فيلم بيت الأرواح
The House of the Spirits
الكاتب رحيم الحلي
قد يخدع عنوان فيلم The House of the Spirits المتلقي للوهلة الأولى، فيذهب به الظن إلى أجواء الغموض أو الفانتازيا، غير أن الفيلم، منذ مشاهده الأولى، يعلن انتماءه الصريح إلى الواقعية القاسية، تلك التي لا تستعير الأشباح إلا بوصفها ذاكرة، ولا تستدعي الأرواح إلا باعتبارها أثراً إنسانياً لما فعله التاريخ بالبشر. نحن أمام ملحمة عائلية تتقاطع فيها الحياة الخاصة مع المصير السياسي، وتمتد زمنياً عبر ثلاثة أجيال، لتصل إلى واحدة من أكثر اللحظات دموية في تاريخ تشيلي الحديث، انقلاب عام 1973.
الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتبة التشيلية إيزابيل أليندي، الرواية التي لم تكن مجرد عمل أدبي ناجح، بل نصاً مؤسساً لاسمها وحضورها العالمي، ضمن تيار الواقعية السحرية الذي لمع في أميركا اللاتينية، إلى جانب أسماء كبرى مثل غابرييل غارسيا ماركيز. غير أن السحر هنا لا يعمل كزخرفة، بل كوسيلة لفهم واقع بالغ القسوة، واقعٍ لم يكن من الممكن القبض عليه بلغة مباشرة.
ينفتح الفيلم على زمن طويل، يبدأ من نهايات القرن التاسع عشر، حيث تتشكل البذور الأولى لعائلة ستبقى أسيرة خياراتها وأخطائها. في قلب الحكاية يقف ستييبان ترويبا، الإقطاعي الصلب، القاسي، الذي يجسده جيرمي آيرونز بأداء محكوم بالتوتر والكبرياء. رجل يؤمن بالسلطة، بالمال، وبالهيمنة الطبقية، ويدّعي الدفاع عن القيم حين تخدم موقعه، لكنه لا يتردد في سحق الآخرين حين تتعارض تلك القيم مع مصالحه.
في الجهة المقابلة تقف كلارا، الشخصية الأكثر نقاءً في الفيلم، التي أدتها ميريل ستريب بهدوء داخلي نادر. كلارا ليست ثورية بالمعنى السياسي، لكنها مقاومة بطريقتها الخاصة، بالصمت، بالتأمل، وبالإيمان بأن الروح أقوى من العنف. قدرتها على التنبؤ، على التخاطر، وعلى رؤية ما وراء الظاهر، تجعلها أشبه بضمير أخلاقي يرافق الأحداث دون أن يوقفها، لكنه يسجلها بدقة موجعة.
اختيار المخرج الدنماركي بيل أوغست لبنية سردية هادئة، غير متعجلة، يمنح الفيلم ثقله الحقيقي. الكاميرا لا تلاحق الحدث، بل تنتظره. الزمن ليس عنصراً محايداً، بل شريكاً في السرد، يراكم الخسارات ويكشف التحولات النفسية للشخصيات. أما الموسيقى التي وضعها هانز زيمر، فهي لا تتعامل مع المشاهد بوصفها خلفية، بل كذاكرة سمعية تستدعي الحزن حتى في اللحظات التي تبدو هادئة.
المزرعة التي تدور فيها أغلب الأحداث ليست مجرد مكان، بل رمز كامل لبنية اجتماعية مختلة. هناك تتجلى السلطة الإقطاعية في أبشع صورها، وهناك أيضاً تبدأ تصدعاتها. علاقة بلانكا، ابنة ترويبا، مع بيدرو العامل البسيط، ليست قصة حب فقط، بل فعل تمرّد طبقي صريح. تجسد بلانكا هذا الانكسار الجميل للتراتبية الاجتماعية، بأداء حساس لـ وينونا رايدر، بينما يمنح أنطونيو بانديراس شخصية بيدرو طاقة إنسانية صادقة، كانت بمثابة انطلاقته العالمية الحقيقية.
يبلغ الفيلم ذروته المأساوية مع الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس سلفادور أليندي، وصعود الجنرال أوغستو بينوشيه. هنا تتقاطع المصائر الشخصية مع الكارثة الوطنية، ويُسحق الجميع تحت عجلة العنف، بما فيهم أولئك الذين ظنوا أن السلطة تحميهم. حتى ترويبا نفسه، بكل جبروته، يجد ذاته وحيداً، مكسوراً، محاطاً بذاكرة لا ترحم.
بيت الأرواح فيلم عن الذاكرة أكثر مما هو عن السياسة، وعن النساء أكثر مما هو عن الرجال، وعن استمرارية الحياة رغم الخراب. إنه عمل يقول إن التاريخ قد ينتصر بالقوة، لكنه يُهزم أخلاقياً حين يبقى في الذاكرة. فيلم لا يُشاهد مرة واحدة، بل يُعاد إليه، لأن كل عودة تكشف طبقة جديدة من الألم… ومن الإنسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اضغط على الرابط التالي لمشاهدة الفيلم
https://ok.ru/video/631947660016
#سينما العالم
#مجلة ايليت فوتو ارت


