فيلمان يدوران بفلك واحد.آخر أيام المدينة” و”عصفوري”: سينما المدن الآيلة للسّقوط ..الفيلم اللبناني المهم .إخراج :فؤاد عليون.وفيلم للمخرج المصري:تامر السعيد .


“آخر أيام المدينة” و”عصفوري”: سينما المدن الآيلة للسّقوط ..الفيلم اللبناني المهم اخراج فؤاد عليون
 محمد جميل خضر

استغرق العمل على “آخر أيام المدينة” 10 أعوام
بالمصادفةِ وقعتُ في ليلة واحدة على فيلميْن عربيين يدوران في فلك مشترك؛ ويحاولان خلال دورانهما هذا معاينة عمارة عاصمتيْن عربيّتيْن في خضم تقلّبات هاتيْن العاصمتيْن السياسية والوجودية والقيمية والاجتماعية والإنسانية، وما تركته الصراعات والحروب والتحوّلات والفساد والطغيان من جروح بليغة في جسد العاصمتيْن ومبانيها (القديمة المزدانة بعمارةٍ أخّاذة وتفاصيل آسرة خصوصًا) وموجبات صمودها في وجه الريح والعواصف.الفيلم اللبناني “عصفوري” تأليف وإخراج فؤاد عليوان، والفيلم المصري “آخر أيام المدينة” تأليف وإخراج تامر السعيد، ومن دون موعدٍ مُسبق، شكّلا خلال مشاهدتي لهما على التوالي ملمحًا عميق التقارب في طرحهما الجوهري وهواجس صانعيْهما المفصلية، تتعلّق، تحديدًا، بِتجوال كاميرتيهما اللحوح في تفاصيل عمارة العاصمتيْن العربيّتيْن اللتيْن تشكّلان بوصلتيْن رئيسيّتيْن حين تناول العواصم العربية الوسطى والمشرقيّة، إضافةً، طبعًا، لبغداد ودمشق.هل بإمكاننا، بالتالي، تجنيس الفيلميْن تحت مسمّى لم أسمع به من قبل: سينما العمارة؟ أو، ربما، العمارة في السينما؟ والاسم الثاني جرى التطرّق له في غير دراسة ومقالةٍ ومقام.لا نقصد في فيلميْنا موضوع البحث تلك العمارة التي ظهرت في فيلم “فارس الظلام” The Dark Knight (2008) على سبيل المثال، لمخرجه ومنتجه المشارك في كتابته البريطاني كريستوفر نولان، ولا تلك التي اختبرها فيلم Inception (2010) للمخرج نفسه صاحب “فارس الظلام”، فالعمارة في فيلميْه (على ما نالاه من جوائز وتقدير ومتابعة) هي عمارة الناطحات وهي تتصدع أمام قوى الفيلميْن وتداعيات صراعاتهما، بل تمحورت روح العمارة في الشريطيْن موضوعِنا، بما يمكن أن تستولده مبانٍ قديمة، أو حتى، آيلة للسقوط، من حنينٍ، وتأمّلٍ، وحسرَة. وهي في حالة “عصفوري” و”آخر أيام المدينة” كثيرة، خصوصًا في بيروت القديمة، وفي وسط البلد القاهرية؛ مبانٍ تحظى بنقوش الإبداع المعماري، وحجارة المخيال الجمالي، وتحيل إلى زمان كان، وتذكّر بما مرّ على عاصمتيّ قرارٍ ضائعٍ من زوابع أحداث، وماء غرقٍ.في مشهد صوره مخرج فيلم “آخر أيام المدينة” في عام 2009، نرى مظاهرة وسط القاهرة تُرفع فيها يافطات مكتوب عليها “نصرةً لأهل غزة”، ويبدو أنها مظاهرة أعقبت عدوان نهاية عام 2008، ومطلع عام 2009، كيف لا وغزّة كانت، وسوف تظل، بوصلة التنادي للمؤازرة والتضامن بوصفها جزءًا من قضية كبرى هي قضية فلسطين.  
“آخر أيام المدينة”…بروحٍ عربيةٍ جامعةٍ يخوض “آخر أيام المدينة” في قضايا سياسية وإنسانية واجتماعية. ويعاين بكاميرا لا تكاد تهدأ على مدى دقائق الفيلم البالغة (119) دقيقة، وعبر حوارات ينبري لها أربعة شبان عرب، أحوال الناس في مدنٍ منذورةٍ لتصدّعٍ يكاد يطيح بتاريخها وأحلام ناسِها وموجباتِ نهوضِها. المصري خالد (يؤدي دوره خالد عبد الله)، واللبناني باسم (يؤدي دوره باسم فياض)، والعراقي حسن (يؤدي دوره حيدر حلو)، والعراقي الآخر طارق المهاجر إلى ألمانيا (يؤدي دوره باسم حجّار)، يجتمعون في القاهرة، حيث يصل الثلاثة غير المصريين إلى مصر للمشاركة في ندوة حول السينما (أو ربما المشاركة في مهرجان سينمائي)، وخلال لقاءاتهم في وسط البلد، أو فوق جسر يطل على النيل، يواصلون طرح مقارباتهم حول مفهوم الوطن والمواطنة، وماذا تعني بغداد للعراقييْن، والقاهرة لخالد وبيروت لباسم. في مشهد محوري ضمن مشاهد الفيلم، يقول حسن لابن بلده طارق ولباسم وخالد: “بغداد كما أراها ليست أغنية ولا شارع ولا طربونة ولا أمي… بغداد هي لحظة وأنا لا أستطيع أن أعيش هذه اللحظة خارجها… لو فعلتُ أموت”. في المقابل وبما يتعارض مع طرح حسن، يرى طارق أنه يمكن أن يأخذ بغداد معه إلى حيث قرر الهروب واللاعودة “أقدر أشيلها وياي… أقدر أحملها معي وأزرعها في مكانٍ ثانٍ كأي نبتة… كأي شجرة… كأي وردة… وتثمر هناك في البعيد… أما أن أبقى في مدينة مكتظة بالجثث المجهولة على امتداد الشوارع، فأنا صعب عليّ كإنسان أن ألتقي صباحًا بجثة وأنا في طريقي للكلية، أو العمل، أو أي مكان كان”. أمّا باسم فيرى أن بيروت تكذب أكثر بكثير مما تبوح، وفي لحظة انفعالية مجروحة وجارحة يقول: “(اشْلُكّة) بيروت… كل شيء فيها حلو من برّة… بس من جوّا معفنة… بالمقابل شايف هاي الكارثة اللي اسمها القاهرة… كارثة بس ما تكذب… ما بتقلك أنا شيء رائع… بتقلك ليك أنا هيك خدني متل ما أنا أو روح عَ برلين”. خالد لا يعرف كما يعترف إن كان يحب القاهرة وناسها وصخبها وتدافع صورها أم لا “كل اللي أعرفه إني عايز أصوّر”.

بوستر “آخر أيام المدينة” 
خالد التائه في مدينة تبتلع العرائس كما نيلها، يواصل على امتداد أحداث الشريط حمل كاميرته وتصوير كل ما يرتبط أو لا يرتبط بفيلمٍ ما، يبدو أنه يعمل عليه مع مونتير هو في الأصل مهندس معماري، حيث المكان الذي يعملون على المشاهد التي جمعها خالد هو مكتب هذا المهندس المعماري، وهي ليست مصادفة حتمًا، فخلال عمليات المونتاج يظهر أثر هذا المونتير/ المعماري واضحًا، كما لو أن تامر السعيد وفريق عمل الفيلم يريدون أن يقولوا لنا إن هذه العمارة التي يحتشد بها وسط القاهرة، وتلك المباني الزاخرة بمرجعيات حضارية متجاورة أحيانًا، ومتباينة أحايين؛ مملوكية على إيطالية على فرنسية على قوطية إلى آخره، هي عمارة لم تقل كلمتها الأخيرة، وإن أي تقويض لها بحجة التحديث، أو التجديد، أو الاستثمار بمبانٍ جديدةٍ صاعدة عاموديًا، هو قمع لجملةٍ حضاريةٍ إنسانيةٍ وجوديةٍ لم تقلها تلك المباني بعد.من مفارقات الفيلم أن طارق الذي لا يرغب بالعودة إلى بغداد، هو في الحقيقة لا يستطيع العودة إليها حتى لو أراد، كونه يحمل وثيقة لاجئ تمكّنه من زيارة بلدان العالم إلا بلده وبغداده، حيث لو فعل تنتفي الأسباب التي استخدمها تبريرًا لحصوله على هذه الوثيقة! وعليه وحين سأله خالد أين بغداد منك، أجابه أنها هنا في جيب معطفي. يعقّب حسن “طارق مهاجر من العراق إلى ألمانيا وإذا عاد إلى العراق يطردونه من ألمانيا بالجلاليق”. وأمّا حين سأله باسم إن كان مشتاقًا إلى بغداد، فأجابه أن بغداد هي صديقه حسن.

العمارة في وجدان خالد لمدينة تسقط 
يعود خالد في مشهد آخر يجلسون خلاله فوق سقف القاهرة ويتناولون البيرة، إلى سؤال طارق عن اللحظة التاريخية التي قرر عندها مغادرة بغداد، وإذا به يروي لهم قصة حدثت معه عندما كان يريد أن يقطع الشارع ليصل إلى الكلية، رأى سيارة (بيك آب) في صندوقها المكشوف جثة مكشوفة، وعلى امتداد مسيرها ثمة دم ينزل منها نحو الشارع، ولأنه لا يريد أن يكون يومًا مكان هذه الجثّة قرر أن يرحل. يعلق حسن قائلًا: “بدل أن تغسل الخط مال الدم عفتَ ورحت”، في سياق رده على تعليق حسن يسأل طارق باسم متى بدأت الحروب والصراعات في لبنان فيجيبه باسم من عام 1840، فيكون رده (لازم أغسل خط مال دم من 1840 إلى ما لا نهاية؟).تواصل الموسيقى منحهم مشاعر متداخلة شرقية وغربية، ثم يوجهون جميعهم نظرهم نحو تمثال مصطفى كامل باشا، ويرددون معًا العبارة المنقوشة تحت نصبه: “لا معنى للحياة مع اليأس ولا معنى لليأس مع الحياة”، ولعل العبارة تحيلنا من تلقائِها وتلقائِنا لعبارته المهمة الأخرى: “الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية”. مشهد لم يأخذ من الفيلم سوى دقيقتيْن، لكنّه غنيٌّ ومحمّلٌ ولو اكتفى الفيلم به لكفاه.

عن مدنٍ آيلة للسقوط 
يقودنا مشهد التجوال في قاع القاهرة إلى مبنى الفيلم وتفاصيله الإخراجية، إذ يبدو أن السنوات الطويلة التي احتاجها إنجازه (في غير مقابلة يكشف تامر السعيد أن الفيلم استغرق تصويره والعمل عليه عشرة أعوام)، لم تكن بلا طائل، بل حققت تراكم رؤية في المبنى والمعنى، نتج عنه منجز سينمائي غني بتقنياته، وزوايا كاميرته، ومشهديته البصرية، وحسن اختيار مرافقاته الموسيقية، وتناوب تداخل تقطيعاته، وتبئير عينه، وتوظيف مجاميعه. وخلال كل تلك الأعوام، واصل فريق عمل الفيلم المستقل ماليًا كما يؤكد تامر في كل مناسبة، العمل عليه وفق جهد جماعيٍّ. يُقصي الفيلم من سنوات تصويره ثورة يناير/ كانون الثاني في عام 2011، إذ يبدو أن قلقه على عمارة وسط القاهرة وخزانات النوستالجيا زاد بعد اندلاع الثورة أكثر مما كان عند شروعه بالتصوير في عام 2008، خصوصًا أنه يربط بين إرهاصات الثورة، وبين تحوّلات المجتمع المصري نحو التحجّب والتديّن؛ فالمصعد الذي يركبه لمعاينة شقة جديدة (الحدث المتكرر طوال الفيلم هو بحث خالد عن شقة جديدة)، إمّا أن أحد سكان العمارة ربط حركة المصعد بأدعية تندلع فور صعوده أو هبوطه، أو أن جدار المصعد مرشوم بالمواعظ (الحجاب قبل يوم الحساب) وما إلى ذلك، حتى الإذاعة التي كان يعمل بها والده ألغت قاعة من القاعات وحولتها إلى مصلّى، في حين أن المذيعة القديمة العجوز التي تواصل سرد حكاية قديمة عن سلطان ووزير وفلاح يصادقون الشمس ويركبون شعاعها، تبدو شبه معزولة في استوديو آيل للسقوط هو الآخر، يرافقها مهندس صوت لم يجد، على ما يبدو، استوديو آخر يعمل فيه!عن الفرق بين الموت في برلين والموت في بغداد… عن خيارات الإنسان… وأغاني زمان… ومجد الإسكندرية أيام مجدها… عن حريق مسرح بني سويف… عن ليلى التي يحبها خالد لكنها تكره الكاميرا، ولهذا قررت أن تهاجر تاركة له عيون كاميرته الآيلة للسقوط (أدت دورها ليلى سامي)… عن زهرة التوليب الأبيض وأُصصها المتروكة على الأرصفة… عن (المونيكانات) المعروضة في (الباترينات) التي حجّبها التجّار الجاهزون لارتداء أي موضة تشيع حولهم؛ موضة تديّن، أو فجور، القابلون لتغيير واجهات محلاتهم وأقنعة صورهم بحسب العرض والطلب… عن طيور القلق… وتنمّر الوقت… عن مرض الأمهات وموتهن… عن إدارة مصر ظهرها لتاريخها الكوزموبوليتاني (على عيوب تلك المرحلة من تاريخ مصر) من دون تقديم بديل مقنع أصيل لذلك الزمن بحلوهِ ومرّه، فإذا بها هجين بلا ملامح… عن قنابل بيروت الموقوتة… وترانيم دجلة الموجوعة… عن كل شيء إلى درجة أن مونتير الفيلم ضجر من كل هذا التداخل في الموضوعات، وكاد يتوقف عن مواصلة العمل مع خالد ملمّحًا أن فقدان الشريط لبوصلة واضحة قد يحوّله إلى متاهة لا إلى فيلم… عن الخطاط العراقي المعتّق الحاج مهدي الجبوري الذي يواصل طوال الوقت سؤال الألم: من الذي سيخطّط شاهد قبره حين يموت؟ وبأي خط عربي سيُكتب نعيه؟ وكما نرفع الأكف كل يوم هاتفين “سلام على غزّة”… باح حسن في تسجيل مصور أرسله لغايات إكمال الفيلم “سلام على بغداد”.
“عصفوري”…ليس بعيدًا عن محور فيلم “آخر أيام المدينة”، دارت فكرة “عصفوري” في إطار رصد مدينة آيلة للسقوط. وكما متاهة الشريط المصري، يغرق الشريط اللبناني بدوره في متاهة يتأرجح حدّاها بين الحفاظ على طابع بيروت التراثي والثقافي، وبين مشاريع الاستملاك والهدم للأبنية القديمة. دوامة تقودها شركة رأسمالية ربحية آخر همّها الذكريات والجماليات والحارات.مخرج الفيلم وكاتبه هو ابن البناية التي تدور أحداث الفيلم في إطارها وما حولها، عمّرها، كما يكشف في غير مقابلة معه (أبو عفيف) في عام 1927، مارّة بمراحل لبنان جميعها وتحوّلاته أوجعها؛ “سبعينيات الجنّة وثمانينيات الجحيم وتسعينيات الحلم الملتبس المريب غير المكتمل”، لتبدأ بعدها مرحلة إعمار تخللتها اعتوارات كثيرة عانت منها البناية والمدينة وناسها… مقترح التجديد خلا من هوية معمارية واضحة كون اللبنانيين أنفسهم يعانون من اضطراب الهويات وتشتتها حد الانفصام.

بوستر فيلم “عصفوري” 
عن “الانطلاق من نقطة الحفاظ على الذاكرة نحو المستقبل، فمن دون ذاكرة سيبقى لبنان مجرد (فاست فود)”… عن لم الشّمل… والطفرة العمرانية… عن مدينة تتهاوى… عن سكان بناية أبو عفيف الذين يختصرون بمكوناتهم عموم الشعب اللبناني… عن قسمة الهوية واللغة والذاكرة… في الفيلم مفردتان آيلتان للسقوط: عمارة أبو عفيف (الهوية المعمارية اللبنانية) ولغة عصفوري التشفيرية… فإذا بنا أمام واقع مضطرب يقود إلى (العصفورية).و”عصفوري” الاسم الذي يحمله الفيلم، هو اسم لغة سرية كان يستخدمها بعضهم للتورية و(تشفير) الكلام وإتاحته فقط لمن يعرف هذه اللغة كي يفهم ما يقال، حيث حرف الزين أساسي بين كل حرف وآخر داخل الكلمة الواحدة، وهي تشكّل (أي لغة العصفوري) بِمحمولها وأسباب استخدامها جزءًا من الموروث اللامادي المعرض للزوال، أو الضياع، كما لو أن مخرج فيلم “عصفوري” الذي هو نفسه مؤلفه، يريد أن يقول لنا إن الخطر الذي يداهم عمارة بيروت القديمة، هو ذات الخطر الذي تتعرض له لغة عصفوري وقد باتت من ماضٍ كان. ربما هذا ما جعله يختم الفيلم بما يشبه أغنية تستخدم تلك اللغة المنسية (جزوع عزات تزيتو زو… اسسزمو زو… السلام على البناية وعلى سكّانها).”آخر أيام المدينة” و”عصفوري” يلتقيان بـ: 1- الحنين (نوستالجيا الضرورة ونوستالجيا فائض الإشباع من مدن الغربة والهجرة واللجوء والملاذ)… 2- تغيّر معمار المدينة وقوامها وموجبات حضورها في الزمان والمكان… 3- مناقشة معنى الانتماء ومرجعياته… 4- تأمّل فنون عمارة المباني القديمة وجماليات تلك العمارة… 5- روح المكان الأول الذي ولدنا فيه وترعرعنا وحيينا (أو عشنا) شقاواتنا وإخفاقاتنا الأولى وكتبنا على حيطانه القديمة الآيلة للسقوط… 6- اللجوء إلى كاميرا يحملها أحد أبطال الفيلميْن ويوثق عبرها كل شيء.

مشهد من فيلم “عصفوري”  
ابتعدتُ في مطالعتي حول الفيلميْن عن حكم القيمة، فثمة ملاحظات عديدة لي عليهما، خصوصًا “عصفوري” المفرط في مشاهده الجريئة من دون مسوّغ درامي لمعظم هذه المشاهد، غير الدقيق في تلمّس ملامح كل مرحلة زمنية تناولها الفيلم. كما أن فؤاد عليوان لم يخبرنا لماذا يضع كريم أحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم (أدّاها وسام فارس) حلقًا في أذنه اليسرى! أمّا “آخر أيام المدينة” فيؤخذ على مخرجه وكاتبه في الوقت نفسه إصراره على سلبية خالد حتى الرمق الأخير، وتركه في منطقة الحياد العدمي البارد رغم كل ما مر حوله من أحداث وتحوّلات وعواصف وإرهاصات ثورة مصرية عارمة، وربما هذا ما يفسّر منح المشهد الأخير في الفيلم للعراقي حسن يلقي السلام على دجلة، يبتسم للكاميرا، ويمنح بلادنا جرعة أمل تنفسّها النهر والمراكب والنساء اللاتي يطلقن لأمنياتهنّ فرصة الإبحار نحو البعيد.ليست القاهرة وبغداد وبيروت وحدها الآيلة للسقوط، بل ربما عواصمنا العربية جميعها، طالما بقينا مصرّين على تأجيل الإجابة عن سؤال الأصالة والمعاصرة بما يتناسب مع معطياتنا، ويستوفي حاجاتنا، ويستعيد كراماتنا.

أخر المقالات

منكم وإليكم