكانت هذه الجيوش توفر المعدات الثقيلة أيضا مثل الخيول والمدافع والأسلحة لتصوير المشاهد الملحمية. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن الهدف من استخدام الجنود كان خفض تكاليف الإنتاج بالتأكيد من ناحية الأجور ومن ناحية تهيئة الملابس الملائمة للحشود.
الحقوق
عندما بدأ استخدام الكومبارس لم يكن للأشخاص الذين يعملون في هذا المجال أي نوع من الحقوق. كانوا يؤدون أدوارهم ويستلمون أجورا مقطوعة مقابلها ثم يمضون. ولكن سرعان ما تغيرت الأمور مع بدء ارتفاع الأسعار وظهور النقابات التي راحت تدافع عن حقوق هؤلاء الأشخاص وكان ذلك خلال العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين في فترة الكساد الكبير. ولكن السبب الأهم وراء تحرك النقابات كان الاستغلال وظروف العمل السيئة مثل ساعات العمل الطويلة وعدم توفير إجراءات السلامة والأمان إذ كان المشاركون يضطرون أحيانا إلى الوقوف لساعات طويلة في درجات حرارة مرتفعة في الصحراء أو في مناطق جافة مثلا وهم يرتدون ملابس ثقيلة كما حدث عند تصوير فيلم “الوصايا العشر” أو “كليوباترا” مما أدى إلى إصابة البعض بحالات إغماء وإجهاد فيما لم يوفر المسؤولون عن الإنتاج خدمات رعاية طبية كافية في ذلك الوقت. وكان بعض أفراد الكومبارس يتعرضون أيضا إلى إصابات في مشاهد الحروب بسبب استخدام متفجرات حقيقية لتعزيز الواقعية دون التفكير بتوفير إجراءات أو معدات حماية كافية. حدث الأمر نفسه عند تصوير مشاهد غرق أو سقوط من مناطق عالية. وبعد إنشاء النقابات فرضت الأخيرة تواجد مسعفين في مواقع التصوير ودفع تعويضات لمن يُصاب أثناء العمل إضافة إلى وضع ضوابط عند استخدام المتفجرات أو إشعال حرائق مما ساعد في تحسين ظروف عمل الكومبارس.
الأسوأ
لا تتوفر إحصائيات رسمية موثقة عن الأفلام التي عانى فيها أفراد الكومبارس تاريخيا وذلك لعدم دقة السجلات وبسبب الامتناع عن تسجيل العديد من الإصابات البسيطة. ومع ذلك يُعتبر فيلم “يوم القيامة الآن” إنتاج 1979 أسوأ الأفلام سمعة على هذا الصعيد بسبب حوادث وقعت خلال التصوير وبسبب سوء ظروف العمل وهو ما أدى إلى إصابات عديدة كان بعضها خطيرا وحتى إلى وفيات. أما الأسباب فلم تكن المتفجرات أو مشاهد المعارك وحدها بل أيضا بسبب فوضى الإنتاج في بيئة غير عادية إذ تم تصوير الفيلم في أدغال الفلبين حيث تنتشر الأمراض الاستوائية والحشرات السامة وحيث تكون درجات الحرارة والرطوبة عالية وهو ما أدى إلى تسجيل حالات مرضية متكررة بسبب الإجهاد والجفاف إلى ما غير ذلك. يُذكر أيضا عن هذا الفيلم أن المسؤولين عن الإنتاج كانوا غير منظمين بالمرة وكانوا يتأخرون في دفع مرتبات المشاركين لأشهر طويلة. من جانب آخر، استعان الفيلم بجنود فيليبينيين ككومبارس وكان هؤلاء يضطرون إلى المغادرة فجأة أحيانا للمشاركة في معارك حقيقية في البلاد وهو ما أدى إلى صعوبة ضبط جداول العمل وسوء التنظيم. يُضاف إلى ذلك استخدام متفجرات حقيقية أثناء التصوير مما أدى إلى إصابة عدد من أفراد الكومبارس القريبين من مواقع التفجير وبالطبع كانت تلك المواقع نائية جعلت من الصعب توفير العناية الطبية اللازمة في الحال.
يمكن ذكر الأمر نفسه عن الفيلم العربي “الناصر صلاح الدين” إنتاج 1963 للمخرج يوسف شاهين الذي استخدم آلاف الجنود والمدنيين ككومبارس في ظروف تصوير صعبة في الصحراء. لم يسجل هذا الفيلم خسائر كبيرة كالتي سجلتها أفلام غربية ولكن سوء التنظيم كان هو السائد فوقعت إصابات وحالات إغماء بين أفراد الكومبارس في مشاهد التدافع في الفيلم.
تقنيات
مع مرور الوقت تم تطوير تكنولوجيا متخصصة لا سيما في الثمانينات والتسعينات تحمل اسم CGI التي أصبح من الممكن بها ملء الشاشة بأعداد هائلة من الجموع البشرية دونما حاجة إلى استخدام أشخاص حقيقيين. ونلاحظ ذلك في أفلام مثل سلسلة “سيد الخواتم” بدءا من 2001، حيث تم توليد أكثر من 200 ألف جندي باستخدام تقنية CGI. ومع ذلك لم يؤد استخدام التكنولوجيا إلى إلغاء دور الكومبارس تماما إذ ظلت الحاجة قائمة إلى خدمات هؤلاء الأشخاص في مشاهد التصوير القريبة أو تلك التي تحتاج إلى تفاعل حقيقي من أشخاص.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن أداء دور كومبارس كان بداية لصعود ممثلين أصبحوا من المشاهير في ما بعد مثل روبرت دي نيرو وبراد بيت وجون واين وكلنت إيستوود وجورج كلوني ومارلين مونرو وغيى
صفحة سينما العالم
رابط الفيلم
https://ok.ru/video/1282556889764