فروغ فرخزاد العاشقة
* عبدالنبي فرج
1
“لا تَضع على شَفتيّ قفلَ الصَّمت،
ففي قَلبي قِصَّةٌ لَم تُرو،
و انزع القَيدَ الثَّقِيلَ عَن قَدمِي،
فأنا مُضطَربَةٌ مِن هَذا الوَجد..!!
تشرق الشمس ت: محمد اللوزي
لم أقرأ منذ فترة طويلة كتابا مثيرا للدهشة والحزن والأسى، عن شاعرة وسينمائية ورسامة وناثرة من طراز رفيع، إنها فروغ فرخزاد الشاعرة الإيرانية الشهيرة والكتاب هو ” فُروغ فَرُّخ زاد” نصوص نثرية ـ مقابلات، رسائل، رحلات، بترجمة ممتعة لخليل علي حيدر، والصادر شراكة بين المركز القومي للترجمة، ودار العين بالقاهرة. الملاحظ أنه لا يوجد اسم مكتوب سوي اسم المترجم ولا نعرف من مؤلف الكتاب أم هو تجميع المترجم.
عندما أقرأ سيرة شاعرات من أمثال مارينا تسفيتايفا، آنا أخماتوفا، سيليفا بلاث، مي زيادة، جويس منصور و فروغ فرخزاد المعنية بالمقال أتساءل: ما الذي يجعل كائنات هشة وحساسة لمواجهة واقعٍ سياسي واجتماعي بليد وقاس، ما الذي يجعل كائنات تسير علي الحافة في خوض معارك خاسرة، و لأنها لا ينقصها الذكاء تعرف أنها خاسرة ضد الزيف والخداع والنفاق الاجتماعي، والتحلل ، وأنها تستنزف روحياً وتخرب من الداخل، ما الذي يجعلها تدخل في أتون صراع غير متكافئ؟ برأيي لأنها لا تستطيع أن تعيش إلا في هذا الإطار، لأنها كائن حر، ولذلك مفردات ودلالات الحرية متناثرة في قصائدها / الطائر كان طائراً فقط / الطائر ميت لا محالة/ ولادة أخرى/ قمر… أيها القمر الكبير/ في مياه الصيف الخضراء / ستأخذنا الريح/ عبور، وعناوين دواوينها ، الأسيرة، وتشرق الشمس، العصيان/ الجدار /تمرد .
فروغ شاعرة استثنائية، جسرت المسافة بين الباطني والظاهر، حد التلاشي هذه الطفلة التي عاشت حياتها ببراءة و نالت العنت من الجميع ، من/ السياسة /دكتاتورية الشاه، حيث وقفت بجانب العمال ونشرت رسائلهم وأخبارهم في الصحف الغربية/ المجتمع المحافظ، المزيف الذي يمارس التقوى في العلن والسلوكيات القذرة سرا، رجال الدين الذين وسعوا المسافة بين ما يضمرون، وما يمارسونه من فساد وتحلل أخلاقي وبين ممارسات اجتماعية تشي بالطهرانية والتقوي والزهد.
فروغ جسم غريب ، وواحدة ضد الجميع، كيف يتقبلها المجتمع الخامل الغارق في المظاهر الكاذبة وهي تطلق صرخاتها نشوانة، تبتهل ابتهالات شهوانية
أيتها النوافذ العمياء،
الآن أسفل بطني وفي أعماق خاصرتي
تنمو وردةٌ حمراء،
وردةٌ حمراء
حمراء
مثل رايةٍ في يوم القيامة،
آه أنا حبلى، حبلى، حبلى.
ولذلك أستغرب من يقصي الجانب الحسي ، الإيروتك في شعرية فروغ، وكأن الإيروتك والحسية، عيب خلقي أو ذنب. والتعبير عن المشاعر الجوهرية الأصيلة جريمة، مع أنه جزء جوهري لا يمكن إغفاله من فنان حر، من روح محبة، ولذلك فإن تأويل كل مفرداتها لصالح الصوفية خطيئة، قد تكون متأثرة بالصوفية ضمن شبكة معقدة من تكوينها وداخلها يسكنه درويش، ولكن هي بنت اليومي والمعاش والحواس الحرة لذلك تهتف: “أردت أن أكون امرأة، أي أن أكون – كائنا بشريّا – أردت أن أقول إنّني أنا أيضا لي الحقّ في أن أتنفّس وأن أصرخ، لكنّ الآخرين أرادوا أن يخنقوا ويخرسوا صراخي على شفتَيّ، وأنفاسي في رئتَيّ”
2
يتناول الكتاب سيرة حياة فروغ باختصار ولدت في عائلة عسكرية في طفرش سنة 1935. استكملت دراستها حتى الصف التاسع وحين أتمت عامها السادس عشر تزوجت من برويز شابور. أكملت فروغ دراستها عبر دروس الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز وبعد عام رزقت بولدها الوحيد (کاميار). بعد أقل من عامين حدث الطلاق بينها وبين زوجها وحصل الزوج على حضانة الابن مما دفع فروخ لإكمال مسيرتها الأدبية. وعادت إلى طهران لكتابة الشعر وأصدرت أول ديوان لها في عام 1955 بعنوان الأسير.
نشرت ديوانين آخرين بعنوان الجدار والثورة وذلك قبل ذهابها إلى تبريز سنة 1962 لتصوير فيلم عن الإيرانيين المصابين بالجذام بعنون (البيت أسود) فى العام التالي 1963 نشرت ديوان (ميلاد جديد) في 14 فبراير 1967 توفت فروغ في حادث سيارة
الرسائل
نصيب الشاعرة من كتابة الرسائل غزيز رغم الشكوي المستمرة من ضيق الوقت وصراعها المحموم في الحياة لإنجاز مشاريعها خاصة أنها كان لديها يقين أنها ستموت في شبابها، وتوزعت رسائلها بين مقتطفات أوردها المترجم بدون الاشارة إلي مرسل إليه وهي رسائل قاتمة مغرقة في الحزن من غدر البشر وقسوتهم مما جعلها تعيش في وحدة مطلقة إلا من عدد محدود جدًا من الأصدقاء تقول فيها” حاولت دائمًا أن أكون كبابٍ مغلق كي لا يري أحد أو يعرف حياتي الداخلية، حاولت أن أكون إنسانًا بينما كنت في داخلي كائنا حيا” أشعر بضغط مدوخ تحت جلدي.. أريد الوصول إلي أعماق الأرض، حبي هناك حيث تنغلق البذور وتخضر وتتشابك الجذور” يا لها من دنيا عجيبة فأنا لا شأن لي بأي شخص آخر غير أن هذه المسالمة والانطواء علي الذات تدفع الآخرين للتطفل والتدقيق في أموري الخاصة .. لا أعرف كيف ينبغي التصرف مع الناس إنني إنسان خجول ومن الصعب بالنسبة لي أن أقيم علاقة مع الأخرين ” ثم ينتقل لصفحة 115 ليلقي الضوء علي رسائلها إلي والدها تصف له حياتها وهي تعيش في ألمانيا، وتعتذر منه لعدم الرد سريعا علي رسائله بالسرعة المطلوبة وكيف تتوزع حياتها بين البيت والعمل، ثم رسائلها إلي شقيقها ف. فرخزاد بعد حذف بعض المقاطع وهي الرسائل الأغزر المثبتة في الكتاب حيث كان شقيقها يمثل أهمية كبيرة رغم أنها كانت ضد فكرة الأسرة عموما لذلك كانت حياتها في الغرب هي الفترة الأكثر حرية رغم الحنين للوطن ولكن كان هناك رابط روحي يتجاوز فكرة الأسرة حيث أن فري كما تلقبه كان شاعرا وتري فيه مستقبلا مشرقا استثنائيا، كما أنه بحسب رسالة له حيث قرر أن يعيش بعيدًا عن طهران وعن المشهد الثقافي المصطنع والمزيف عن الأسماك الميتة التي تطفو علي سطح الحياة الثقافية والذي يمثل قمة الانحطاط والسخافة والاحتفاء بكل ما هو فاسد، لذلك تحول لمكان طارد تقول فروغ ” سعيدة جدًا أنا لذهابك إلي مكان لا صلة له بهذه الحياة الثقافية المصطنعة في طهران. ثم تنصحه بالابتعاد عن كتابة الشعر قدر المستطاع أما الرسائل التي تكشف عن روحها الإنسانية الآسرة فهي رسائلها إلي نور محمد من إحدى الأسر المصابة بالجذام حيث كانت تنتج فيلما عن مصح الجذام وهناك تعرفت علي حسين ابن نور محمد المصاب بالجذام وقد تبنت حسين وكانت توليه اهتماما يماثل اهتمامها بابنها وكان حسين يتمتع بالذكاء ولكنه كان شديد الشقاوة حتي إنه كسر زجاج سيارة أحد الجيران وقد صمم الجار أن يذهب به إلي المخفر مما أدى لدفعها 300 توم رغم أنها كانت تعاني شظف العيش لفترات طويلة، وقد كتبت لنور محمد أكثر من 100 رسالة لم يبق في جعبة السيد نور سوي خمس رسائل
مذكرات رحلة إلي أوروبا
لا تبالي فروغ بالمظاهر الخادعة فهي كائن بسيط لذلك عندما تم الحجز لها علي طائرة بضائع لم تستنكف ذلك
مفهوم الشعر
لم تشغل فروغ نفسها كثيرا بقضايا مثل المضمون أو الشكل أو الوزن أو عدم الوزن، كانت جل مشكلة بروغ في اللغة التي تعتبرها جوهر الشعرية فلا قصيدة مهما كانت إلا ولها شكل ومحتوي ومهما كان التزام الشاعر بالوزن والقافية أو تخلي عنهما واستخدم لغة قديمة مستعملة، مهترئة بالتأكيد النتائج ستكون في غاية البؤس، ولكن جهود الشاعر الحقيقية يجب أن تنصب علي تجديد اللغة، وهذه اللغة الجديدة سترسم مسارا جديدا حيا، وحيويا، يحتوي مشاعر وأحاسيس خاصة، ملتصقة بالشاعر، كانت فروغ واحدة ممن يمتلكون شموخا وكرامة، في عدم الانصياع، وعدم الاستسلام لغير ذاتها فرغم معرفتها العميقة بروح الشعر الإيراني، وثراء محتواه ولكنها كانت ترفضه، ترفض الغناء إلا بصوتها هي، لذلك كانت نموذجا فريدا في الشعر،” أعتقد أن الشاعر المعاصر عليه أن يتحلى بالشجاعة، التي تجعله يعمد إلي إدخال كلمات جديدة إلي شعره صفحة 186- في إجابتها عن سؤال باستخدام الأطر التقليدية كالغزل والمثني للتعبير، تجيب: القضايا المعيشية واليومية لا تتناسب علي الإطلاق مع مثل هذه القوالب لا يمكن استخدام كلمة عجوز ميتة بالاستعانة بأحدث الأطر والقوالب لكتابة شعر معبر حي متوقد ص 92 ،” كان علي أن أتجه نحو تلك اللغة، بخطوات طبيعية داخل ذاتي، وفق مستلزمات حاجتي الحسية والفكرية، وهكذا تم بناء هذه اللغة ذاتياً في داخلي . لا تثبت فروغ أنها شاعرة ذات موهبة كبيرة فقط ولكن ناثرة عظيمة أيضا حيث النثر لديها ذو طاقة روحية مدهشة، واللغة مكثفة وغنية ومعبرة عن مشاعرها، وأحلامها وأفكارها، وحزنها العميق من واقع بليد يحاصرها.
#قصائد مترجمة
#مجلة ايليت فوتو ارت


